شارك عدد قليل من الشخصيات الشهيرة في حشد المحتجين ضد الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في لندن يوم السبت قبل الماضي. وظهر في المسيرة بعض فنون الاحتجاج مثل اللافتات المعدة بمهارة، وأعلام الاتحاد الأوروبي، والكلاب المكسوة بسترات بألوان الاتحاد الأوروبي. وطالب المحتجون بإجراء استفتاء آخر على الخروج البريطاني. وهو ما كان غير متصور ذات يوم، لكنه يكتسب زخماً الآن. كما وجه البرلمان ضربة كبيرة لمسعى رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» لتطبيق خطة تغادر بها بريطانيا الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية هذا الشهر.
لكن الضربة لا توقف «بريكست»، لكنها تضخ جرعة جديدة من عدم اليقين بشأن المضي قدماً. وبالنسبة لمؤيدي إعادة إجراء الاستفتاء، فإن هذا يعطيهم بصيص أمل جديد، رغم أن إجراء الدعاية من جديد لبريكست يمثل احتمالاً غير مرجح فيما يبدو. وذكر منظمون أن مئات الآلاف، أو نحو مليون شخص، شاركوا في المسيرة الاحتجاجية في شوارع لندن، في الوقت الذي اجتمع فيه المشرعون لإجراء تصويت محوري بشأن بريكست. ودعا حشد «تصويت الشعب» إلى إجراء تصويت جديد على بريكست، بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام على النتيجة الأولى المذهلة التي قضت بترك أسرة الاتحاد الأوروبي.
ولوح المشاركون في الاحتجاج بأعلام الاتحاد الأوروبي، ورفعوا لافتات كتب عليها «بريكست عمل بائس» و«أوقفوا بريكست وتناولوا الشاي». ووضع كثيرون ملصقات صفراء مناهضة لبريكست على ستراتهم، وكان من بينهم هؤلاء «جون لي كاريه» مؤلف أفضل روايات التجسس مبيعاً. وظهرت كلاب صغيرة وعليها سترات بألوان علم الاتحاد الأوروبي. وأشار باتريك ستيوارت، نجم في سلسلة أفلام «ستار تريك»، إلى العدد الكبير من الناس في هذا الحشد، مقارنة بنحو 1000 شخص ألقى فيهم كلمة في احتجاج مشابه في بداية عام 2018. وأعلن ستيوارت: «أقول لكم جميعاً اليوم إن هناك أكثر من ألف شخص منا الآن، أليس كذلك؟ إننا لا نملأ مقصفاً فحسب، بل نملأ مدينة بكاملها!» وقال صادق خان رئيس بلدية لندن للحشد: «انظروا حولكم، هذا ما تعنيه الديمقراطية».
ورفض جونسون إجراء استفتاء ثانٍ بحال من الأحوال، متمسكاً بشعار «النصر أو الشهادة» دون ترك الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر. ونُشر مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي لسياسيين محافظين بارزين من حلفاء جونسون وهم يسخرون من الاحتجاجات أثناء مغادرتهم البرلمان. وكتبت أندريا ليدسوم الوزيرة بالحكومة البريطانية، تغريدة على تويتر تقول: «لماذا يعتقد ما يطلق عليهم محتجي تصويت الشعب أنه من المقبول إساءة معاملة شخص لا يتفق معهم وتخويفه والصراخ في وجهه؟ أنا خائفة للغاية وممتنة للغاية للشرطة».
لكن السيد نيكولاس كوك البالغ من العمر 61 عاماً يرى أن صفقة جونسون سيئة. واسترسل قائلاً وهو يقف إلى جوار بيج بن: «ما الهدف من بريكست؟ ما الفائدة الملموسة؟ لم يقدم لنا أحد أي فكرة أو أي نقطة حقيقية عن سبب أن هذه فكرة جيدة، بخلاف الحصول على السيطرة، مهما يكن ما يعنيه هذا». وفي يونيو 2016 صوت 52% من البريطانيين لتأييد الخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما رفض الخروج 48%. وبعد ثلاثة أعوام، تشير استطلاعات الرأي إلى أن البريطانيين قد يصوتون بفارق صغير مشابه لصالح البقاء في التكتل الذي يضم 28 دولة. ويرى قائمون باستطلاعات الرأي أن الأمر لا يتعلق بأن الأشخاص غيروا رأيهم، بل لأن بعض الناخبين الأكبر سناً قد فارقوا الحياة، وبينما دخل حلبة التصويت ناخبون صغار السن يؤيدون الاتحاد الأوروبي بشدة.
وترى «كلير أونيل» البالغة من العمر 22 عاماً، التي تعمل في مجال التعليم: «إذا كان السياسيون قد صوتوا عليه ثلاث مرات ولم يستطيعوا اتخاذ قرار، فيجب أن يعود الأمر ثانية إلى الشعب». وأكدت «بريندا بيكيت» البالغة من العمر 56 عاماً، وهي مديرة مدرسة، أنها تشارك في الاحتجاجات من أجل مصلحتها ومصلحة أولادها. وأوضحت قائلة: «لدينا طفلان يتحدثان الإسبانية بطلاقة، ويريدان أن يعملا بحرية في إسبانيا إذا استطاعا ذلك. لكن ما إن نخرج من الاتحاد الأوروبي، فسيواجهان صعوبات كبيرة. إنه حق حصلنا عليه حين كنا في العشرينيات والثلاثينيات، وأشعر أنهم يجب أن يتمتعوا به أيضاً». وأعلن «جونسون» أن الطريقة لمعالجة الصدع في بريطانيا يتمثل في تحقيق بريكست وترك الاتحاد الأوروبي بحلول نهاية هذا الشهر. وتوقع «كيفين كيبل»، وهو يشتغل في الأعمال الخيرية، ويبلغ من العمر 65 عاماً، أنه حتى إذا قاد «جونسون» بريطانيا إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، فسيكون الأمر مؤقتاً فحسب. ومضى يقول، بينما كان واقفاً بالقرب من محطة قطار الإنفاق في «ويستمنستر»: «إذا أُخرجنا، سنعود مرة ثانية. هناك مكان واحد فقط لنا. إننا جزيرة صغيرة ونحن جزء من أوروبا، سواء راقنا هذا أم لم يرقنا».
كارلا آدم*
*مراسلة «واشنطن بوست» في لندن.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»