التصعيد الذي جاء بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، يمكن أن يغير حسابات بوتين في المنطقة.
وفي تعليقها على موت سليماني، أشادت وزارة الدفاع الروسية بـ«مساهمته الأكيدة» في دحر تنظيم «داعش» في سوريا قبل وقت طويل على إنشاء الولايات المتحدة ائتلافها الخاص لمحاربة التنظيم المتطرف.
"حزب الله" والقوات الإيرانية بقيادة سليماني وفرت الجنود على الميدان الذين لم تكن روسيا مستعدة لتوفيرهم، ما وفر دعما لجنود الرئيس السوري بشار الأسد المنهكين لقلب الطاولة على أعداء الأسد، مثل «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة. فقد كان من المهم بالنسبة لبوتين ألا يبقى الأسد وحيدا.
بعض المحللين يحاججون بأنه من مصلحة روسيا دائما الحد من دور إيران في سوريا، نظرا لأن الكريملن ليست له سيطرة على إيران أو «حزب الله». غير أن هذه الحجة تفترض أن روسيا تريد السيطرة. والحال أن بوتين لم يرغب أبدا في امتلاك الأزمة السورية، وإنما كان يرغب في دعم القوات المستعدة لأخذ مصالح روسيا الاقتصادية والعسكرية في عين الاعتبار وتقديمها على المصالح الأميركية. وهذا كان يعني الإبقاء على الوضع القائم – ومن وجهة نظر موسكو، فإن ما يسمى بـ«محور المقاومة» هو الوضع القائم، وليس نظام الأسد فقط.
ولكن في الوقت نفسه، تحاشى الدبلوماسيون الروس وبوتين نفسه وصف إيران بأنها حليف لروسيا. فهي، بالنسبة لهم، ليست سوى القطعة المركزية لترتيب جيوسياسي لا يرغبون في أن يتم استبداله بترتيب موال لأميركا. وهذا فرق مهم. فالتحالف يحدَّد بالالتزامات المتبادلة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالنظام الإيراني، تجنب بوتين أي نوع من الالتزام الجاد. وعلى سبيل المثال، ففي محاولة لتقديم نفسه كوسيط في الشرق الأوسط وليس كجزء من أحد المعسكرات المتصارعة في المنطقة، تعاون بوتين مع عدو إيران اللدود إسرائيل، ومع تركيا التي تتصادم طموحاتها الإقليمية مع طموحات إيران أحيانا.
موت سليماني لا يغير شيئا بشأن هذا الوضع الأساسي. وكل ما تشعر روسيا بأنها مضطرة لفعله هو تقديم التعازي، مثلما فعل وزير الخارجية سيرجي لافروف مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، والتعبير عن القلق، مثلما فعل بوتين مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولكن بوتين لن يدعم أي محاولات إيرانية للانتقام.
غير أنه سيتعين عليه القيام برد فعل في حال قامت إيران بالانتقام بالفعل وخرج الوضع عن السيطرة. وفي هذا الصدد، شبّه المحلل العسكري الروسي بافل فليجنهاور مقتل سليماني باغتيال ولي عهد النمسا فرانز فيرديناند في سراييفو في 1914، وهو الحدث الذي فجّر الحرب العالمية الأولى. ومن بين السيناريوهات الممكنة التي تحدث عنها فليجنهاور ضربة إيرانية على إسرائيل ورد إسرائيلي على القوات الإيرانية ووكلائها في سوريا، وهو ما قد يعرّض الجنود الروس للخطر. وفي هذا السياق، خطط بوتين لزيارة إلى إسرائيل هذا الشهر، ومن المنتظر أن يكون خفض التوتر في سوريا أحد الموضوعات الرئيسية ضمن مباحثاته المرتقبة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
على المستوى الاستراتيجي، قد يؤدي مزيد من التصعيد بين إيران والولايات المتحدة إلى اختلال التوازن الجيوسياسي الذي تدخلت روسيا في سوريا أصلاً من أجل الإبقاء عليه. وهذا شيء يريد بوتين تجنبه بمساعدة من الزعماء الأوروبيين. فإضافة إلى التحدث مع ماكرون، دعا بوتين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لزيارة روسيا نهاية الأسبوع المقبل، حيث ستتصدر إيران أجندة المباحثات.
