الضرائب أشكال وأصناف وأنواع، ومن أنواعها الضريبة الانتقائية، والتي قد يحلو للبعض أحياناً أن يطلق عليها ضريبة الخطيئة (Sin Tax)، كونها غالباً ما تفرض على البضائع التي تتسبب في أذي وفي ضرر للمجتمع وللأفراد، مثل منتجات التبغ، والحلويات، والمشروبات الغازية، والوجبات السريعة، والسكر، والقهوة، وغيرها. وتهدف هذه الضريبة إلى رفع أسعار تلك البضائع، للحد من استهلاكها، وفي نفس الوقت لزيادة الموارد المالية التي قد توجه لدعم الأغذية والنشاطات الصحية. ويعتبر هذا النوع من الضرائب، مقارنةً بالأنواع الأخرى من الضرائب والرسوم، هو الأكثر تقبلاً من عامة الناس، حيث يحظى بأكبر قدر من التفهم، ومن الدعم أحياناً.
وفي الوقت الذي توصف فيه هذه الضريبة بالانتقائية، في الأوساط الرسمية، ويحلو للبعض وصفها بضريبة الخطيئة، نجد أنه في الأوساط الصحية والطبية يطلق عليها ضريبة الصحة (Health Tax)، أي الضريبة التي تتعلق وترتبط بقضايا صحية. هذه القضايا هي موضوع اجتماع دولي مشترك عقد أمس الاثنين في مدينة «مونترو» السويسرية، بهدف مناقشة تأسيس إطار يشمل عدة هيئات ووكالات لبحث الجوانب المختلفة المتعلقة بضريبة الصحة، تحت مظلة مسرعات تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبالتحديد التمويل المستدام.
ويأتي هذا الاجتماع التمهيدي على خلفية تعاظم التأييد في العديد من الدول، لفرض مثل هذا النوع من الضرائب، كنتيجة لتزايد القلق من التبعات السلبية للعديد من قضايا الصحة العامة. فبالإضافة إلى قدرة هذا النوع من الضرائب على تحسين الوضع الصحي لأفراد المجتمع، يمكنه أيضاً أن يكون مصدر دخل مالي هام لدعم نظام الرعاية الصحية بوجه عام.
وبناءً على أن مجال ضريبة الصحة واسع ومتنوع، حيث يتضمن القضايا الصحية، ومصادر التمويل، والإدارة الحكومية، والتجارة العالمية، شرعت العديد من الهيئات والمنظمات العاملة في المجال الصحي وفي المجال المالي، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة ببرامجها المختلفة، مثل منظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي، بإطلاق المشاريع الهادفة إلى تسريع فرض الضرائب الصحية، وهو ما سيتطلب تضافر وتوحيد الجهود بين تلك المنظمات لوضع الأولويات ولتأطير الاستراتيجيات التي تمكن من تطبيقها خلال الأعوام القليلة القادمة.
وتعتبر منظمة الصحة العالمية في طليعة المنظمات التي ألقت بثقلها خلف الجهود الرامية لتطبيق ضريبة الصحة، وهو ما تجسد نهاية عام 2016 عندما أصدرت تقريراً أظهر أن رفع أسعار المشروبات الغازية بأكثر من 20 في المئة، قلل من معدلات استهلاكها، وفي الوقت نفسه حسَّن بوجه عام من نوعية غذاء الأفراد داخل المجتمع. وتأتّى هذا التقرير بناءً على نتائج اجتماع موسع حضره لفيف من العلماء والخبراء، وبعد مراجعة نتائج الأبحاث والدراسات الطبية والاقتصادية. واعتُبر موقف المنظمة الدولية حينها، تطوراً ملحوظاً بالمقارنة مع توصياتها السابقة التي اقتصرت على المطالبة بخفض محتوى «السكريات الحرة» في الغذاء إلى أقل من 10 في المئة من مجمل ما يتناوله الشخص من سعرات حرارية يومياً.
وإن كان المثالي والأفضل هو تخفيض نسبة السكريات الحرة في الغذاء إلى أقل من 5 في المئة من مجمل المتناول من السعرات الحرارية، حيث يؤمن الكثير من خبراء الصحة العامة وعلماء التغذية بأن تناول السكريات بإفراط، سواء في المشروبات والمياه الغازية أو في الحلويات والعصائر، يسبب آثاراً صحية سلبيةً تماثل في فداحتها الآثار الصحية السلبية الناتجة عن شرب أو إدمان الكحوليات، أو تلك الناتجة عن إدمان النيكوتين الموجود في منتجات التبغ. وهي القناعة التي عززتها العديد من الدراسات، وأدت إلى تصاعد المطالبات بضرورة تشريع قوانين جديدة، وفرض المزيد من الضرائب على المنتجات السكرية، للحد من الزيادة الرهيبة والمطردة في حجم المتناول منها.
وقبل عامين على صدور ذلك التقرير عن منظمة الصحة العالمية، كانت الجمعية البريطانية قد أصدرت تقريراً مماثلاً، جرّاء القلق المتزايد بين أعضاء المجتمع الطبي من التأثيرات الصحية السلبية المتنوعة للإفراط في استهلاك ما يعرف بالسكريات البسيطة، بدايةً من تسوس الأسنان، مروراً بزيادة الوزن والسمنة، ونهايةً برفع احتمالات الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. وهو التقرير الذي صدر حينها على خلفية مطالبة نقابة الأطباء البريطانيين، بفرض ضريبة قيمة مضافة بمقدار 20 في المئة على هذه النوعية من المشروبات. وقد جاءت مطالبة الجمعية البريطانية حينها، والتي تعد واحدة من أقدم المؤسسات الطبية في العالم، انطلاقاً من التقديرات التي تظهر بأنه في بريطانيا وحدها يلقى 70 ألف شخص حتفهم سنوياً بسبب الغذاء غير الصحي.
*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية