أتيحت أخيراً أكثر من جلسة في مجلس الأمن للتعرّف، مجدّداً، إلى العجز الدولي في أسوأ حالاته وفي منبره الأعلى. اجتماعات متلاحقة لمناقشة الوضع في إدلب شمالي سوريا، ويبدو أن نزوح مليون مدني لم يكفِ بعد، وأن موت عدد من الأطفال بفعل الصقيع لم يشكّل دافعاً إنسانياً للاتفاق على قرار بوقف إطلاق النار. والمهم ليس القرارات بل إرادة تنفيذها. مجلس الأمن بات الآلة الدولية المعطّلة الأكثر كلفة، طالما أنها لا تستطيع وقف أي قتال وبالكاد تتمكّن البعثات الأممية من تعداد القتلى والمهجّرين وتقدير خسائر الدمار، أو من تحديد الآثار الكارثية لتجريب الأسلحة المتطوّرة قبل دفعها إلى أسواق التسلّح. الأسوأ أن مندوبي الدول يتناقشون بالخطب لكنهم يتفادون توصيف الحال كما هي واقعيّاً، فقد أصبحت الآن في إدلب صراعاً بين الدول الكبرى، بأدوار أقلّ أو أكبر، وبين دول أصغر تطبّق الحرب بالوكالة بشكل مباشر أو غير مباشر.
روسيا تحارب باسم الحكومة السورية وتعتمد على مشاركة فاعلة من ميليشيات موالية لإيران، والولايات المتحدة تحارب من خلال تركيا التي تحارب بوساطة فصائل من المعارضة السورية، تماماً كما تفعل في ليبيا. ما يجري في إدلب فصلٌ آخر من الحرب السورية وليس مؤكّداً أنه الفصل الأخير.
لا يريد الروس مواجهة مع الأميركيين، لكنهم قد يديرون مواجهة مكلفة للأتراك، وإذ كرّر هؤلاء أنهم يستهدفون القوات السورية فحسب لإجبارها على التراجع إلى مواقعها السابقة فهذا يعني أن أنقرة حدّدت هدفها وهو اتفاق جديد مع موسكو. هذا الاتفاق يكون بشروط فلاديمير بوتين أو لا يكون، لذلك لم يعد هناك داعٍ للقاءات قمة مع رجب طيب أردوغان، ففي المرّة الأخيرة لم يكن راغباً حتى في مكالمة هاتفية. كان الغضب الروسي تضاعف بعد إعلان دونالد ترامب أنه يعمل سوية مع أردوغان بخصوص إدلب، وبعد محاولة الأخير حثّ حلف «الناتو» على مساعدته، كما فعل عام 2015.
هل أن طلب الأمين العام للأمم المتحدة وقف إطلاق النار فوراً يغيّر الواقع، وهل من جديد في تحذيره بأن الوضع في إدلب «لم يعد يحتمل»؟ الجواب في العواصم المعنية، ولا شيء مؤكّداً. من ناحية قانونية دولية بحتة تحاول الحكومة السورية استعادة سلطتها في هذه المنطقة، باعتبار أن هذا حقّها، لكن تفعيل سيادتها في هذه المنطقة وفي حال حرب يعني أن نحو ثلاثة إلى أربعة ملايين من السكان يجب أن يرضخوا أو يرحلوا إما إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية وقد رفضوا ذلك، أو إلى ما وراء الحدود لينضمّوا إلى نحو أربعة ملايين آخرين موجودين في تركيا، التي باتت ترفض استقبال المزيد أو تهدّد بفتح ممرات لهم باتجاه أوروبا.
قبل عامين عُقدت قمة رباعية في إسطنبول (روسيا، فرنسا، ألمانيا وتركيا) وفُهم أن تفاهمات تمّت على وقف موجات النزوح وتفعيل الحلّ السياسي وعدم تغيير وضع إدلب إلا في حدود القضاء على الجماعات الإرهابية، وهو عملياً فحوى «اتفاق سوتشي» بين بوتين وأردوغان وإن لم توضّح فيه الإشارة إلى الحل السياسي. لكن المفهوم الروسي للاتفاق واصل اعتبار إدلب منطقة تابعة للحكومة السورية، وأن عدم تغيير وضعها لا يعني السكوت على أنشطة الجماعات الإرهابية المعروفة بارتباطها بتنظيم «القاعدة»، ما استلزم إجراءات ميدانية لتأمين خطوط التماس بشريط منزوع السلاح. غير أن التعاون التركي مع هذه الإجراءات كان ملتبساً، هو ما أدّى إلى السماح الروسي بتقدّم القوات السورية.