غير أن بوتين لا يستطيع استبعاد إمكانية حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران، حرب لا يستطيع النظام الإيراني الفوز فيها. وفي مثل هذا الوضع، سيحتاج بوتين إلى بديل لما يسمى (محور المقاومة في سوريا) – ترتيب ما يعفيه من الحاجة إلى نشر مزيد من الجنود ولكن يمنع في الوقت نفسه تحولا إلى نظام صديق للولايات المتحدة، وبالتالي، يسمح لروسيا بالإبقاء على قواعدها العسكرية.
خيارات بوتين بخصوص مثل هذا الترتيب تقتصر حاليا على العمل مع تركيا، التي تعد اللاعب القوي الوحيد الآخر في المنطقة، لاعب لا يعتبر حليفاً ثابتاً للولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، زار بوتين أنقرة يوم الأربعاء الماضي حيث التقى مع الرئيس رجب طيب أردوغان في قمة ناقشت مواضيع أكثر إلحاحاً من مجرد خط أنبوب الغاز الطبيعي الجديد. ورغم أن روسيا وتركيا تدعمان طرفين متصارعين في الحرب الأهلية في ليبيا، إلا أن لدى بوتين وأردوغان قدرة مثبتة على العمل معا. فالعام الماضي، تعاون الرجلان عندما شن أردوغان عملية عسكرية ضد أكراد سوريا.
ولكن أن يكون أردوغان الخطة البديلة الوحيدة الممكنة لبوتين أمر لا يبشر بخير بالنسبة للأسد، وذلك لأن الرئيس التركي يرغب في رحيل الرئيس السوري، ولأنه إذا توقف الدعم الإيراني، فإن الاحتمال الأرجح هو أن بوتين سيسعى وراء توافق مع أردوغان بدلا من الاستمرار في دعم الأسد. وعليه، فيمكن القول من باب السخرية إن النظام السوري لا شك أنه يدعو الله الآن ألا يقدم الإيرانيون على أي عمل متهور.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وفي تعليقها على موت سليماني، أشادت وزارة الدفاع الروسية بـ«مساهمته الأكيدة» في دحر تنظيم «داعش» في سوريا قبل وقت طويل على إنشاء الولايات المتحدة ائتلافها الخاص لمحاربة التنظيم المتطرف.
"حزب الله" والقوات الإيرانية بقيادة سليماني وفرت الجنود على الميدان الذين لم تكن روسيا مستعدة لتوفيرهم، ما وفر دعما لجنود الرئيس السوري بشار الأسد المنهكين لقلب الطاولة على أعداء الأسد، مثل «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة. فقد كان من المهم بالنسبة لبوتين ألا يبقى الأسد وحيدا.
بعض المحللين يحاججون بأنه من مصلحة روسيا دائما الحد من دور إيران في سوريا، نظرا لأن الكريملن ليست له سيطرة على إيران أو «حزب الله». غير أن هذه الحجة تفترض أن روسيا تريد السيطرة. والحال أن بوتين لم يرغب أبدا في امتلاك الأزمة السورية، وإنما كان يرغب في دعم القوات المستعدة لأخذ مصالح روسيا الاقتصادية والعسكرية في عين الاعتبار وتقديمها على المصالح الأميركية. وهذا كان يعني الإبقاء على الوضع القائم – ومن وجهة نظر موسكو، فإن ما يسمى بـ«محور المقاومة» هو الوضع القائم، وليس نظام الأسد فقط.
ولكن في الوقت نفسه، تحاشى الدبلوماسيون الروس وبوتين نفسه وصف إيران بأنها حليف لروسيا. فهي، بالنسبة لهم، ليست سوى القطعة المركزية لترتيب جيوسياسي لا يرغبون في أن يتم استبداله بترتيب موال لأميركا. وهذا فرق مهم. فالتحالف يحدَّد بالالتزامات المتبادلة. ولكن عندما يتعلق الأمر بالنظام الإيراني، تجنب بوتين أي نوع من الالتزام الجاد. وعلى سبيل المثال، ففي محاولة لتقديم نفسه كوسيط في الشرق الأوسط وليس كجزء من أحد المعسكرات المتصارعة في المنطقة، تعاون بوتين مع عدو إيران اللدود إسرائيل، ومع تركيا التي تتصادم طموحاتها الإقليمية مع طموحات إيران أحيانا.
