هل يجب اعتبار البحث على الإنترنت كحق من حقوق الإنسان؟ للإجابة على هذا السؤال، تفضل الناشطة «أونيكا ماكواكوا» البدء بقصة، ففي عام 2015، بدأت بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، في إنشاء نقاط اتصال «واي-فاي» في جميع أنحاء المدينة، وأجرت وسائل الإعلام المحلية مقابلة مع مراهق من «أتريدجيفيل»، وهي مجتمع فقير من السود على أطراف المدينة، اعتاد السير أربعة أميال ذهاباً وإياباً لاستخدام أقرب نقطة اتصال، وسألوا الصبي: لماذا تعتبر خدمة الواي فاي المجانية مهمة بالنسبة لك؟ فأجاب: «إنني أعيش في كوخ، لكن عندما أكون على الإنترنت لا أشعر بأنني طفل يعيش في كوخ»، بعبارة أخرى، فقد فتح الإنترنت العالم أمام ذلك المراهق، واليوم، أصبح نصف سكان الكوكب تقريباً على الإنترنت، والفجوة بين الكون الشاسع الذي يمكنهم الوصول إليه (من المعلومات إلى العمل إلى النقود الرقمية)، وبين الوجود التناظري للنصف الآخر (أي الواقع)، تضيق وتتسع في آن واحد.
يقول النشطاء مثل، ماكواكوا، وهي منسقة أفريقيا في «التحالف من أجل الوصول للإنترنت بأسعار معقولة»، إن هذه أزمة، فبدون الإنترنت، يُترك العديد من أفقر فقراء العالم لفقرهم، أما أولئك الأكثر تعرضاً للاضطهاد فيُحرمون من المعرفة وطرق التنظيم.
لكن، وعلى نحو متزايد، يحقق النشطاء نجاحاً في إزالة الحواجز، التي تحول دون الوصول للإنترنت، من خلال صياغة حملاتهم على أنها مسألة تتعلق بحقوق الإنسان، ففي جنوب أفريقيا، مثلاً، وبعد سنوات من الضغط الذي مارسه النشطاء، وجدت محكمة تجارية في وقت سابق من هذا الشهر، أن التكاليف المرتفعة لاثنين من المزودين الرئيسيين لبيانات المحمول «معادية للفقراء»، وأنه يتعين عليهما خفض الأسعار، من أجل خلق «قدر أكبر من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، يواكب دخول البلاد مرحلة العصر الرقمي».
وتقول ماكواكوا: «في عصر آخر، قررنا أن التعليم كان حقاً، وأنه حق مكفول حتى ولو لم يكن بمقدورك الدفع، وهذه هي النقطة التي نصل إليها الآن بخصوص الإنترنت، نحن بحاجة إلى التعامل معه كأداة أساسية أو سلعة مثل المياه أو الكهرباء، التي يستحق الفقراء الحصول عليها من أجل عيش حياة كريمة، حتى لو لم يكن بمقدورهم الدفع».
وتؤكد قضية جنوب أفريقيا هذه النقطة؛ فقد كتبت لجنة المنافسة في تقرير أن أكبر مزودين لخدمات الهاتف المحمول، وهما «إم تي إن» و«فوداكوم»، انخرطا في «التمييز الاستغلالي في الأسعار»، وكانت المشكلة تكمن في ارتفاع تكلفة البيانات، وارتفاع تكاليف الدفع الفوري مقارنة بالعقود، والتي قال النشطاء بأنها تمييزية ضد فقراء جنوب أفريقيا.
وطالبت اللجنة، بأن تقوم الشركتان بخفض سعر البيانات خلال شهرين، على الأرجح بنسبة 30 و50%، وبتزويد جميع عملاء الدفع المسبق «بحزمة من البيانات المجانية اليومية، لضمان وصول جميع المواطنين للبيانات بشكل مستمر، بغض النظر عن مستويات دخلهم»، وأشار التقرير إلى حقيقة أن «التواصل حق أساسي»، بحسب ما قالت «لازولا كاتي»، التي تنظم حملات حول حقوق التواصل لصالح منظمة «حق المعرفة» غير الربحية، التي تدافع بشدة عن خفض أسعار البيانات.
وتدعم هذا الرأي أيضاً الأمم المتحدة، التي جعلت الوصول المتزايد إلى الإنترنت جزءاً من أهداف التنمية المستدامة، وهي مؤشرات تهدف إلى تتبع نوعية الحياة في مختلف البلدان.
ومع ذلك، لا يتفق الجميع مع هذا التقييم، فقد كتب «فينت سيرف»، رائد الإنترنت في عام 2012، أن «التكنولوجيا هي عامل تمكين للحصول على الحقوق، وليست حقاً بحذ ذاتها»، وقال: إن حق الإنسان «يجب أن يكون ضمن الأشياء التي نحتاجها كبشر، لكي نعيش حياة صحية ذات مغزى، مثل التحرر من التعذيب أو حرية الضمير»، ومن خلال وضع الإنترنت في فئة حقوق الإنسان، كما قال آخرون، يتم فرض عبء غير عادل على الدول لدفع تكاليف وصول مواطنيها إلى شبكة الإنترنت، عندما لا يستطيعون تحمل تكاليفها.
بيد أنه بالنسبة للعديد من الحكومات، فإن تقييد الإنترنت لا يتعلق بتوفير المال، بل هو كذلك أداة للمراقبة والتحكم.
وعلى سبيل المثال، في عام 2018، شهدت 21 دولة أفريقية إغلاقاً كلياً أو جزئياً للإنترنت، معظمها كان رداً على احتجاجات شعبية، وفي بلدان مثل زيمبابوي، حيث أكثر من 95% من المعاملات المالية تتم عبر الهاتف المحمول، تكون لهذه الأنواع من الإغلاق تأثيرات عميقة على الحياة اليومية للسكان.
*كاتبة مقيمة في جوهانسبيرج
*ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»