لاشك أن تزوير الشهادات آفة خطيرة على المجتمع، وتُلقي بمستقبل الدول للهاوية، خاصة عندما يتقلد أصحاب هذه الشهادات المناصب القيادية العالية، ويتم التزوير ليس فقط في التخصصات الإنسانية والاجتماعية، بل أيضاً في التخصصات العلمية، مثل الطب والهندسة، التي تمس حياة الناس وسلامتهم بشكل مباشر. وقد أشار إلى ذلك سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، من خلال الحملة المكثفة التي يقوم بها على التواصل الاجتماعي، وفي مقالاته، إضافة إلى الندوات التي ينظهما المركز، والتي كان آخرها بهذا الشأن، ندوة بعنوان: «آفة الشهادات المزورة»، والتي كانت بتاريخ 28 أكتوبر 2019.
وبالرغم من أن «آفة الشهادات المزورة» تعتبر مسألة قانونية، ولابد من معاقبة مرتكبيها بأشد العقوبات إما بالسجن لمدة طويلة وغرامة مالية كبيرة وحتى بالتشهير من خلال نظام عقوبات محدد، لكن علينا التساؤل عن دور الأنظمة التعليمية في انتشار هذه الآفة. فهل النظام التعليمي الحالي، والذي يختبر فقط قدرة الطالب على الحفظ، سَطَّحَ قيمة التعليم باعتباره مجرد الحصول على شهادة للتوظيف والترقية، مما أدى إلى انتشار «آفة» التزوير؟
هذه التساؤلات جاوب عليها الاقتصادي الأردني، طلال أبو غزالة، ضمن مقابلته، يوم 1 نوفمبر 2019، في برنامج «حديث العرب» على «سكاي نيوز عربية»، الذي يقدمه الدكتور سليمان الهتلان. أبو غزالة وضّح أن النظام التعليمي في الدول العربية لم يلحق بثورة المعرفة التي يحركها الذكاء الاصطناعي، فالمعرفة في هذا العصر ليست مجرد معلومة ممكن الحصول عليها، بل هي كيف تصنع من التقنية اختراعاً ومعرفة ومن هذه الأخيرة، تصنع الثروة.
ثورة المعرفة لحقت بكل القطاعات تقريباً في الطب، صناعة الطائرات والسيارات، والاقتصاد، إلا مجال التعليم مازال يدرس في العالم العربي بطريقة الكُتّاب.
فنظام التعليم الحالي في الدول العربية من منظور أبوغزالة، لم يختلف عن نظام الكُتّاب في الماضي. الاختلاف الوحيد أنهم كانوا في الماضي يجلسون على الأرض، أما الآن يجلسون على الكراسي، لأن منهج التحفيظ ما زاال مستمراً، وبالتالي أغلب المعلومات تُنْسَى بمجرد انتهاء السنة الدراسية. لذلك لابد من يتغير نظام التعليم من مفهوم «التعليم» إلى «التعلُّم»، أي كيف نجعل الطالب يعلم نفسه.
فمثلا Harrow School في بريطانيا، ليس بها صفوف؛ الطلبة يجلسون في بناية ويعلمون بعضهم بعضاً، فقد تَوَضَّحَ أن الطالب يستطيع أن يعطي معلومات أكثر من الأستاذ، الذي يتقيد بالمنهج. فالمطلوب ليس الاستغناء عن الأساتذة والمدارس، بل تغيير طريقة التفاعل بدل أن يكون التفاعل مع الأستاذ فقط، يكون هناك عدة تفاعلات من عدة جهات، وبذلك يكون التعلُّم وسيلة إلى الابتكار والاختراع.
وقد أشاد أبوغزالة بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ويحدوه الأمل أن تكون هناك مدارس ابتدائية للذكاء الاصطناعي، فكما جاء في الدراسات، أن أسرع مراحل نمو للعقل هي قبل سن الثامنة، وبالتالي دراسة الإبداع في مرحلة الطفولة يؤدي إلى الابتكار والاختراع في مرحلة البلوغ. وأضاف ضيف الحلقة، أن جامعة محمد بن زايد تشجع على تخريج المخترعين في الذكاء الاصطناعي وليس متعلمين فقط. فالذكاء الاصطناعي ليس تخصصاً بل علم تطبيقي يستخدم في الطب والهندسة والأدب والإعلام وغيرها من المجالات، وبالتالي لايمكن أن تكون هذه الجامعة فقط لتخريج طلبة بشهادات بل باختراعات. ومن هنا يتضح إنْ لم تتغير منظومة التعليم في العالم العربي إلى علم المعرفة الابتكاري، سنجد أنفسنا في «عصر حجري» إحدى مخلفاته، «آفة الشهادات المزورة».
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي