انتهت قمة كوالالمبور الإسلامية المصغرة، لكن مَن حضرها؟ دُعي رئيس وزراء باكستان السيد عمران خان فاعتذر عن الحضور، تاركاً للحكواتي برتبة رئيس دولة نسج حكايات ألف ليلة وليلة عن أسباب غيابه عن القمة، لكن صمت الباكستانيين لم يدم طويلاً عن تلك «الجرأة»، فقد تعالت في باكستان أصوات الغضب بشكل كاف، كردة فعل ضد البيان الأجنبي، الذي تحدث باسم رئيس الحكومة من دون استئذان، رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان قبل أن يكون رئيس وزراء، هو لاعب «كريكيت» دولي سابق، وبلا شك عندما ترمي باتجاهه كرة بهذه القوة، فمن المؤكد أنه سيضربها بالمضرب بكل قوته لترتد على خصمه، لذلك أصدرت وزارة الخارجية الباكستانية بياناً، بناءً على ما ورد من تساؤلات من قبل الصحف، يرد بصورة غير مباشرة، وجاء في ذلك البيان أن باكستان لم تشارك في قمة كوالالمبور، لأنها «لا تريد أن تشارك في تشرذم الأمة»، هذه العبارة كانت كافية تماماً لأنها تتضمن احتفاظ السيد عمران خان بموقفه الخاص المستقل، الذي يرفض أن يتحدث أحد بلسانه، ومن الواضح أيضاً أن باكستان قد نأت بنفسها عن هذا الحلف الجديد الذي حاول فرض نفسه عليها.
كل متابع للشأن العام، يعلم أن الصراع قد بات مكشوفاً في السنوات الأخيرة، ولعل هذا من الفأل الحسن، فهناك دول التحالف العربي، دول الاعتدال التي تضم السعودية ومصر والإمارات والبحرين، ومن يسير معهم في خط الاعتدال، وهناك القوى الإقليمية الطامعة في المنطقة العربية، وهناك الخطاب «الثوري» الذي نعرفه باسم «الإخوان المسلمون»، وهم أتباع خاضعون مخلصون لتركيا ضد أوطانهم وضد عروبتهم، ولم يعد هناك مجال للاختفاء خلف شعارات الدين التي قد تخدع بسطاء الناس.
رئيس الوزراء الباكستاني سياسي محنك، ومن بيئة تعرف المشاريع الإسلاموية كلها عن ظهر قلب، ويُدرك تماماً أنه أمام محاولة من جانب رموز العثمانية الجديدة لتدمير «منظمة التعاون الإسلامي» التي للسعودية مكانة كبيرة فيها، وليخرجوا بـ«قمة ضِرار» على غرار «مسجد الضرار»، يتم من خلالها سحب البساط نحو العاصمة التركية، بحيث تناقش مشكلات المسلمين في قصر السلطان، ويتولى طرف خليجي دفع الفواتير.
لم يكن عمران خان هو الوحيد الذي غاب، فقد اعتذر كذلك رئيس وزراء إندونيسيا عن تلك القمة، ولا شك في أن الحق مع من غابوا، إنها قمة لدول تعيش أزمات خانقة ولحظات تاريخية في حياتها كدول مهددة في صميم وجودها، نحن أمام دولتين تعيشان ظروفاً صعبة؛ دولة تعيش العد التنازلي لنظامها الخارج عن التاريخ، وحكومة «السلطان» الجديد التي تبدو أخطر بكثير من «خلافة داعش»، وهي التي تلعب بكل الأوراق المتناقضة؛ إذ تريد من ناحية أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، وتهدد من ناحية أخرى بأنها ستتزعم العالم الإسلامي، إن لم يقبل بها الاتحاد الأوروبي! وفي الوقت ذاته فهي تعيش أزمة اقتصادية خانقة، لن يستطيع الحليف الخليجي دفع فواتيرها لمدة طويلة.
أما المأزوم الثالث، فهو رئيس وزراء جديد -قديم، يبدو وقد أعجبه الدور الذي قدّم له ليلعبه، أعني دور البطل بالنسبة للإسلامويين، فيما يتعلق بنجاحاته الاقتصادية القديمة.
انتهت قمة كوالالمبور مثلما بدأت، عرجاء وربما كسيحة، هل يمكن أن نتصور قمة إسلامية يغيب عنها الحلف السعودي الإماراتي؟! هل يمكن أن نأخذ بعين الجدية قمة إسلامية ولا تحضرها مصر؟! قمة إسلامية من دون هذه الدول الثلاث هي قمة بلا قيمة.
*كاتب سعودي