إلى جانب المتعصبين المعتقدين بصورة قطعية في صواب فكرة المركزية الأوروبية، هناك مقولات ناصعة في الغرب تؤكد قاعدة «الإرث البشري المشترك» في المعرفة، فها هو «توماس جولدشتاين» يتحدث عما يسميها «شجرة المعرفة»، التي نحيا تحت ظلالها الوارفة في الوقت الراهن، بفضل مساهمة مختلف الحضارات الإنسانية والعقول البشرية.
لكن هذا التصور المنصف في بنيته العامة ومقصده الرئيسي، ينطبق أكثر على «العلوم الطبيعية»، مع الأخذ في الاعتبار أنه ليس بوسع أحد أن يدعي حسماً في هذا النوع من العلوم أيضاً، أو ادعاء صارماً بالكمال والاكتمال. وهنا يقول أينشتين في حديثه عن المحاولات التي تبحث عن كشف أسرار الطبيعة: «لا تزال القصة الغامضة الكبرى دون حل، بل إنه لا يمكن الجزم بوجود حل نهائي لها... لقد فسرت النظريات المبنية على التجربة كثيراً من الحقائق، ولكن لم يكتشف إلى الآن حل عام، يتفق مع جميع الأدلة المعروفة، وفي كثير من الأحيان بعد الاستزادة من القراءة يتضح فشل نظرية، كان يظن أنها كاملة كافية، وذلك لظهور حقائق جديدة تناقض النظرية أو يتعذر تفسيرها بها».
أما العلوم الإنسانية فلئن استفادت من أي عطاء انصب على طرق التحليل والتناول والتصنيف والتبويب، ومحاولة الوصول إلى نتائج دقيقة، والتحقق من صدق المعلومات، لكنها احتفظت في كل مكان بالسمات الحضارية العامة، التي أثرت على مضمونها وشكلها معاً. فطالما أننا في هذا الصنف من العلوم «ندرس السلوك الإنساني، فمن الضروري أن تكون الحالات الجزئية التي يبدأ منها التعميم هي أفراد الناس. ومهما كانت العينة التي نبدأ منها، متماثلة أو متشابهة في كثير من الخصائص العامة أو الكيفيات، فإن كل واحدة منها تختلف عن غيرها اختلافاً جلياً. ويستحيل أن يكون هناك تماثل كامل بين فرد وفرد آخر ينتميان إلى مجموعة معينة في سلوكهما، مهما كان التشابه بينهما، ومهما تعددت الصفات المشتركة بينهما.
وقياساً على هذا، يوجد في الغرب علماء لا يؤمنون بأن هناك منهجاً علمياً أو إطاراً معرفياً يصلح لكل الناس في وقت واحد وأمكنة مختلفة وثقافات متباينة، فها هو عالم وفيلسوف بقامة «توماس كون» يؤكد أن رؤية الإنسان للعالم من حوله نتاج ثقافي اجتماعي موروث، ويؤمن بأنه لا يوجد «نموذج إرشادي» صالح لدراسة الظواهر الإنسانية في كل المجتمعات. ويبني كون هنا على ما خلفته قريحة عالم اللغويات إدوار سابير الذي انتهى إلى أن أنساق اللغة المضمرة في الأذهان هي التي تحدد رؤيتنا للعالم، وأننا نحلل الطبيعة وفق خطوط حددتها لنا لغاتنا الوطنية. وبالطبع فإن اللغة هنا لا تعني الكلام فقط، بل هي الإيماءات والإشارات والرموز والتفكير الصامت أو التمعن، وهذا يتأسس على الموروثات الثقافية والظروف الاجتماعية المعقدة.
وفي كتابهما «العلم في منظوره الجديد»، يرى «روبرت م. أغروس» و«جورج ن. سانسيو» أن لكل حضارة تصوراً كونياً للعالم، أي نظرة يفهم وفقاً لها كل شيء ويُقيّم. والتصور السائد في حضارة ما هو الذي يحدد معالمها، ويشكل اللحمة بين عناصر معارفها، ويملي منهجيتها، ويوجه تربيتها. وهذا التصور يشكل إطار الاستزادة من المعرفة والمقياس الذي تقاس به. وتصورنا للعالم هو من الأهمية بحيث لا ندرك أن لدينا تصوراً ما إلا حين نواجه تصوراً بديلاً، إما بسفرنا إلى حضارة أخرى، وإما بإطلاعنا على أخبار العصور الغابرة، وإما حين يكون تصور حضارتنا للعالم في طور التحول.
والخلفية الحضارية أو الثقافية الاجتماعية ليست هينة في تحديد الإطار العام للتفكير، وكما يقول «كارل بوبر» فإن المناقشة العقلانية والمثمرة مستحيلة، ما لم يتقاسم المساهمون فيها إطاراً مشتركاً من الافتراضات الأساسية، أو على الأقل، ما لم يتفقوا على مثل هذا الإطار، لكي تسير المناقشة... وهذا الإطار ينبني على المبادئ الرئيسية، وليس مجرد بعض التوجهات التي قد تكون بالفعل شروطاً أوليةً للمناقشة، من قبيل الرغبة في الوصول إلى الصدق، أو الاقتراب منه، أو الاستعداد للتشارك في المشاكل، أو تفهم أهداف ومشاكل آخرين سوانا.
فاختلاف السياقات والثقافات والخلفيات يفرض أمرين حيال العلم، الأول هو: القضاء على هذه الاختلافات تماماً، أو تسويتها مؤقتاً أو تنحيتها جانباً، ثم الاتفاق على مجموعة من المعايير والتصورات الموحدة، لتساعدنا في حل الإشكاليات والإجابة الكافية الشافية على التساؤلات. أما الثاني فهو: تعدد الأطر المعرفية حسب تنوع بُنى المجتمعات البشرية، واختلاف المشكلات التي تواجهها.
وبالطبع فإن تحقق الاحتمال الأول هو من ضروب المستحيل، إذ لا يمكن أبداً تنميط العالم برمته، أو جعله وحدة واحدة في طرائق العيش والتفكير وطبيعة المشكلات الحياتية وتذوق الفنون والآداب واختيار الأزياء... إلخ. أما الخيار الثاني فيحمل في باطنه قدراً كافياً من المنطقية تجعله قابلاً للتحقق، شرط البحث عن منهج علمي يلائم واقعنا.
لكن هذا التصور المنصف في بنيته العامة ومقصده الرئيسي، ينطبق أكثر على «العلوم الطبيعية»، مع الأخذ في الاعتبار أنه ليس بوسع أحد أن يدعي حسماً في هذا النوع من العلوم أيضاً، أو ادعاء صارماً بالكمال والاكتمال. وهنا يقول أينشتين في حديثه عن المحاولات التي تبحث عن كشف أسرار الطبيعة: «لا تزال القصة الغامضة الكبرى دون حل، بل إنه لا يمكن الجزم بوجود حل نهائي لها... لقد فسرت النظريات المبنية على التجربة كثيراً من الحقائق، ولكن لم يكتشف إلى الآن حل عام، يتفق مع جميع الأدلة المعروفة، وفي كثير من الأحيان بعد الاستزادة من القراءة يتضح فشل نظرية، كان يظن أنها كاملة كافية، وذلك لظهور حقائق جديدة تناقض النظرية أو يتعذر تفسيرها بها».
أما العلوم الإنسانية فلئن استفادت من أي عطاء انصب على طرق التحليل والتناول والتصنيف والتبويب، ومحاولة الوصول إلى نتائج دقيقة، والتحقق من صدق المعلومات، لكنها احتفظت في كل مكان بالسمات الحضارية العامة، التي أثرت على مضمونها وشكلها معاً. فطالما أننا في هذا الصنف من العلوم «ندرس السلوك الإنساني، فمن الضروري أن تكون الحالات الجزئية التي يبدأ منها التعميم هي أفراد الناس. ومهما كانت العينة التي نبدأ منها، متماثلة أو متشابهة في كثير من الخصائص العامة أو الكيفيات، فإن كل واحدة منها تختلف عن غيرها اختلافاً جلياً. ويستحيل أن يكون هناك تماثل كامل بين فرد وفرد آخر ينتميان إلى مجموعة معينة في سلوكهما، مهما كان التشابه بينهما، ومهما تعددت الصفات المشتركة بينهما.
وقياساً على هذا، يوجد في الغرب علماء لا يؤمنون بأن هناك منهجاً علمياً أو إطاراً معرفياً يصلح لكل الناس في وقت واحد وأمكنة مختلفة وثقافات متباينة، فها هو عالم وفيلسوف بقامة «توماس كون» يؤكد أن رؤية الإنسان للعالم من حوله نتاج ثقافي اجتماعي موروث، ويؤمن بأنه لا يوجد «نموذج إرشادي» صالح لدراسة الظواهر الإنسانية في كل المجتمعات. ويبني كون هنا على ما خلفته قريحة عالم اللغويات إدوار سابير الذي انتهى إلى أن أنساق اللغة المضمرة في الأذهان هي التي تحدد رؤيتنا للعالم، وأننا نحلل الطبيعة وفق خطوط حددتها لنا لغاتنا الوطنية. وبالطبع فإن اللغة هنا لا تعني الكلام فقط، بل هي الإيماءات والإشارات والرموز والتفكير الصامت أو التمعن، وهذا يتأسس على الموروثات الثقافية والظروف الاجتماعية المعقدة.
وفي كتابهما «العلم في منظوره الجديد»، يرى «روبرت م. أغروس» و«جورج ن. سانسيو» أن لكل حضارة تصوراً كونياً للعالم، أي نظرة يفهم وفقاً لها كل شيء ويُقيّم. والتصور السائد في حضارة ما هو الذي يحدد معالمها، ويشكل اللحمة بين عناصر معارفها، ويملي منهجيتها، ويوجه تربيتها. وهذا التصور يشكل إطار الاستزادة من المعرفة والمقياس الذي تقاس به. وتصورنا للعالم هو من الأهمية بحيث لا ندرك أن لدينا تصوراً ما إلا حين نواجه تصوراً بديلاً، إما بسفرنا إلى حضارة أخرى، وإما بإطلاعنا على أخبار العصور الغابرة، وإما حين يكون تصور حضارتنا للعالم في طور التحول.
والخلفية الحضارية أو الثقافية الاجتماعية ليست هينة في تحديد الإطار العام للتفكير، وكما يقول «كارل بوبر» فإن المناقشة العقلانية والمثمرة مستحيلة، ما لم يتقاسم المساهمون فيها إطاراً مشتركاً من الافتراضات الأساسية، أو على الأقل، ما لم يتفقوا على مثل هذا الإطار، لكي تسير المناقشة... وهذا الإطار ينبني على المبادئ الرئيسية، وليس مجرد بعض التوجهات التي قد تكون بالفعل شروطاً أوليةً للمناقشة، من قبيل الرغبة في الوصول إلى الصدق، أو الاقتراب منه، أو الاستعداد للتشارك في المشاكل، أو تفهم أهداف ومشاكل آخرين سوانا.
فاختلاف السياقات والثقافات والخلفيات يفرض أمرين حيال العلم، الأول هو: القضاء على هذه الاختلافات تماماً، أو تسويتها مؤقتاً أو تنحيتها جانباً، ثم الاتفاق على مجموعة من المعايير والتصورات الموحدة، لتساعدنا في حل الإشكاليات والإجابة الكافية الشافية على التساؤلات. أما الثاني فهو: تعدد الأطر المعرفية حسب تنوع بُنى المجتمعات البشرية، واختلاف المشكلات التي تواجهها.
وبالطبع فإن تحقق الاحتمال الأول هو من ضروب المستحيل، إذ لا يمكن أبداً تنميط العالم برمته، أو جعله وحدة واحدة في طرائق العيش والتفكير وطبيعة المشكلات الحياتية وتذوق الفنون والآداب واختيار الأزياء... إلخ. أما الخيار الثاني فيحمل في باطنه قدراً كافياً من المنطقية تجعله قابلاً للتحقق، شرط البحث عن منهج علمي يلائم واقعنا.