أبدى وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، علي حسن خليل، قلقه من عجز مالي كبير، بسبب تراجع الإيرادات، وفي الوقت نفسه، قدّر وزير الاقتصاد منصور بطيش، خسائر الاقتصاد اللبناني بـ 4.5 مليار دولار، مع مرور 60 يوماً على انتفاضة اللبنانيين واستقالة الحكومة، وفي سياق المساعي لتشكيل حكومة جديدة، يواجه لبنان تحدي الاختيار بين تطورات سياسية، واضطرابات اجتماعية من دون سقف ولا حدود، والوصول إلى الفوضى، في لحظة أزمات جعلت أولوية الناس «معيشتها» المهددة، وبين حكومة اختصاصيين مستقلين يطالب بها المنتفضون، لتحارب الفساد وإنقاذ الاقتصاد، والانفتاح على المجتمعين العربي والدولي، خصوصاً بعدما أكدت مجموعة الدعم الدولية في باريس «أن المحافظة على استقرار لبنان ووحدته وأمنه وسيادته واستقلاله السياسي وسلامة أراضيه، تتطلب تشكيلاً سريعاً لحكومة فاعلة وذات مصداقية، وقادرة على تنفيذ إصلاحات تستجيب لتطلعات جميع اللبنانيين، وتكون ملتزمة بسياسة النأي بالنفس عن التوترات والأزمات الإقليمية»، وربطت تقديم المساعدات المالية العربية والدولية بتحقيق ذلك.
في الواقع، لم تنجح الحكومات السابقة في رسم السياسات الاقتصادية والمالية، نتيجة عوامل عدة، منها انعدام التخطيط، وعدم وضع أهداف طويلة الأجل للاقتصاد، الأمر الذي لا يزال مسيطراً حتى اليوم، حيث يحتل لبنان المرتبة 128 عالمياً في مؤشر«رؤية الحكومة طويلة الأجل»، الصادر عن البنك الدولي، وأدت السياسات السيئة التي تم اعتمادها، إلى تشويه بنية الاقتصاد، الذي أصبح أسير الاعتماد المفرط على تحويلات المغتربين وتدفق الودائع، مع إضعاف القطاعات الإنتاجية التي تحقق عادة النمو وتخلق الوظائف، وارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، مع غياب «الدولة الراعية»، حتى في تطبيق «برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً»، الذي اتسم بطابع «زبائني» إذ تمت الاستفادة منه على «الطريقة اللبنانية»؛ أي عبر استجداء الزعيم أو أحد أزلامه، ولذلك لم يكن هذا البرنامج الممول من الأمم المتحدة شاملاً، بل استفاد منه فقط 105 آلاف أسرة، من أصل 150 ألفاً، تصنف تحت خط الفقر الأدنى، و250 ألفاً مصنفة تحت خط الفقر بشكل عام.
وتبرز أهمية مخاطر«النقد المزدوج»، بما يشهده لبنان حالياً من تدهور في سعر صرف عملته الوطنية، الذي ساهم بارتفاع نسبة الفقر من 32% إلى نحو 50%، نتيجة الأزمة النقدية، وتراجع القوة الشرائية للأجور، وصرف أكثر من عشرة آلاف موظف وعامل، وإقفال نحو ثلاثة آلاف مؤسسة تجارية وسياحية وصناعية، وخفض الرواتب والأجور إلى النصف في عدد من المؤسسات، وفي محاولة من وزير المالية للتخفيف من الآثار السلبية لهذه المشكلة، وقّع على مرسوم باعتماد قيمته 20 مليار ليرة، لتعزيز وتوسعة قاعدة المستفيدين من برنامج دعم الأسر الفقيرة، مع العلم أن هذا المبلغ ضئيل جداً، ويعادل فقط 10 ملايين دولار، بينما تتطلب معالجة هذه المشكلة المتفاقمة أكثر من 10 مليارات، ولكن الحصول على مساعدات خارجية، تفرض على لبنان شروطاً، أقلها الحوكمة الرشيدة، واعتماد الشفافية السياسية والاقتصادية، وقد حذر المندوب الأممي «يان كابيتش»، من «التدهور الأمني» في حال استمرار الأزمة.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.
في الواقع، لم تنجح الحكومات السابقة في رسم السياسات الاقتصادية والمالية، نتيجة عوامل عدة، منها انعدام التخطيط، وعدم وضع أهداف طويلة الأجل للاقتصاد، الأمر الذي لا يزال مسيطراً حتى اليوم، حيث يحتل لبنان المرتبة 128 عالمياً في مؤشر«رؤية الحكومة طويلة الأجل»، الصادر عن البنك الدولي، وأدت السياسات السيئة التي تم اعتمادها، إلى تشويه بنية الاقتصاد، الذي أصبح أسير الاعتماد المفرط على تحويلات المغتربين وتدفق الودائع، مع إضعاف القطاعات الإنتاجية التي تحقق عادة النمو وتخلق الوظائف، وارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، مع غياب «الدولة الراعية»، حتى في تطبيق «برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً»، الذي اتسم بطابع «زبائني» إذ تمت الاستفادة منه على «الطريقة اللبنانية»؛ أي عبر استجداء الزعيم أو أحد أزلامه، ولذلك لم يكن هذا البرنامج الممول من الأمم المتحدة شاملاً، بل استفاد منه فقط 105 آلاف أسرة، من أصل 150 ألفاً، تصنف تحت خط الفقر الأدنى، و250 ألفاً مصنفة تحت خط الفقر بشكل عام.
وتبرز أهمية مخاطر«النقد المزدوج»، بما يشهده لبنان حالياً من تدهور في سعر صرف عملته الوطنية، الذي ساهم بارتفاع نسبة الفقر من 32% إلى نحو 50%، نتيجة الأزمة النقدية، وتراجع القوة الشرائية للأجور، وصرف أكثر من عشرة آلاف موظف وعامل، وإقفال نحو ثلاثة آلاف مؤسسة تجارية وسياحية وصناعية، وخفض الرواتب والأجور إلى النصف في عدد من المؤسسات، وفي محاولة من وزير المالية للتخفيف من الآثار السلبية لهذه المشكلة، وقّع على مرسوم باعتماد قيمته 20 مليار ليرة، لتعزيز وتوسعة قاعدة المستفيدين من برنامج دعم الأسر الفقيرة، مع العلم أن هذا المبلغ ضئيل جداً، ويعادل فقط 10 ملايين دولار، بينما تتطلب معالجة هذه المشكلة المتفاقمة أكثر من 10 مليارات، ولكن الحصول على مساعدات خارجية، تفرض على لبنان شروطاً، أقلها الحوكمة الرشيدة، واعتماد الشفافية السياسية والاقتصادية، وقد حذر المندوب الأممي «يان كابيتش»، من «التدهور الأمني» في حال استمرار الأزمة.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.