حضرت جلسة بعنوان «جعل الأسواق العالمية تعمل لصالح العمال الأميركيين» وكانت أكثر الجلسات حيوية في اجتماعات الجمعية الاقتصادية الأميركية في الأيام القليلة الماضية. وتناول النقاش الذي شارك فيه الاقتصاديون «داني رودريك» و«كيمبرلي كلوزينج» و«جوش بيفينز» مشكلات التجارة الحرة وقصور سياسة التجارة الأميركية في العقود القليلة الماضية، وقدم بعض المقترحات بشأن التحسين. ورغم الجهد العظيم الذي بذله الاقتصاديون في انتقاد اتفاق الآراء القديم على التجارة الحرة، لكن لم يكن هناك فكرة واضحة عما يحل محلها.
ومازال الاقتصاديون يميلون بقوة نحو تأييد تحرير التجارة. لكن هناك تقلص في اتفاق الآراء حول تأييد إزالة العوائق التجارية. وتجربة صدمة الصين- ظهور موجة مفاجئة من منافسة التصدير أدت إلى تدمير حياة كثيرين من عمال التصنيع الأميركيين- كانت دعوة للانتباه. ورد الفعل العنيف من الحزبين ضد اتفاقات التجارة مثل دعوة أخرى للانتباه. ويبدأ الاقتصاديون بالاتفاق على أن التجارة الحرة بها نقطتا ضعف كبيرتان، وهما عدم العدالة والتدخلات السياسية.
ومنذ عهد ديفيد ريكاردو -اقتصادي من القرن الثامن عشر طور فكرة الميزة المقارنة- كان من المعروف جيداً أن ليس الجميع سيستفيدون إذا سقطت العراقيل التجارية. فإذا كانت الولايات المتحدة جيدة نسبياً في صناعة الأحذية واليابان جيدة نسبياً في صناعة الجينز، فشركات صناعة الجينز الأميركية والأحذية اليابانية لديها أسباب قوية لتخشى اتفاق تجارية بين البلدين. وهذا أصبح خطيراً بشكل خاص، حين تتخصص دولة ما في العمالة الرخيصة. ويشتبه بيفينز مثل كثيرين آخرين في أن هذا هو ما حدث مع الصين. فإضافة مليار عامل إلى قوة العمل الدولية كان من حسن حظ الأغنياء ممن يمكنهم من شراء بضائع استهلاكية أرخص، لكنه كان كارثة للطبقة الوسطى في الدول المتقدمة. وكما أشار «بيفينز» أن السوق الأميركية تنتقل تدريجياً إلى التعامل مع دول أفقر فأفقر، وهو أمر جيد للتنمية العالمية، لكنه خطير على كثير من العمال الأميركيين.
وفي سالف الأيام، كان الاقتصاديون يميلون إلى معالجة هذه المشكلة بالقول إنه يجب على الفائزين في التجارة تعويض الخاسرين. لكن من الصعب تحديد الفائز والخاسر. فهل خسر عامل المصنع وظيفته بسبب الصين، أم بسبب الآلات، أم القرارات السيئة من الشركة، أم تراجع دور النقابات العمالية، أم تحولات لا مفر منها في السوق؟ من الممكن أن نعزز الضرائب بغرض إعادة توزيع الدخل وهو ما دعت إليه كلوزينج، لكن عمليات الرقابة الحكومية ليست تعويضاً مرضياً على الأرجح لعامل في صناعة الصلب انهار مستقبله المهني فجأة، وأصبحت مهاراته غير مطلوبة.
وثاني مشكلة هي أن اتفاقات التجارة الفعلية ليس فيها إلا شبه طفيف بالفكرة المثالية لحرية التجارة في كتب الاقتصاد. وبفضل حشد الدعم لمصالح الأنشطة الاقتصادية، ليست اتفاقات التجارة الحقيقة إلا قواعد ولوائح معقدة التشابك، بوسعها أن تقيد المنافسة. وأحد الأمثلة المشهورة على هذا هي تسوية النزاع بين الدولة والمستثمر، والتي يقصد بها حماية الملكية الفكرية في الأسواق العالمية، والتي اُنتقدت باعتبارها طريقة لحماية أرباح الشركات على حساب السكان المحليين.
والسياسة التجارية، على أقل تقدير، يمكن تحسينها بزيادة الضرائب التي تستهدف إعادة توزيع الدخل وإزالة نصيب الشركات من اتفاقات التجارة. لكن هناك عدد من المشكلات الأخرى تتعلق بالتجارة الحرة، كنظرية، لا تعالجها هذه السياسات. وعلى سبيل المثال، أشار «بيفينز» إلى أن اتفاقات التجارة، ربما تضعف المعايير البيئية والعمالية على المستوى القومي، مما يجعل المنافسة أصعب على المنتجين في الدول ذات اللوائح الأشد. ومزايا التجارة ربما تكون مؤقتة، فالدول التي تختار تصدير الموارد الطبيعية وتترك التصنيع قد تحقق مكاسب في الثروة في المدى القصير، لكن في المدى الطويل قد تتخلف في التقدم تكنولوجي وفي مكاسب الإنتاجية.
والاقتصاديون بدأوا يدركون هذه المخاطر، لكن حتى الآن لا يوجد إلا القليل من المقترحات الجديرة بالثقة عن كيفية التعامل معها دون إهمال المكاسب الحقيقية للغاية للتجارة الدولية. ففرض معايير العمل غير الواقعية للدول الغنية على الدول الفقيرة قد يضر بتنمية هذه الدول ويقيدها بحبائل الفقر. والسياسة الصناعية، رغم أنها نجحت بشكل مشهود في بعض الحالات، لكن من الصعب للغاية التوصل إلى الصحيح منها.
وهناك شيء واحد يتفق عليه جميع الاقتصاديين تقريباً، وهو أن فرض الرسوم الجمركية يمثل استجابة سيئة على نقاط القصور في التجارة الحرة، ويقود في الأساس إلى فرض ضرائب على المستهلكين المحليين. وفرض الرسوم قد يؤدي أيضاً إلى إجراءات انتقامية مما يتسبب في المزيد من الضرر. لكن إذا لم يكن من الواجب فرض رسوم فما الذي يجب القيام به؟ حتى الآن، ليس هناك إجابة واضحة. وكان اقتراحي هو تقديم دعم للتصدير، لكنه لم يحظ بانتباه كبير. وتحديد نقاط قصور التجارة الحرة أسهل بكثير من التوصل إلى نظام بديل. ومازال يتعين بذل جهد كبير.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
ومازال الاقتصاديون يميلون بقوة نحو تأييد تحرير التجارة. لكن هناك تقلص في اتفاق الآراء حول تأييد إزالة العوائق التجارية. وتجربة صدمة الصين- ظهور موجة مفاجئة من منافسة التصدير أدت إلى تدمير حياة كثيرين من عمال التصنيع الأميركيين- كانت دعوة للانتباه. ورد الفعل العنيف من الحزبين ضد اتفاقات التجارة مثل دعوة أخرى للانتباه. ويبدأ الاقتصاديون بالاتفاق على أن التجارة الحرة بها نقطتا ضعف كبيرتان، وهما عدم العدالة والتدخلات السياسية.
ومنذ عهد ديفيد ريكاردو -اقتصادي من القرن الثامن عشر طور فكرة الميزة المقارنة- كان من المعروف جيداً أن ليس الجميع سيستفيدون إذا سقطت العراقيل التجارية. فإذا كانت الولايات المتحدة جيدة نسبياً في صناعة الأحذية واليابان جيدة نسبياً في صناعة الجينز، فشركات صناعة الجينز الأميركية والأحذية اليابانية لديها أسباب قوية لتخشى اتفاق تجارية بين البلدين. وهذا أصبح خطيراً بشكل خاص، حين تتخصص دولة ما في العمالة الرخيصة. ويشتبه بيفينز مثل كثيرين آخرين في أن هذا هو ما حدث مع الصين. فإضافة مليار عامل إلى قوة العمل الدولية كان من حسن حظ الأغنياء ممن يمكنهم من شراء بضائع استهلاكية أرخص، لكنه كان كارثة للطبقة الوسطى في الدول المتقدمة. وكما أشار «بيفينز» أن السوق الأميركية تنتقل تدريجياً إلى التعامل مع دول أفقر فأفقر، وهو أمر جيد للتنمية العالمية، لكنه خطير على كثير من العمال الأميركيين.
