يوجد حالياً حوالي 2.2 مليار شخص حول العالم يعانون من ضعف البصر أو من العمى التام، منهم مليار شخص كان من الممكن تجنب إصابتهم بالإعاقة البصرية، لكنهم لم يتلقوا الرعاية اللازمة. وهو ما يعني أن العالم برمته يواجه تحديات جسام على صعيد الرعاية البصرية، تتجسد في مدى عدم المساواة في المتاح من الخدمات الصحية المعنية بالوقاية، وبالعلاج، وبإعادة التأهيل.. بالإضافة إلى النقص المزمن في أفراد الطاقم الطبي المدربين على تقديم الرعاية البصرية، وضعف اندماج هذه الرعاية ضمن منظومة الرعاية الصحية الوطنية.
هذه كانت هي خلاصة التقرير العالمي الأول حول ضعف وفقدان البصر (World Vision Report)، والذي صدر نهاية الأسبوع الماضي، أي قبل يومين فقط من اليوم العالمي للبصر (World Sight Day)، والذي يحل كل عام في العاشر من شهر أكتوبر. وجاء هذا التقرير نتيجة مطالبات من قبل الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، أثناء الاجتماع السبعين لجمعية الصحة الدولية بمدينة جنيف السويسرية في مايو 2017.
ويهدف التقرير إلى تحديد وتأطير التحديات، وشحذ وتحفيز الجهود، وتوفير الأدلة القاطعة على مدى انتشار الأمراض والاضطرابات البصرية، وما تتسبب فيه من إعاقات على مستوى العالم، لجذب الانتباه لهذه القضية الصحية فائقة الأهمية، ولتفعيل الاستراتيجيات، والخروج بالتوصيات الكفيلة بمواجهة جذور المشكلة، ورفع مستوى وكفاءة الرعاية البصرية حول العالم. وربما كان من أهم الأطروحات التي تضمنها التقرير العالمي الأول عن ضعف وفقدان البصر حول العالم، هو ضرورة أن ترتكز وتدور خدمات الرعاية الطبية البصرية حول المصابين، مما يضمن استمرارية هذه الرعاية، بناءً على الاحتياجات الشخصية والفردية لكل مريض على حدة، وخلال المراحل المختلفة من رحلة حياته.
ومن المنظور الطبي، وحسب التصنيف الدولي للأمراض، يتم تقسيم القدرات أو الوظائف البصرية إلى أربعة مستويات: 1- القدرة البصرية الطبيعية. 2- الإعاقة البصرية المتوسطة. 3- الإعاقة البصرية الشديدة. 4- فقدان البصر أو العمى التام. وفي الاستخدام اللغوي الشائع يجمع مصطلح ضعف البصر كلا من الإعاقة البصرية المتوسطة والشديدة معاً، بينما تشمل الإعاقة البصرية ضعف البصر وفقدانه معاً، أي جميع الحالات التي لا تعتبر فيها القدرة البصرية طبيعية. والمؤسف أن 80 في المئة من حالات قصور البصر، بأنواعه ودرجاته المختلفة، هي نتيجة أسباب كان من الممكن تجنبها والوقاية منها، أو علاجها والشفاء منها. ففي الوقت الذي نجح فيه الطب الحديث خلال العقدين الماضيين في خفض أعداد من يصابون بقصور البصر بسبب الأمراض المعدية، يظل مرض «التراكوما» أحد أهم مشكلات الصحة العامة في 42 دولة من دول العالم، حيث يعتبر هذا المرض المعدي مسؤولا وحده عن إصابة 1.9 مليون شخص بضعف البصر أو فقدانه التام. ومع تراجع حالات الإعاقة البصرية بسبب الأمراض المعدية خلال العقدين الماضيين، أصبحت عيوب الانكسار بجميع أنواعها، وغير المصححة بنظارات طبية أو عدسات لاصقة، مثل قصر النظر وطول النظر والاستجماتيزم، تشكل 43 في المئة من جميع أسباب الإعاقة البصرية، أو بالأحرى السبب الرئيسي خلف الإعاقة البصرية. أما السبب الثاني للإعاقة البصرية، فهو «الكاتاراكت»، أو قتامة عدسة العين، والتي تتسبب في 33 في المئة من حالات الإعاقة البصرية، خصوصاً في الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل.
ولا يتوزع العبء المرضي لضعف وفقدان البصر بشكل متساو على الفئات العمرية المختلفة داخل المجتمع، حيث نجد أن 65 في المئة من المصابين بضعف وفقدان البصر هم من الفئة العمرية التي تخطت سن الخمسين عاماً، على الرغم من أن هذه الفئة العمرية لا تشكل حالياً إلا 20 في المئة من مجمل سكان العالم. وفي ظل تزايد أعداد هذه الفئة العمرية، ضمن ما يعرف بظاهرة شيخوخة المجتمعات البشرية، أو ظاهرة زيادة مؤمل الحياة عند الولادة لأفراد الجنس البشري، يتوقع أن تزداد أيضاً نسبة الإعاقات البصرية المرتبطة بالتقدم في العمر. وإن كان هذا لا يعني أن الفئات العمرية الأصغر سناً، بمن فيها الأطفال دون سن الخامسة عشرة، بمنأى عن ضعف البصر والعمى التام، حيث تقدر الإحصائيات إصابة 19 مليون طفل بشكل أو آخر من أشكال الإعاقة البصرية. ومن بين هؤلاء يوجد 12 مليون طفل مصاب بالإعاقة البصرية نتيجة أحد عيوب الانكسار التي يمكن تصحيحها بسهولة ويسر من خلال النظارات الطبية، بينما يبقى 1.4 مليون طفل مصابين بالعمى التام مدى حياتهم.
*كاتب متخصص في الشؤون الصحية والعلمية