يمثل «جون هاريس» التيار الرئيسي بقدر ما تمثله وسائل إعلام التيار الرئيسي. فقد أنفق 21 عاماً في «واشنطن بوست»، بما في ذلك منصب محررها السياسي. ثم أسس موقع «بوليتيكو» الذي يكتب حالياً فيه عموداً. والشهر الماضي كتب هاريس عموداً لم أستطع صرف ذهني بعيداً عنه. فقد جادل بأن الصحافة السياسية تعاني من «تحيز الوسط». وشرح قائلاً «هذا التحيز يتميز بشك غرائزي في أي شيء يوحي بحماس أيدولوجي وبإيمان حول ضرورة أن السياسة أكثر تنظيماً وعقلانية مما هي عليه».
وهذا التحيز جعل جانباً كبيراً من وسائل الإعلام تقلل من قدر رونالد ريجان عام 1980 ودونالد ترامب عام 2016. ويساعد هذا التحيز في تفسير النبرة السلبية لكثير من التغطيات الصحفية لإليزابيث وارين وبيرني ساندرز هذا العام. وتحيز الوسط كما أراه يخلط بين الوسطية وبين الموضوعية والنزاهة. وهذا الارتباك يمكن فهمه لأن السياسة الأميركية يهيمن عليها حزبان كبيران أحدهما في اليمين والآخر في اليسار. والأغلبية الكاسحة من الصحفيين داخل «إعلام التيار الرئيسي» من المجلات والجرائد القومية ومحطات الراديو العامة وشبكات التلفزيون (بخلاف فوكس) تبذل بما بوسعها لمعاملة الحزبين بنزاهة. وفي قيامها بهذا تقع عادة في خطأ غير مقصود. فهي تساوي التوازن عند نقطة وسط بين أيديولوجيتي الحزبين. وعلى مدار أعوام، أشار نقاد كثيرون للصحافة إلى نقطة ضعف في هذا النهج. ورأوا أنها مساواة باطلة. لكن هذا ليس المشكلة الوحيدة، بل يحتمل أن يكون كلا الحزبين السياسيين على خطأ، وأن الحل ليس وسط المسافة بين الاثنين، بل مختلف عما يقترحه الجانبان.
فقضايا مثل إلغاء الرق وحق المرأة في التصويت وحقوق العمال والحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة.. وغيرها، بدأت خارج حدود ما يفضله أي من الحزبين. وكتب هاريس يقول إن أحداث «التاريخ الأكثر تأثيراً لا يحركها الوسط». وتمثل الحملة الانتخابية الحالية للحزب الديمقراطي في السباق على الرئاسة دراسة حالة جيدة. فالأسئلة التشكيكية تُطرح على الديمقراطيين الأكثر اعتدالا، وهي تتعلق عادة بالأسلوب أو التكتيك، مثل، هل أنت كبير السن أو صغير السن أو ثري أو متأخر للغاية في استطلاعات الرأي؟ أما الأسئلة التشكيكية التي تطرح على المرشحين الأكثر تقدمية مثل ساندرز ووارين، فتتعلق بجوهر أفكارهم، مثل: هل أنت راديكالي بشدة؟ هل أنت واقعي؟ كيف ستغطي كلفة كل هذا؟
ومؤخراً ألقيت نظرة مفصلة على التغطية الصحفية لمقترح فرض ضرائب على الأثرياء الذي يؤيده ساندرز ووارين، فوجدت تحيز الوسط في كثير من التغطيات، حيث مالت هذه التغطيات نحو السلبية وامتلأت بمخاوف الوسطيين، وهي أن الضرائب لن تجدي نفعاً بل ستؤدي إلى بطء النمو الاقتصادي.
وربما ذلك هو السبب الذي يجعلنا ندرك التحيز ونشتاق لتغطية أكثر موضوعية. فإذا سئلت وارين وساندرز عن مدى جرأة حلولهما، فيجب أن يُسئل بايدن عن مدى جبن حلوله!
وما أن يبدأ المرء في التفكير في تحيز الوسط حتى يجد الكثير منه. وهذا يساعد في تفسير أن المناظرات الرئاسية لعام 2016، ركزت أكثر على عجز الموازنة وليس على تغير المناخ، وهي قضية أكثر خطورة بالتأكيد. وتحيز الوسط يساعد أيضاً في تفسير سذاجة التغطية المبكرة في حربي العراق وفيتنام. لكن العالم أكثر تعقيداً وإثارة للدهشة مما يتخيله تحيز الوسط.
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/12/22/opinion/warren-sanders-wealth-tax.html