كثُر خلال العام الجاري استخدام كلمة «فلايجسكام» السويدية أو كلمة «فلوجسكام» الألمانية، وتعنيان معاً «الشعور بالخزي من رحلات الطيران». صحيح أنه ليس من السهل فصل تأثير هذه الرحلات على اقتصاد خطوط الطيران عن العوامل الأخرى، لكن البلاد التي تشعر شعوبها بأكبر قدر من القلق بشأن تغير المناخ شهدت بالفعل، على ما يبدو، تقلصاً في حركة الملاحة الجوية التي يمكن تفاديها. وفي شهر نوفمبر الماضي، انخفض عدد الأشخاص الذين يستقلون رحلات داخل ألمانيا 12% على أساس سنوي. وبينما زاد عدد المسافرين جواً بين القارات، فقد تقلص داخل أوروبا، وفي ظل استمرار تصاعد حركة السفر عبر السكك الحديدية، يفضل كثير من الناس، فيما يبدو، القطارات حين لا تستغرق وقتاً أطول بكثير، مقارنة برحلات الطيران وما تنطوي عليه من انتظار في المطارات. وهذا ليس بالضرورة نتيجة «الشعور بالخزي» من رحلات الطيران. فقد أشارت المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية (يوروكونترول)، في تقريرها لشهر نوفمبر الماضي، بشأن الملاحة الجوية الأوروبية، إلى أن الانخفاض في الرحلات المحلية الألمانية يمكن تفسيره، إلى حد كبير، بسبب إضراب طواقم الطائرات في شركة «لوفتهانزا» الألمانية. وأشار التقرير إلى أن تقلص الملاحة الجوية في الدول الأوروبية الأخرى، مثل فرنسا وبريطانيا، كان نتيجة إفلاس شركة «توماس كوك» للطيران. وتراجعت الرحلات الجوية الداخلية في الهند أيضاً بسبب تراجع النمو الاقتصادي، وليس بسبب مخاوف تغير المناخ.
وتشير بيانات «يوروكونترول» إلى أن هناك شيئاً يتعلق بفرضية «الشعور بالخزي من رحلات الطيران»؛ إذ أظهر مسح أجرته في الآونة الأخيرة منظمة «يوروباروميتر» أن السويد والدنمارك ومالطا وفنلندا وألمانيا وبريطانيا.. من الدول التي بها أعلى نسبة من السكان الذين يعتقدون أن تغير المناخ هو مشكلة العالم الأولى. وفي السويد وفنلندا، انخفض عدد الرحلات داخل أوروبا بين شهري يناير وأكتوبر. لكن في الدول الأخرى التي تعد الأكثر قلقاً من المناخ، زادت هذه الرحلات الداخلية، وإن يكن بشكل أقل، مقارنة بالدول التي لا تشعر شعوبها بالقلق من تغير المناخ. ويبدو من المستحيل إقامة رابطة علمية على أساس هذه البيانات بين مشاعر الناس بشأن تغير المناخ، وتفضيلاتهم في السفر والتنقل. ففي كل بلد، تتوقف خيارات الناس على مزيج من الجغرافيا وحالة البنية التحتية وتقاليد العطلات والعمل والاقتصاد.. فنحن لا نشهد أدلة كثيرة للشعور بالخزي من وسائل النقل الأخرى. والانبعاثات من هذه المواصلات تتزايد بأكثر من مثيلتها في الطيران خلال السنوات القليلة الماضية. وأكبر مصدر للانبعاثات هو السيارات والشاحنات. فخلال العام الماضي، في السويد، تزايدت الانبعاثات من النقل البري بالفعل، وهذا يعود في المقام الأول إلى تزايد الشاحنات الكبيرة، لكن أيضاً لأن الناس في هذه البلاد، رغم وعيهم بشأن المناخ، لا يقلصون وقت قيادتهم للسيارات، ولا يتحولون بسرعة أكبر إلى شراء السيارات ذات الكفاءة في استهلاك الوقود أو السيارات الكهربائية. وتزايد عدد السيارات المستخدمة في السويد. ومتوسط سنوات استخدام السيارات في السويد يبلغ 9.9 أعوام، وهو أقل من المعدل العام في الاتحاد الأوروبي البالغ 10.8 أعوام، لكنه أعلى من بعض الدول الأقل قلقاً بشأن المناخ.
بيد أنه في الدول الأكثر وعياً بالمناخ، هناك أشخاص مستعدون لتغيير عاداتهم في السفر جواً لتقليص الانبعاثات. لكن هذا لا يعني، ولسوء الحظ، أنهم يستبدلونها بوسائل أكثر فعالية. فالضرر البيئي لرحلات الطيران الطويلة محدود وغير كبير، لأن الانبعاثات تكون في أعلى مستوى أثناء عملية الإقلاع والهبوط، ولذا فإن الرحلات الأقصر هي التي تتسبب في انبعاث أكبر قدر من الكربون في الغلاف الجوي لكل ميل. لكن إذا اختار المرء قيادة سيارة عتيقة بدلاً من هذا، دون أن يصاحبه فيها رفاق سفر، فإن الشعور بالخزي من الطيران سيمثل مجرد تقليعة حديقة وليس مساهمة نافعة في تقليص الانبعاثات.
وربما حان الوقت لصانعي السياسة، كي يساعدوا الناس في تنظيم أولوياتهم بالشكل الصحيح، عبر تبنّي الفكرة القديمة حول نصيب الفرد من الكربون. فإذا حصل الأشخاص على رصيد متساوٍ من الكربون في بداية العام، يستطيعون إنفاقه في أنواع مختلفة من السفر واستخدام الطاقة وفقاً لقائمة أسعار قومية موحدة، وسيدركون في وقت قصير ما قد يجدي نفعاً لهم كأشخاص. فالحاجة إلى شراء أرصدة إضافية، أو القدرة على بيع بعض العلاوات من الكربون.. سيقدم حافزاً مهماً بهذا الشأن. ومثل هذه البرامج ستكون معقدة وليست سهلة التطبيق، لكن تطبيقها لن يكون مستحيلاً على الأقل في الدول الشمالية، مع صغر عدد سكانها وبنية الإنترنت الممتازة فيها. والشعور بالخزي الذي بواعثه بيئية هو أمر جيد وصالح، لكن الحافز الاقتصادي ربما يثبت أنه أكثر فعالية.
*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وتشير بيانات «يوروكونترول» إلى أن هناك شيئاً يتعلق بفرضية «الشعور بالخزي من رحلات الطيران»؛ إذ أظهر مسح أجرته في الآونة الأخيرة منظمة «يوروباروميتر» أن السويد والدنمارك ومالطا وفنلندا وألمانيا وبريطانيا.. من الدول التي بها أعلى نسبة من السكان الذين يعتقدون أن تغير المناخ هو مشكلة العالم الأولى. وفي السويد وفنلندا، انخفض عدد الرحلات داخل أوروبا بين شهري يناير وأكتوبر. لكن في الدول الأخرى التي تعد الأكثر قلقاً من المناخ، زادت هذه الرحلات الداخلية، وإن يكن بشكل أقل، مقارنة بالدول التي لا تشعر شعوبها بالقلق من تغير المناخ. ويبدو من المستحيل إقامة رابطة علمية على أساس هذه البيانات بين مشاعر الناس بشأن تغير المناخ، وتفضيلاتهم في السفر والتنقل. ففي كل بلد، تتوقف خيارات الناس على مزيج من الجغرافيا وحالة البنية التحتية وتقاليد العطلات والعمل والاقتصاد.. فنحن لا نشهد أدلة كثيرة للشعور بالخزي من وسائل النقل الأخرى. والانبعاثات من هذه المواصلات تتزايد بأكثر من مثيلتها في الطيران خلال السنوات القليلة الماضية. وأكبر مصدر للانبعاثات هو السيارات والشاحنات. فخلال العام الماضي، في السويد، تزايدت الانبعاثات من النقل البري بالفعل، وهذا يعود في المقام الأول إلى تزايد الشاحنات الكبيرة، لكن أيضاً لأن الناس في هذه البلاد، رغم وعيهم بشأن المناخ، لا يقلصون وقت قيادتهم للسيارات، ولا يتحولون بسرعة أكبر إلى شراء السيارات ذات الكفاءة في استهلاك الوقود أو السيارات الكهربائية. وتزايد عدد السيارات المستخدمة في السويد. ومتوسط سنوات استخدام السيارات في السويد يبلغ 9.9 أعوام، وهو أقل من المعدل العام في الاتحاد الأوروبي البالغ 10.8 أعوام، لكنه أعلى من بعض الدول الأقل قلقاً بشأن المناخ.
بيد أنه في الدول الأكثر وعياً بالمناخ، هناك أشخاص مستعدون لتغيير عاداتهم في السفر جواً لتقليص الانبعاثات. لكن هذا لا يعني، ولسوء الحظ، أنهم يستبدلونها بوسائل أكثر فعالية. فالضرر البيئي لرحلات الطيران الطويلة محدود وغير كبير، لأن الانبعاثات تكون في أعلى مستوى أثناء عملية الإقلاع والهبوط، ولذا فإن الرحلات الأقصر هي التي تتسبب في انبعاث أكبر قدر من الكربون في الغلاف الجوي لكل ميل. لكن إذا اختار المرء قيادة سيارة عتيقة بدلاً من هذا، دون أن يصاحبه فيها رفاق سفر، فإن الشعور بالخزي من الطيران سيمثل مجرد تقليعة حديقة وليس مساهمة نافعة في تقليص الانبعاثات.
وربما حان الوقت لصانعي السياسة، كي يساعدوا الناس في تنظيم أولوياتهم بالشكل الصحيح، عبر تبنّي الفكرة القديمة حول نصيب الفرد من الكربون. فإذا حصل الأشخاص على رصيد متساوٍ من الكربون في بداية العام، يستطيعون إنفاقه في أنواع مختلفة من السفر واستخدام الطاقة وفقاً لقائمة أسعار قومية موحدة، وسيدركون في وقت قصير ما قد يجدي نفعاً لهم كأشخاص. فالحاجة إلى شراء أرصدة إضافية، أو القدرة على بيع بعض العلاوات من الكربون.. سيقدم حافزاً مهماً بهذا الشأن. ومثل هذه البرامج ستكون معقدة وليست سهلة التطبيق، لكن تطبيقها لن يكون مستحيلاً على الأقل في الدول الشمالية، مع صغر عدد سكانها وبنية الإنترنت الممتازة فيها. والشعور بالخزي الذي بواعثه بيئية هو أمر جيد وصالح، لكن الحافز الاقتصادي ربما يثبت أنه أكثر فعالية.
*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»