تقدم أحد نواب البرلمان، أو مجلس الشعب أو مجلس الأمة أو مجلس النواب أو المجلس التشريعي.. حيث تغيرت الأسماء بين العربية والمعربة والمترجمة عن اللغة الأجنبية.. أقول: تقدم بمشروع قانون للحفاظ على الأسماء العربية وتحريم الأسماء الأجنبية في شهادة الميلاد والبطاقة الشخصية وجواز السفر وجميع الأوراق الرسمية الخاصة. لكن معظم النواب استهجنوا هذا الاقتراح (مشروع القانون)، رغم أنه كان يعبّر عن نية طيبة في الحفاظ على اللغة العربية ونقائها، بصرف النظر عن القدرة على تطبيقه فيما لو تم إقراره رسمياً، إذ لا يمكن مصادرة حق الوالِدِين في اختيار أسماء مواليدهم الجدد. فكل اسم يختاره الوالدان يعبّر عن مدى فرحتهما بالمولود الجديد، فالأنثى تسمى جولييت أو سونيا، والذكر يسمى جورج أو جاك.. وكل ذلك أثر للتأثر بالغرب والثقافة الغربية.
ومن يسير في شوارع أكثر المدن العربية عراقة، سيرى أسماء المحلات الأجنبية، مثل كوافير أو كاربت، مع أن التسميات العربية متاحة وسهلة (حلاق أو مصفف الشعر، وسجاد)، لكن صاحب المحل يظن أنه بالاسم الأجنبي (الفرنسي أو الإنجليزي) يستقطب زبائن ويزداد دخله على حساب اللغة الوطنية. أما أسماء البضائع والماركات الأجنبية فأكثر مما يمكن إحصاؤه (مثل تويوتا، شيفورليه، رينو، وسوزوكي.. للسيارات، أو شارب للأجهزة الكهربائية، أو بلو جينز للملابس، أو تاكي للأثاث..). وكذلك أسماء الفنادق، فكلها أجنبية، مثل هيلتون وشيراتون وكونراد وسميراميس وسوفيتيل ووندسور وميتروبوليتان.. أي فنادق الدرجة الأولى. وفي مقابلها أسماء مكة والمدينة والأزهر والحسين. أما الوجبات السريعة فمعظمها بالإنجليزية مثل هامبورجر، تشيز برجر، كومبو أو بالإيطالية مثل بيتزا، وهناك محلات تجمع بين اللغتين مثل بيتزاهت. وكذلك أسماء مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر وواتساب وانستجرام. ومعظم أسماء الأدوية أيضاً باللغة الأجنبية مثل فيتامين وآنتي بيوتك وجليسرين وبيتادين، وبعض تحليلات الدم مثل هيموجلوبين. وقد حاولت سوريا تعريب الطب، كما حاولت إسرائيل إيجاد مقابل عبري لكل ألفاظ الحداثة الغربية.
ولا يقال إن ذلك شيء طبيعي، إذ يتم تحول لغة الغالب إلى لغة للمغلوب أيضاً، كما تحولت الألفاظ العربية في العلوم والأطعمة إلى اللغات الأجنبية في مرحلة صعود الحضارة العربية، مثل السكر، والزيتون، والقهوة، والشاي.. دخلت بكثرة إلى اللغتين الإسبانية والإنجليزية. وقد خرجت قواميس عدة باللغة الإسبانية عن الألفاظ العربية التي دخلت الإسبانية، وهي بالآلاف.
لا يدافع عن التعريب العربُ فقط بل كل من يتكلم العربية، لأنه عربي. فالعروبة ليست بأب أو أم وإنما العروبة هي اللسان. والنقاء اللغوي تحرص عليه جميع الشعوب والثقافات، وأكثرها الثقافة واللغة الألمانيتين، حيث نجد أن كل لفظ أجنبي شاع في لغات العالم له مقابل ألماني أصيل. وهكذا فعل العرب القدماء عندما ترجموا المنطق اليوناني، حيث بدؤوا بالتعريب أي النقل الصوتي للفظ اليوناني، ثم حولوه إلى لفظ عربي أصيل مثل «قاطيغورياس» (أي المقولات)، و«بيري هرمنياس» (أي العبارة)، و«أنالوطيقا» (أي التحليلات)، و«سيللوجستيقا» (أي القياس)، و«ريطوريقا» (أي الخطابة)، و«ديالكتيك» (أي الجدل)، و«بويطيقا» (أي الشعر). ونحن مازلنا في مرحلة التعريب أي النقل الصوتي للفظ الأجنبي. ولعل هذا ما دعا مجمع اللغة العربية الخاضع للاتجاه المحافظ إلى افتعال لفظ عربي في مقابل اللفظ الأجنبي، مثل «شاطر ومشطور وبينهما طازج» ترجمة لـ«ساندويتش». وهو أيضاً ما دفع الناس للحديث بالعامية وترك الفصحى، وما سبب السخرية من المأذون والفقيه وأستاذ اللغة العربية عندما يتحدثون بالفصحى كما صورتهم بعض الأفلام المصرية. وجنّد البعض أنفسهم للدفاع عن العامية ضد الفصحى بل وترجمة الأعمال الأدبية لشكسبير وجوته بالعامية. بل إن بعض أساتذة الجامعات يحاضرون للطلاب بالعامية. وقد تصبح اللهجات العامية لغات وطنية، فلا يستطيع العربي مخاطبة العربي.
