"حزب الله": رسالة نصر الله... إلى الجميع "
في بيروت التي دمرها شارون وحماها الأسد، اجتمعنا اليوم... لتوجيه الشكر لسوريا حافظ وبشار الأسد، لسوريا الشعب والجيش العربي المقاوم الذي كان معنا ومازال في كل سنوات الدفاع والمقاومة..."، بتلك العبارات البليغة حدد أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله جانبا من رسالة التجمع الحاشد الذي نظمه في ساحة رياض الصلح ببيروت، الثلاثاء الماضي، مؤيدو سوريا ورافضو "التدخل الأجنبي"، وفي مقدمتهم "حزب الله" نفسه.
ولئن أدى تجمع الثلاثاء إلى إرباك المشهد السياسي اللبناني مجددا ومعادلاته الهشة إثر حادثة اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري أواسط الشهر الماضي، فذلك لأن قوة سياسية وتنظيمية كبرى مثل "حزب الله"، دخلت علنا، بشكل صريح وحاسم، لكن غير مفاجئ، على خط التجاذبات السياسية بين مؤيدي السلطة ومعارضيها المناوئين للوجود السوري في لبنان. فقد ظل الجميع طوال ثلاثة أسابيع ينتظرون موقف "حزب الله" من تداعيات المشهد اللبناني؛ خاصة بعد أن ذهب الشيخ حسن نصر الله إلى منزل الحريري في اليوم الثالث لاغتياله لتقديم العزاء لعائلته، مطالباً المعارضة فيما بعد بعدم المتاجرة بدم الرجل الذي كان يعتبره صديقاً، مؤكداً مطالبته كما المعارضة، بكشف حقيقة اغتيال الرئيس الحريري.
بيد أن الخطوة الأخيرة لتنظيم "حزب الله" في "الانتقال" إلى خندق دمشق، في وقت تتكثف ضدها تهديدات وتلوح مخاطر متعاظمة في الأفق، جعلت خطه في تصادم مع توجه معتبر داخل المجتمع اللبناني حول مسألة الوجود السوري في البلاد، بينما يحتاج هو في هذا الظرف إلى رأي عام داخلي منسجم ومضاد لجهود التنسيق الأميركي- الفرنسي الهادفة إلى قلب الترتيبات وتوازنات القوة التي أعطت بموجبها دمشق نفوذا واسعا لنفسها ومساحات تحرك وتأثير واسعين أيضا لـ"حزب الله" ! فهل سيتمكن نصر الله من العبور بـ"حزب الله" من مرحلة الخطر؟ وماذا في ماضي الحزب وسيرة أمينه العام، يشير إلى طريقة تعاطيهما المحتملة مع الأزمة الحالية؟
يعد حزب الله ظاهرة فريدة في تاريخ العالم العربي، فقد نجح لسنوات في أن يكون عنوانا للمقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، ولم يدخل كطرف في النزاعات اللبنانية الداخلية، وشكل امتداداً لـ"حركة المحرومين" التي أسسها رجل الدين الكاريزمي موسى الصدر في سبعينيات القرن الماضي، مع العلم بأن تلك الحركة وأتباع الصدر شكلوا ما يسمى بحركة "أمل".
وبالرغم من أن "حزب الله" يمثل الأغلبية الشيعية إلا أنه انتهج خطابا غير طائفي مثل سمة رئيسية له فيما بعد على الساحة اللبنانية. ويعد "حزب الله" الذي أعلن تأسيسه رسميا عام 1985، أهم إطار نظم فيه شيعة لبنان أنفسهم للمطالبة بالمكانة التي يستحقونها في الدولة اللبنانية، كما أنه هو الذي أنهى سيطرة الزعماء الإقطاعيين للطائفة على شؤونها، فأنشأ نسيجا واسعا من المؤسسات الخدمية والاجتماعية والخيرية في مناطق ذات كثافة شيعية؛ مثل ضاحية بيروت الجنوبية ووادي البقاع والجنوب اللبناني، واهتم بأسر الشهداء والجرحى والأسرى، وأصبح مصدر عيش لمئات الآلاف من الأسر التي يعمل بعض أفرادها في مؤسساته الخدمية أو الإدارية، أو في أجهزته العسكرية والأمنية. ويعد أحد مصادر قوة "حزب الله" بناؤه التنظيمي وطرق إدارته وقيادته، فقراراته تخضع للشرعية الحزبية ويتم اتخاذها بأغلبية الأصوات، أما قيادته فتتألف من أمانة عامة ومجلس سياسي ومجلس شورى، إضافة إلى مجلس تخطيطي وكتلة نواب وهيئات استشارية متعددة .
وقد تولت قيادة جماعية إدارة الحزب حتى عام 1989 عند ما انتخب أول أمين عام للحزب هو الشيخ صبحي الطفيلي، ثم تولاها بعده في عام 1991 الشيخ عباس موسوي الذي اغتالته إسرائيل عام 1992، فانتخب من بعده حسن نصر الله أمينا عاما من قبل مجلس شورى الحزب، وكان أصغر عضو في المجلس، فهو من مواليد عام 1960 في بلدة البازورية في الجنوب اللبناني، لكنه عاش صباه في أحد أحزمة الفقر حول بيروت، وكان متدينا منذ صغره، فسافر وهو في سن السادسة عشر إلى مدينة النجف ليبدأ مرحلة الدراسة الدينية، ثم إلى مدينة قم الإيرانية، وهناك تعرف على السيد عباس الموسوي، وأصبح شديد الإعجاب بالإمام موسى الصدر، فاكتسب منه الشخصية ذات الحضور الطاغي والتأثير في الخطابة، وانضم إلى حركة "أمل" التي أسسها الصدر واكتسب خبرة تنظيمية ستكون قاعدة لعمله في "حزب الله"، حيث تفرغ منذ تأسيس الحزب وحتى عام 1989 لبناء الكوادر وتعليمها وتعبئتها للجهاد، وأصبح له بصماته الواضحة على نهج الحزب وسياساته منذ توليه الأمانة العامة؛ فهو الذي فعّل سلاح الكاتيوشا في الصراع مع إسرائيل، ووضع نظرية "توازن الرعب" التي دفعت الإسرائيليين إلى توقيع "تفاهم إبريل" الذي يعترف بحق المقاومة في قصف جنود الاحتلال ومواقعهم.
لكن قوة "حزب الله" الذي أصبح في حقيقة الأمر "دولة داخل الدولة"، حيث سمح له "اتفاق الطا