موت سليماني لا يغير شيئا بشأن هذا الوضع الأساسي. وكل ما تشعر روسيا بأنها مضطرة لفعله هو تقديم التعازي، مثلما فعل وزير الخارجية سيرجي لافروف مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، والتعبير عن القلق، مثلما فعل بوتين مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولكن بوتين لن يدعم أي محاولات إيرانية للانتقام.
غير أنه سيتعين عليه القيام برد فعل في حال قامت إيران بالانتقام بالفعل وخرج الوضع عن السيطرة. وفي هذا الصدد، شبّه المحلل العسكري الروسي بافل فليجنهاور مقتل سليماني باغتيال ولي عهد النمسا فرانز فيرديناند في سراييفو في 1914، وهو الحدث الذي فجّر الحرب العالمية الأولى. ومن بين السيناريوهات الممكنة التي تحدث عنها فليجنهاور ضربة إيرانية على إسرائيل ورد إسرائيلي على القوات الإيرانية ووكلائها في سوريا، وهو ما قد يعرّض الجنود الروس للخطر. وفي هذا السياق، خطط بوتين لزيارة إلى إسرائيل هذا الشهر، ومن المنتظر أن يكون خفض التوتر في سوريا أحد الموضوعات الرئيسية ضمن مباحثاته المرتقبة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
على المستوى الاستراتيجي، قد يؤدي مزيد من التصعيد بين إيران والولايات المتحدة إلى اختلال التوازن الجيوسياسي الذي تدخلت روسيا في سوريا أصلاً من أجل الإبقاء عليه. وهذا شيء يريد بوتين تجنبه بمساعدة من الزعماء الأوروبيين. فإضافة إلى التحدث مع ماكرون، دعا بوتين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لزيارة روسيا نهاية الأسبوع المقبل، حيث ستتصدر إيران أجندة المباحثات.
غير أن بوتين لا يستطيع استبعاد إمكانية حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران، حرب لا يستطيع النظام الإيراني الفوز فيها. وفي مثل هذا الوضع، سيحتاج بوتين إلى بديل لما يسمى (محور المقاومة في سوريا) – ترتيب ما يعفيه من الحاجة إلى نشر مزيد من الجنود ولكن يمنع في الوقت نفسه تحولا إلى نظام صديق للولايات المتحدة، وبالتالي، يسمح لروسيا بالإبقاء على قواعدها العسكرية.
خيارات بوتين بخصوص مثل هذا الترتيب تقتصر حاليا على العمل مع تركيا، التي تعد اللاعب القوي الوحيد الآخر في المنطقة، لاعب لا يعتبر حليفاً ثابتاً للولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، زار بوتين أنقرة يوم الأربعاء الماضي حيث التقى مع الرئيس رجب طيب أردوغان في قمة ناقشت مواضيع أكثر إلحاحاً من مجرد خط أنبوب الغاز الطبيعي الجديد. ورغم أن روسيا وتركيا تدعمان طرفين متصارعين في الحرب الأهلية في ليبيا، إلا أن لدى بوتين وأردوغان قدرة مثبتة على العمل معا. فالعام الماضي، تعاون الرجلان عندما شن أردوغان عملية عسكرية ضد أكراد سوريا.
ولكن أن يكون أردوغان الخطة البديلة الوحيدة الممكنة لبوتين أمر لا يبشر بخير بالنسبة للأسد، وذلك لأن الرئيس التركي يرغب في رحيل الرئيس السوري، ولأنه إذا توقف الدعم الإيراني، فإن الاحتمال الأرجح هو أن بوتين سيسعى وراء توافق مع أردوغان بدلا من الاستمرار في دعم الأسد. وعليه، فيمكن القول من باب السخرية إن النظام السوري لا شك أنه يدعو الله الآن ألا يقدم الإيرانيون على أي عمل متهور.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»