وفي سالف الأيام، كان الاقتصاديون يميلون إلى معالجة هذه المشكلة بالقول إنه يجب على الفائزين في التجارة تعويض الخاسرين. لكن من الصعب تحديد الفائز والخاسر. فهل خسر عامل المصنع وظيفته بسبب الصين، أم بسبب الآلات، أم القرارات السيئة من الشركة، أم تراجع دور النقابات العمالية، أم تحولات لا مفر منها في السوق؟ من الممكن أن نعزز الضرائب بغرض إعادة توزيع الدخل وهو ما دعت إليه كلوزينج، لكن عمليات الرقابة الحكومية ليست تعويضاً مرضياً على الأرجح لعامل في صناعة الصلب انهار مستقبله المهني فجأة، وأصبحت مهاراته غير مطلوبة.
وثاني مشكلة هي أن اتفاقات التجارة الفعلية ليس فيها إلا شبه طفيف بالفكرة المثالية لحرية التجارة في كتب الاقتصاد. وبفضل حشد الدعم لمصالح الأنشطة الاقتصادية، ليست اتفاقات التجارة الحقيقة إلا قواعد ولوائح معقدة التشابك، بوسعها أن تقيد المنافسة. وأحد الأمثلة المشهورة على هذا هي تسوية النزاع بين الدولة والمستثمر، والتي يقصد بها حماية الملكية الفكرية في الأسواق العالمية، والتي اُنتقدت باعتبارها طريقة لحماية أرباح الشركات على حساب السكان المحليين.
والسياسة التجارية، على أقل تقدير، يمكن تحسينها بزيادة الضرائب التي تستهدف إعادة توزيع الدخل وإزالة نصيب الشركات من اتفاقات التجارة. لكن هناك عدد من المشكلات الأخرى تتعلق بالتجارة الحرة، كنظرية، لا تعالجها هذه السياسات. وعلى سبيل المثال، أشار «بيفينز» إلى أن اتفاقات التجارة، ربما تضعف المعايير البيئية والعمالية على المستوى القومي، مما يجعل المنافسة أصعب على المنتجين في الدول ذات اللوائح الأشد. ومزايا التجارة ربما تكون مؤقتة، فالدول التي تختار تصدير الموارد الطبيعية وتترك التصنيع قد تحقق مكاسب في الثروة في المدى القصير، لكن في المدى الطويل قد تتخلف في التقدم تكنولوجي وفي مكاسب الإنتاجية.
والاقتصاديون بدأوا يدركون هذه المخاطر، لكن حتى الآن لا يوجد إلا القليل من المقترحات الجديرة بالثقة عن كيفية التعامل معها دون إهمال المكاسب الحقيقية للغاية للتجارة الدولية. ففرض معايير العمل غير الواقعية للدول الغنية على الدول الفقيرة قد يضر بتنمية هذه الدول ويقيدها بحبائل الفقر. والسياسة الصناعية، رغم أنها نجحت بشكل مشهود في بعض الحالات، لكن من الصعب للغاية التوصل إلى الصحيح منها.
وهناك شيء واحد يتفق عليه جميع الاقتصاديين تقريباً، وهو أن فرض الرسوم الجمركية يمثل استجابة سيئة على نقاط القصور في التجارة الحرة، ويقود في الأساس إلى فرض ضرائب على المستهلكين المحليين. وفرض الرسوم قد يؤدي أيضاً إلى إجراءات انتقامية مما يتسبب في المزيد من الضرر. لكن إذا لم يكن من الواجب فرض رسوم فما الذي يجب القيام به؟ حتى الآن، ليس هناك إجابة واضحة. وكان اقتراحي هو تقديم دعم للتصدير، لكنه لم يحظ بانتباه كبير. وتحديد نقاط قصور التجارة الحرة أسهل بكثير من التوصل إلى نظام بديل. ومازال يتعين بذل جهد كبير.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»