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة
ومن يسير في شوارع أكثر المدن العربية عراقة، سيرى أسماء المحلات الأجنبية، مثل كوافير أو كاربت، مع أن التسميات العربية متاحة وسهلة (حلاق أو مصفف الشعر، وسجاد)، لكن صاحب المحل يظن أنه بالاسم الأجنبي (الفرنسي أو الإنجليزي) يستقطب زبائن ويزداد دخله على حساب اللغة الوطنية. أما أسماء البضائع والماركات الأجنبية فأكثر مما يمكن إحصاؤه (مثل تويوتا، شيفورليه، رينو، وسوزوكي.. للسيارات، أو شارب للأجهزة الكهربائية، أو بلو جينز للملابس، أو تاكي للأثاث..). وكذلك أسماء الفنادق، فكلها أجنبية، مثل هيلتون وشيراتون وكونراد وسميراميس وسوفيتيل ووندسور وميتروبوليتان.. أي فنادق الدرجة الأولى. وفي مقابلها أسماء مكة والمدينة والأزهر والحسين. أما الوجبات السريعة فمعظمها بالإنجليزية مثل هامبورجر، تشيز برجر، كومبو أو بالإيطالية مثل بيتزا، وهناك محلات تجمع بين اللغتين مثل بيتزاهت. وكذلك أسماء مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك وتويتر وواتساب وانستجرام. ومعظم أسماء الأدوية أيضاً باللغة الأجنبية مثل فيتامين وآنتي بيوتك وجليسرين وبيتادين، وبعض تحليلات الدم مثل هيموجلوبين. وقد حاولت سوريا تعريب الطب، كما حاولت إسرائيل إيجاد مقابل عبري لكل ألفاظ الحداثة الغربية.
ولا يقال إن ذلك شيء طبيعي، إذ يتم تحول لغة الغالب إلى لغة للمغلوب أيضاً، كما تحولت الألفاظ العربية في العلوم والأطعمة إلى اللغات الأجنبية في مرحلة صعود الحضارة العربية، مثل السكر، والزيتون، والقهوة، والشاي.. دخلت بكثرة إلى اللغتين الإسبانية والإنجليزية. وقد خرجت قواميس عدة باللغة الإسبانية عن الألفاظ العربية التي دخلت الإسبانية، وهي بالآلاف.
لا يدافع عن التعريب العربُ فقط بل كل من يتكلم العربية، لأنه عربي. فالعروبة ليست بأب أو أم وإنما العروبة هي اللسان. والنقاء اللغوي تحرص عليه جميع الشعوب والثقافات، وأكثرها الثقافة واللغة الألمانيتين، حيث نجد أن كل لفظ أجنبي شاع في لغات العالم له مقابل ألماني أصيل. وهكذا فعل العرب القدماء عندما ترجموا المنطق اليوناني، حيث بدؤوا بالتعريب أي النقل الصوتي للفظ اليوناني، ثم حولوه إلى لفظ عربي أصيل مثل «قاطيغورياس» (أي المقولات)، و«بيري هرمنياس» (أي العبارة)، و«أنالوطيقا» (أي التحليلات)، و«سيللوجستيقا» (أي القياس)، و«ريطوريقا» (أي الخطابة)، و«ديالكتيك» (أي الجدل)، و«بويطيقا» (أي الشعر). ونحن مازلنا في مرحلة التعريب أي النقل الصوتي للفظ الأجنبي. ولعل هذا ما دعا مجمع اللغة العربية الخاضع للاتجاه المحافظ إلى افتعال لفظ عربي في مقابل اللفظ الأجنبي، مثل «شاطر ومشطور وبينهما طازج» ترجمة لـ«ساندويتش». وهو أيضاً ما دفع الناس للحديث بالعامية وترك الفصحى، وما سبب السخرية من المأذون والفقيه وأستاذ اللغة العربية عندما يتحدثون بالفصحى كما صورتهم بعض الأفلام المصرية. وجنّد البعض أنفسهم للدفاع عن العامية ضد الفصحى بل وترجمة الأعمال الأدبية لشكسبير وجوته بالعامية. بل إن بعض أساتذة الجامعات يحاضرون للطلاب بالعامية. وقد تصبح اللهجات العامية لغات وطنية، فلا يستطيع العربي مخاطبة العربي.
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة