تنظر الهند إلى علاقاتها مع جارتها بنجلاديش على أنها خالية من المشكلات في منطقة تمسك بتلابيبها مشكلات متعددة. ولا شك تقريباً في أن البلدين تمتعا بـ «فصل ذهبي» في علاقاتهما منذ تولي الشيخة حسينة واجد السلطة قبل عشر سنوات. فقد تلقت الشيخة حسينة دراستها في الهند ولها علاقات طيبة بكل الزعماء الهنود تقريبا. وبعد فترة قصيرة من توليها السلطة عام 2009، ساعدت الشيخة حسينة الهند في التصدي للمتمردين من ولايات الهند الشمالية الشرقية الذين اتخذوا من بنجلادش ملاذا. ومن ثم أثبتت أنها صديق لا يقدر بثمن للهند في قضايا الأمن وفي دعم العلاقات بين البلدين.
لكن تتعرض هذه العلاقة الوثيقة لبعض الاضطرابات فيما يبدو بعد أن ألغى وزير الخارجية عبد المؤمن ووزير الداخلية أسد الزمان خان في بنجلادش زياراتهما للهند في اللحظة الأخيرة. وأُلغيت الزيارتان بعد قليل من إقرار البرلمان الهندي «مشروع قانون تعديل المواطنة». ويسمح مشروع القانون المثير للجدل بمنح الجنسية للأجانب من الديانات الهندوسية والسيخية والبوذية والزرادشتية والمسيحية من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان لكنه يستثني مسلمي هذه البلدان. والمسوغ الذي قدمه وزير الداخلية الهندي أميت شاه هو أن مشروع القانون استهدف حماية الأقليات المضطهدة في بنجلادش. لكن هذا التصريح لم يلق قبولاً حسناً في بنجلادش. وانتقد وزير خارجية بنجلادش بشدة التشريع قائلاً إنه «يضعف الشخصية التاريخية للهند كدولة علمانية»، ورفض المزاعم بأن الأقليات تواجه اضطهادا دينيا في بنجلادش.
ويعتبر إقرار البرلمان الهندي لقانون الهجرة هذا القائم على أساس الدين نقطة تحول للهند.
ويؤكد البعض أن مشروع القانون يتعارض مع الدستور الهندي الليبرالي العلماني الذي يكفل المساواة لجميع الأديان واللغات والأعراق. ويرجح أن يواجه مشروع القانون نقضاً قانونياً في محكمة الهند العليا. وأثارت هذه الإضافة الجديدة إلى الدستور الهندي مشاعر قوية للغاية مع احتمال تفاقم الاستقطاب في المجتمع الهندي في غمرة مخاوف من تهميش بعض الأقليات.
صحيح أن الحكومة تعلن أن لا أساس لهذه المخاوف، لكن هناك قلق ينتشر جراء رد الفعل العنيف على مشروع القانون في جميع أنحاء البلاد تقريباً، وخاصة في ولايات شمال شرق الهند. ومشاهد اشتباكات المحتجين مع قوات الأمن والجيش التي تم استدعاؤها في عدد من المناطق لإقرار الأمن، ليست علامة جيدة على وحدة البلاد. وحرية الدخول التي منحها هذا التشريع الجديد للمهاجرين غير المسلمين واعتراضه الحاسم على دخول بعض الأقليات تتعارض مع قيم النسيج التعددي في الهند.
وفي أعقاب هذا التشريع، سينطلق الآن مسعى خاص بتسجيل الجنسية في جميع أنحاء البلاد، قد يعرض من المهاجرين المسلمين لمشكلات بسبب عملية «التسجيل القومي للمواطنين». وتم تنفيذ هذا المسعى منذ فترة في ولاية آسام (آسام) بشمال شرق الهند والمتاخمة لبنجلادش. وأسفرت هذه العملية عن استبعاد 1.9 مليون شخص من الجنسية الهندية، منهم عدد كبير من الهندوس الذين سيحصلون الآن على الحماية بموجب هذا التشريع الجديد.
وكان لهذا التشريع نتيجة أخرى غير مقصودة على الجبهة الدبلوماسية. فإلى جانب إلغاء الوزيرين البنجلاديشيين زياراتهما إلى الهند، أرجأ رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي رحلته لحضور قمة ثنائية سنوية بين البلدين لأن استضافة الاجتماع في مدينة غواهاتي، عاصمة ولاية آسام، أصبح مستحيلاً تقريباً بسبب الاحتجاجات الحاشدة العنيفة. وهذا يلحق الضرر بسياسة «التحرك شرقا» التي تتبعها الهند. وفي الوقت نفسه، أصدر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بياناً وصف التشريع الجديد بأنه لا يتسق مع التزامات الهند الدولية بشأن حقوق الإنسان.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. فقد حث متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية الهند على حماية حقوق الأقليات الدينية في البلاد بما يتماشى مع دستور الهند وقيمها الديمقراطية.
وعلى مدار السنوات الست الماضية، تم الاعتراف بالهند كقوة صاعدة مما عزز مكانتها على الساحة الدولية. وتنظر الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى إلى الهند باعتبارها شريكاً ديمقراطياً مهم في التحوط أمام صعود قوة الصين في آسيا.
والدستور من نقاط قوة الهند الكبيرة لكن تحرك نيودلهي بشأن «مشروع قانون تعديل المواطنة» وارتباط ذلك بحملة «التسجيل القومي للجنسية»، يثير القلق تجاه مكانة الهند الراسخة وسمعتها القوية ككيان ديمقراطي تعددي ومتسامح. ورفض عدد من الولايات الهندية بما في ذلك ولاية البنغال الغربية بالفعل تنفيذ هذا التشريع معلنة أنه ينتهك عدداً من التزامات الدستور الهندي. ومن الواضح أن مشروع القانون أثار مشاعر قوية للغاية داخل الهند وخارجها وعلى الحكومة أن تخفف حدة هذه المخاوف.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي