سنوات طويلة من الجفاء والانقسام، بدأت منذ عام 2006، بين السلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، سادت القطيعة خلالها علاقة الطرفين، ما أضر بالشعب الفلسطيني بشكل خطير ومؤلم داخلياً، وأضعف الموقف السياسي الفلسطيني عربياً ودولياً. خلال هذه السنوات تعرضت غزة لحرب شرسة شنتها إسرائيل مرات عدة، رداً على بعض الهجمات الصاروخية من حركة «حماس» تجاه المستوطنات، هي هجمات لم تسفر عن قتلى أو دمار لدى الجانب الإسرائيلي، لكن تل أبيب اتخذتها ذريعة للرد بهجمات صاروخية وقصف جوي عنيف ضد القطاع.
ما طرأ من تجليات على الساحة الفلسطينية هو تململ الشارع الفلسطيني، وبالذات في قطاع غزة، مما يعانيه من ضغوط في المعيشة والخدمات والبطالة وشح الإمكانات.. إضافة إلى ضغوط خارجية، وإيحاءات الحراك اللبناني والعراقي.. ما دفع «حماس» للموافقة على طرح الرئيس محمود عباس، وكانت ترفضه في السابق، لكن ها هي الآن توافق على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غزة والضفة الغربية والقدس. وحسب ما صرح به هنية في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس اللجنة المركزية للانتخابات حنا ناصر، فإن «الانتخابات فرصة لتحقيق المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني..».
وقد تعمد إسرائيل إلى عرقلة العملية الانتخابات، خاصة في القدس، ذلك ما يؤسس لمفصل سياسي خطير جداً، وهو التسليم بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية التي طالما تمسك بها العرب والمسلمون كعاصمة لفلسطين.
المصالحة الفلسطينية سوف يحققها حراك الشعب الفلسطيني عاجلاً أم آجلاً، وستكون الفرصة سانحة بعد هذه السنوات الطويلة من المكابدة والصراع مع إسرائيل، للتفكير في وسائل متقدمة ومؤثرة، سياسياً ودبلوماسياً، لخدمة القضية الفلسطينية.
هل فاقت «حماس» سياسياً من تعنتها بعدما صدمتها أحداث جسيمة، على رأسها قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بـ«القدس» عاصمة لإسرائيل، إضافة إلى ما يعبث به نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي بغرض بناء مستوطنات جديدة.
مقاربةً للمناخ السياسي المتقلب في العراق ولبنان، يدغدغ مشاعر الفلسطينيين، لما يعانونه معيشياً وسياسياً، أن يخلقوا لذواتهم «حراكاً شعبياً فلسطينياً» يهيئ لتلاحم وطني فلسطيني للضغط على بارونات الانشقاق الفلسطيني، ولإخراج حركة «حماس» من دورها المفضل في خدمة بعض الأجندات الإقليمية. وفي هذا الخصوص، يتحدث يحيى السنوار قائد حركة «حماس» في غزة، في سياق استعراضه قوة الحركة وكتائبها، عن تلك الأجندة معتبراً أن لها «الفضل الأكبر في بناء قوة حماس وتعزيزها..».
وفي السياق ذاته، ندعو حركة «حماس» إلى أن لا تكون دثاراً لتغطية الدماء المسفوكة في عدد من البلدان العربية، لاسيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين ذاتها. وإذا كانت القدس مدينة السلام المقدسة، فإنه يجب النأي بها عن أي أجندة إقليمية إرهابية تسيء لفلسطين وللشعب الفلسطيني والعالم العربي ككل.
*سفير سابق