سواء أحببنا بريكست أم كرهناه، هناك اليوم درجة جديدة من اليقين: لقد أخذت بريطانيا تقطع روابطها التي بدأت قبل 46 عاماً مع الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أن صوّت البرلمان لصالح ذلك بشكل حاسم يوم الجمعة. وموضوع العام المقبل سيكون تحديد شكل العلاقة الجديدة مع أوروبا؛ ولكن بإلقاء نظرة إلى الوراء على 2019، هناك حجج قوية يمكن الاستناد إليها للذهاب إلى أن الوضع، حيث نوجد اليوم، يُعد جزئياً نتيجة ثلاثة مشاريع فشلت ومشروع واحد لم يفشل. فكر في الأمر كثلاث جنازات وعرس واحد.
«المستقلون» لم يحققوا النصر الذي كانوا ينشدونه. لقد لُقبوا لفترة قصيرة بـ«الفرسان السبعة» لحزب العمال، وهم مجموعة من المنشقين الذين رفضوا راديكالية حزبهم وكانوا يأملون في تشكيل بديل جديد له أكثر اعتدالاً. ثم أصبحوا ثمانية وانضم إليهم ثلاثة «محافظين»، ولكن هذا الانشقاق انتهى على غرار ما انتهى إليه انشقاق سابق في 1981: الفشل. فمن البداية، وجد أعضاء المجموعة صعوبة كبيرة في الاتفاق على اسم وزعيم وبرنامج. ولم يبلغوا أبداً مستوى الكتلة الحيوية؛ وقد فقدوا جميعهم مقاعدهم البرلمانية أو تنحوا عنها.
سيل الاستقالات الذي بدا لبعض الوقت ممكناً لم يحدث. فقد كانت آلة حزب «العمال» أقوى وذهب الكثير من أعضاء البرلمان إلى أن الحزب ما زالت لديه كلمة ليقولها، بناء على أدائه في 2017. ولكن الانشقاقات أضرت بزعيم الحزب العمالي جيريمي كوربن. إذ أبرزت افتقاره للدعم في الحزب البرلماني، وعدم استعداده (أو عدم قدرته، إن أردنا استخدام كلمة أكثر رفقاً) لتناول معاداة السامية، وسياسته غير المنسجمة بخصوص بريكست. وفي الوقت نفسه، قوّت تلك الانشقاقات موقف أنصار بريكست؛ فثلاثة محافظين فقط انضموا إلى المجموعة الجديدة، التي لم تحصل أبداً على القوة والزخم عند الجمهور، ولم تكن لتطرح تهديداً كبيراً.
تحالف «البقاء» كان مفككاً. ففي منتصف يناير، عرضت رئيسة الوزراء «تيريزا ماي» على المشرّعين تحدياً: فقد كانوا مستعدين ليقولوا ما لا يريدونه، كما قالت ماي. والآن حان الوقت ليحددوا ما يريدونه. وشكّل ذلك الفكرة المهيمنة والمتكررة لبقية السنة.
استطلاعات الرأي أظهرت أن أغلبية صغيرة من الناخبين ستفضل البقاء في الاتحاد الأوروبي، لو تم تنظيم استفتاء حول بريكست مرة أخرى. ولكن حتى أنصار «البقاء» البرلمانيين لم يستطيعوا الاتفاق حول ما إن كان ينبغي إجراء استفتاء ثانٍ؛ والكثيرون نفروا من الفكرة ولسبب وجيه. ذلك أنه إذا فاز أنصار «البقاء»، سيشعر أنصار «بريكست» بالخيانة ويعتبرون الأمر غير ديمقراطي. أما في حال فاز أنصار «الانسحاب»، فإن ذلك سيشكّل أسوأ نوع من التأكيد بالنسبة للكثير من أنصار الاستفتاء الذين كانوا من عتاة أنصار «البقاء». كما أنه ما كان سيكون ثمة اتفاق أبداً على التفاصيل المهمة جداً من قبيل: كيف سيكون سؤال الاستفتاء؟ وكيف يمكن أن يكون التوقيت ناجحاً؟
بيد أنه كلما طال تردد تحالف «البقاء» وانقسامه، قلّت ثقة الناخبين في قدرة البرلمان على تقديم أي نوع من الحلول. ثم جاءت الضربة القاضية عندما طرد بوريس جونسون 21 عضواً محافظاً في البرلمان بسبب محاولتهم عرقلة خروج من دون اتفاق. وأثبتت المجموعة اليتيمة عجزها؛ وغادرت الكثير من الأسماء الكبيرة البرلمان للأبد.
اتفاق تيريزا ماي صمد حتى الرمق الأخير. فالفترة التي قضتها «ماي» في السلطة تميزت بعيوبها كسياسية – العجز عن بناء تحالفات، وعن الإقناع – ولكن أيضاً بمرحلة الإنكار في بريكست. ذلك أن لا أنصار البريكست ولا أنصار «البقاء» كانوا يستطيعون قبول أن ينطوي طريقهم المفضل على خسائر. ولهذا، كان الجميع يكره اتفاق ماي. إذ كان على أنصار «البقاء» قبول فقدان إمكانية الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، في حين كان على أنصار «البقاء» قبول الالتزامات المتبقية تجاه أوروبا لتجنب حدود صلبة مع أيرلندا.
ومع اقتراب موعد «بريكست»، جرّبت «ماي» مناورة أخيرة في محاولة لكسر الطريق المسدود. فقد وجدت أن المعارضة ستتجنب خروجاً من دون اتفاق، وأن المتشددين في حزبها سيتدخلون إن اعتقدوا أن «بريكست» يمكن أن تُلغى كلياً. ولكنها كانت محقة ومخطئة معاً. فرغم أن المعارضة تجنبت بالفعل خروجاً دون اتفاق، عبر إرغام «ماي» على السعي وراء تمديد، فإن ذلك لم يساعد على تمرير اتفاقها. وإذا كان المتشددون قد صوّتوا بالفعل لصالح اتفاق، خشية ألا يكون ثمة بريكست، فإن ذلك لم يكن كافياً أيضاً في نهاية المطاف؛ إذ تم رفض اتفاقها للمرة الثالثة والأخيرة.
وبحلول الوقت الذي أصبح فيه بوريس جونسون رئيساً للوزراء، كان أنصار بريكست مستعدين لتقديم تنازل في موضوع مهم جداً. إذ أنشأ اتفاقه ما لم يكن من الممكن التفكير فيه في عهد ماي: جمارك بحكم الواقع وحدود مقننة بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة.
وهكذا، ولد تحالف جديد للمحافظين.
الآن نصل إلى الزفاف. فمثلما لفت إلى ذلك المحلل ومنظم استطلاعات الرأي «مات سينج»، فإن جذور الأغلبية المحافظة الجديدة كانت تنمو منذ بعض الوقت. ولكن بجاذبيته غير العادية وعلامته الشخصية، استطاع جونسون تحقيق اختراق بطريقة لم تستطع تحقيقها «ماي» أبداً. وركزت حملته الانتخابية بشكل كبير على الناخبين الذين يحتاجهم من أجل الفوز بأغلبية تحديداً. والواقع أن «المحافظين» كانوا دائماً بارعين في إعادة إنتاج أنفسهم من أجل المكاسب الانتخابية. وهذا العام، فعلوا ذلك من جديد.
كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
«المستقلون» لم يحققوا النصر الذي كانوا ينشدونه. لقد لُقبوا لفترة قصيرة بـ«الفرسان السبعة» لحزب العمال، وهم مجموعة من المنشقين الذين رفضوا راديكالية حزبهم وكانوا يأملون في تشكيل بديل جديد له أكثر اعتدالاً. ثم أصبحوا ثمانية وانضم إليهم ثلاثة «محافظين»، ولكن هذا الانشقاق انتهى على غرار ما انتهى إليه انشقاق سابق في 1981: الفشل. فمن البداية، وجد أعضاء المجموعة صعوبة كبيرة في الاتفاق على اسم وزعيم وبرنامج. ولم يبلغوا أبداً مستوى الكتلة الحيوية؛ وقد فقدوا جميعهم مقاعدهم البرلمانية أو تنحوا عنها.
سيل الاستقالات الذي بدا لبعض الوقت ممكناً لم يحدث. فقد كانت آلة حزب «العمال» أقوى وذهب الكثير من أعضاء البرلمان إلى أن الحزب ما زالت لديه كلمة ليقولها، بناء على أدائه في 2017. ولكن الانشقاقات أضرت بزعيم الحزب العمالي جيريمي كوربن. إذ أبرزت افتقاره للدعم في الحزب البرلماني، وعدم استعداده (أو عدم قدرته، إن أردنا استخدام كلمة أكثر رفقاً) لتناول معاداة السامية، وسياسته غير المنسجمة بخصوص بريكست. وفي الوقت نفسه، قوّت تلك الانشقاقات موقف أنصار بريكست؛ فثلاثة محافظين فقط انضموا إلى المجموعة الجديدة، التي لم تحصل أبداً على القوة والزخم عند الجمهور، ولم تكن لتطرح تهديداً كبيراً.
تحالف «البقاء» كان مفككاً. ففي منتصف يناير، عرضت رئيسة الوزراء «تيريزا ماي» على المشرّعين تحدياً: فقد كانوا مستعدين ليقولوا ما لا يريدونه، كما قالت ماي. والآن حان الوقت ليحددوا ما يريدونه. وشكّل ذلك الفكرة المهيمنة والمتكررة لبقية السنة.
استطلاعات الرأي أظهرت أن أغلبية صغيرة من الناخبين ستفضل البقاء في الاتحاد الأوروبي، لو تم تنظيم استفتاء حول بريكست مرة أخرى. ولكن حتى أنصار «البقاء» البرلمانيين لم يستطيعوا الاتفاق حول ما إن كان ينبغي إجراء استفتاء ثانٍ؛ والكثيرون نفروا من الفكرة ولسبب وجيه. ذلك أنه إذا فاز أنصار «البقاء»، سيشعر أنصار «بريكست» بالخيانة ويعتبرون الأمر غير ديمقراطي. أما في حال فاز أنصار «الانسحاب»، فإن ذلك سيشكّل أسوأ نوع من التأكيد بالنسبة للكثير من أنصار الاستفتاء الذين كانوا من عتاة أنصار «البقاء». كما أنه ما كان سيكون ثمة اتفاق أبداً على التفاصيل المهمة جداً من قبيل: كيف سيكون سؤال الاستفتاء؟ وكيف يمكن أن يكون التوقيت ناجحاً؟
بيد أنه كلما طال تردد تحالف «البقاء» وانقسامه، قلّت ثقة الناخبين في قدرة البرلمان على تقديم أي نوع من الحلول. ثم جاءت الضربة القاضية عندما طرد بوريس جونسون 21 عضواً محافظاً في البرلمان بسبب محاولتهم عرقلة خروج من دون اتفاق. وأثبتت المجموعة اليتيمة عجزها؛ وغادرت الكثير من الأسماء الكبيرة البرلمان للأبد.
اتفاق تيريزا ماي صمد حتى الرمق الأخير. فالفترة التي قضتها «ماي» في السلطة تميزت بعيوبها كسياسية – العجز عن بناء تحالفات، وعن الإقناع – ولكن أيضاً بمرحلة الإنكار في بريكست. ذلك أن لا أنصار البريكست ولا أنصار «البقاء» كانوا يستطيعون قبول أن ينطوي طريقهم المفضل على خسائر. ولهذا، كان الجميع يكره اتفاق ماي. إذ كان على أنصار «البقاء» قبول فقدان إمكانية الوصول إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، في حين كان على أنصار «البقاء» قبول الالتزامات المتبقية تجاه أوروبا لتجنب حدود صلبة مع أيرلندا.
ومع اقتراب موعد «بريكست»، جرّبت «ماي» مناورة أخيرة في محاولة لكسر الطريق المسدود. فقد وجدت أن المعارضة ستتجنب خروجاً من دون اتفاق، وأن المتشددين في حزبها سيتدخلون إن اعتقدوا أن «بريكست» يمكن أن تُلغى كلياً. ولكنها كانت محقة ومخطئة معاً. فرغم أن المعارضة تجنبت بالفعل خروجاً دون اتفاق، عبر إرغام «ماي» على السعي وراء تمديد، فإن ذلك لم يساعد على تمرير اتفاقها. وإذا كان المتشددون قد صوّتوا بالفعل لصالح اتفاق، خشية ألا يكون ثمة بريكست، فإن ذلك لم يكن كافياً أيضاً في نهاية المطاف؛ إذ تم رفض اتفاقها للمرة الثالثة والأخيرة.
وبحلول الوقت الذي أصبح فيه بوريس جونسون رئيساً للوزراء، كان أنصار بريكست مستعدين لتقديم تنازل في موضوع مهم جداً. إذ أنشأ اتفاقه ما لم يكن من الممكن التفكير فيه في عهد ماي: جمارك بحكم الواقع وحدود مقننة بين أيرلندا الشمالية وبقية المملكة المتحدة.
وهكذا، ولد تحالف جديد للمحافظين.
الآن نصل إلى الزفاف. فمثلما لفت إلى ذلك المحلل ومنظم استطلاعات الرأي «مات سينج»، فإن جذور الأغلبية المحافظة الجديدة كانت تنمو منذ بعض الوقت. ولكن بجاذبيته غير العادية وعلامته الشخصية، استطاع جونسون تحقيق اختراق بطريقة لم تستطع تحقيقها «ماي» أبداً. وركزت حملته الانتخابية بشكل كبير على الناخبين الذين يحتاجهم من أجل الفوز بأغلبية تحديداً. والواقع أن «المحافظين» كانوا دائماً بارعين في إعادة إنتاج أنفسهم من أجل المكاسب الانتخابية. وهذا العام، فعلوا ذلك من جديد.
كاتبة أميركية متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»