ما أخلّ بالتفاهمات الرباعية أن فرنسا وألمانيا لم تتقدما بمساهمات طلبتها روسيا لمشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وفي المقابل لم تسرّع روسيا عملية الحل السياسي كما اشترطت فرنسا وألمانيا اللتان طلبتا ضمانات لعودة آمنة للمهجّرين. ومع تصاعد المخاطر أخيراً يراد الآن تجديد هذه التفاهمات، علماً بأن الظروف تغيّرت، فالعلاقة الأميركية - التركية تحسّنت ولم تعد موسكو واثقة برهاناتها الاستراتيجية على أنقرة، ولا تجد نفسها مضطرة لمراعاة الشروط الأوروبية. لذلك يبدو أفق المأزق الإدلبي مسدوداً، وكل ما يمكن أن تقبله روسيا الآن هي تجميد العمليات القتالية عند خطوط التماس الحالية، أما انسحاب القوات السورية إلى مواقعها السابقة، كما تطلب أنقرة، فلا ترى موسكو أنه واقعي أو يمكن قبوله.
روسيا تحارب باسم الحكومة السورية وتعتمد على مشاركة فاعلة من ميليشيات موالية لإيران، والولايات المتحدة تحارب من خلال تركيا التي تحارب بوساطة فصائل من المعارضة السورية، تماماً كما تفعل في ليبيا. ما يجري في إدلب فصلٌ آخر من الحرب السورية وليس مؤكّداً أنه الفصل الأخير.
لا يريد الروس مواجهة مع الأميركيين، لكنهم قد يديرون مواجهة مكلفة للأتراك، وإذ كرّر هؤلاء أنهم يستهدفون القوات السورية فحسب لإجبارها على التراجع إلى مواقعها السابقة فهذا يعني أن أنقرة حدّدت هدفها وهو اتفاق جديد مع موسكو. هذا الاتفاق يكون بشروط فلاديمير بوتين أو لا يكون، لذلك لم يعد هناك داعٍ للقاءات قمة مع رجب طيب أردوغان، ففي المرّة الأخيرة لم يكن راغباً حتى في مكالمة هاتفية. كان الغضب الروسي تضاعف بعد إعلان دونالد ترامب أنه يعمل سوية مع أردوغان بخصوص إدلب، وبعد محاولة الأخير حثّ حلف «الناتو» على مساعدته، كما فعل عام 2015.
هل أن طلب الأمين العام للأمم المتحدة وقف إطلاق النار فوراً يغيّر الواقع، وهل من جديد في تحذيره بأن الوضع في إدلب «لم يعد يحتمل»؟ الجواب في العواصم المعنية، ولا شيء مؤكّداً. من ناحية قانونية دولية بحتة تحاول الحكومة السورية استعادة سلطتها في هذه المنطقة، باعتبار أن هذا حقّها، لكن تفعيل سيادتها في هذه المنطقة وفي حال حرب يعني أن نحو ثلاثة إلى أربعة ملايين من السكان يجب أن يرضخوا أو يرحلوا إما إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية وقد رفضوا ذلك، أو إلى ما وراء الحدود لينضمّوا إلى نحو أربعة ملايين آخرين موجودين في تركيا، التي باتت ترفض استقبال المزيد أو تهدّد بفتح ممرات لهم باتجاه أوروبا.
قبل عامين عُقدت قمة رباعية في إسطنبول (روسيا، فرنسا، ألمانيا وتركيا) وفُهم أن تفاهمات تمّت على وقف موجات النزوح وتفعيل الحلّ السياسي وعدم تغيير وضع إدلب إلا في حدود القضاء على الجماعات الإرهابية، وهو عملياً فحوى «اتفاق سوتشي» بين بوتين وأردوغان وإن لم توضّح فيه الإشارة إلى الحل السياسي. لكن المفهوم الروسي للاتفاق واصل اعتبار إدلب منطقة تابعة للحكومة السورية، وأن عدم تغيير وضعها لا يعني السكوت على أنشطة الجماعات الإرهابية المعروفة بارتباطها بتنظيم «القاعدة»، ما استلزم إجراءات ميدانية لتأمين خطوط التماس بشريط منزوع السلاح. غير أن التعاون التركي مع هذه الإجراءات كان ملتبساً، هو ما أدّى إلى السماح الروسي بتقدّم القوات السورية.
ما أخلّ بالتفاهمات الرباعية أن فرنسا وألمانيا لم تتقدما بمساهمات طلبتها روسيا لمشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وفي المقابل لم تسرّع روسيا عملية الحل السياسي كما اشترطت فرنسا وألمانيا اللتان طلبتا ضمانات لعودة آمنة للمهجّرين. ومع تصاعد المخاطر أخيراً يراد الآن تجديد هذه التفاهمات، علماً بأن الظروف تغيّرت، فالعلاقة الأميركية - التركية تحسّنت ولم تعد موسكو واثقة برهاناتها الاستراتيجية على أنقرة، ولا تجد نفسها مضطرة لمراعاة الشروط الأوروبية. لذلك يبدو أفق المأزق الإدلبي مسدوداً، وكل ما يمكن أن تقبله روسيا الآن هي تجميد العمليات القتالية عند خطوط التماس الحالية، أما انسحاب القوات السورية إلى مواقعها السابقة، كما تطلب أنقرة، فلا ترى موسكو أنه واقعي أو يمكن قبوله.