جاء في الصّحاح عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدرمه أعرابيّ فجبذه بردائه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء.
ودخل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في يوم قائظ أحد الأفلاج في المعترض بمدينة العين، ليتبرد بالماء ويتغلب على شدة الحر وكان صائماً، فوجد رجلاً يغسل جراب التمر المصنوع من سعف النخيل في الماء، ودعاه الشيخ زايد ليتوقف حتى لا يعكر الماء ورفض الرجل بغلظة وحدة، فقال له الشيخ زايد أرجوك أن تتوقف عشر دقائق فإني صائم وبحاجة إلى التّبرّد بالماء، فقال له ولا دقيقة واحدة، فقال له الشيخ زايد، يعني هذا أنّك قويّ، قال نعم وأستطيع أن أرميك رمية واحدة وأضربك، فقال له الشيخ زايد رغم أنّي مسلح؟! قال له لو كان عندي سلاح مثلك ما تركتك! فتبسّم الشيخ زايد وأقبلت نحوه مجموعة من الرّجال الّذين كلّفهم بأمر، ثمّ لحقوا به فحيّوه تحيّة الإجلال والمحبّة، فعرف الرّجل أنّ الذي يهدّده ويسيء إليه هو الشيخ زايد بن سلطان، فأقبل إليه خائفاً يعتذر فلم يغضب منه الشيخ زايد بل صافحه وأخذ يسأله عن أحواله وعياله.
هذا هو الشّيخ زايد الذي أرسى التّسامح كأساس متين من أسس هذا الوطن. ومن الهدي النّبوي كان ينهل معاني التّسامح، فهي جزء من عقيدته وركن من مبادئه، فاتّسعت معاني التّسامح عنده لتشمل الغريب والقريب والقاصي والداني والمسلم وغير المسلم والدّول والشعوب والأفراد، إنّه كان مؤمناً بقول الله تعالى: (يا أيّها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، والتعارف والتآلف لا يمكن أن يتحقق إلا إذا ارتكز إلى أساس التّعايش والتسامح، وقد رسخ ذلك الشيخ زايد في ربوع هذا الوطن لأنه عقيدة عنده سلمها إلى أبنائه وساروا بها أشواطاً بعيدة.
وهنا ظهرت آثار العقيدة التي كان يدين بها الشيخ زايد في شكل منهج واضح وقانون يطبق على الجميع، فأصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، قانون مكافحة التمييز والكراهية رقم 2 لسنة 2015، وكان الأوّل من نوعه في العالم، بل سيكون الأساس الذي يلتقي عليه كل محبّي الخير في العالم.
الصّراع الديني له خطورة غير مسبوقة، وهنا كان التّفكير المبدع من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أيده الله، حين بذل جهوداً عظيمة للقاء الدينين الكبيرين في العالم، لتمهيد الطريق أمام تعايش دينيّ كان قائماً وراسخاً من عهد النّبوة في عالم الإسلام لقرون طويلة.
إنّ هناك قيماً مشتركة بين الأديان، وبجهود القائد الفذّ وعبقريته المشرقة قد تم وضع العالم كلّه أمام طريق واضح وممارسة صحيحة، من خلال «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقعها رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا (فرنسيس)، ورأس العالم الإسلامي شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وكان توقيعها في صرح القائد المؤسس أمثولة التسامح والقيم، الشيخ زايد بن سلطان بكل ما يحمله هذا المكان وهذا التوقيع من رمزية ودلالة.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أيده الله، نزع فتيل الصراع بين الأديان، وأسس مرحلة من التعاون البنّاء بين البشر جميعاً. هذا اللقاء أولاً وهذه المفاهيم التي أودعت في وثيقة الأخوة الإنسانية ثانياً، هي تأسيس لممارسة وتطبيق جديد للتواصل بين أتباع الأديان، ومن هنا يأتي القضاء على التطرف والغلو والإرهاب الذي يلبس لبوس الدين، وقد جاء في الوثيقة (نطالب أنفسنا وقادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي بالعمل جديا على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام). إنها مفاهيم مشتركة جديدة بدأت تسري في العالم من أبوظبي ومن الفكر الوهاج للشيخ محمد بن زايد.
إن العالم اليوم بدأ يصنع حضارة إنسانية مشتركة تُسهم فيها جميع الأمم والأديان والثقافات، ولا يمكن أن يستمر صنعها إلا بالأخوة الإنسانية والتسامح، وتأكيداً على ذلك كان اختيار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد والقيادة الرشيدة لعام 2019 عاماً للتسامح، ليكون قوة عالمية دافعة لهذا التوجه الإنساني الجديد.
رحم الله القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحفظ صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وولي العهد الأمين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، وجعل هذا الوطن نبراساً للقيم رافلاً على الدوام في الأمن والأمان والرفعة والازدهار.
د.فاروق محمود حمادة
*المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي