هناك بعض التهم العامة التي تُلقى أحياناً ضد بعض الكتّاب والمفكرين والإعلاميين، مثل تهمة «خدش الحياء»، دون معرفة ماذا يعني هذا التعبير، شأنه شأن تهمة «ازدراء الأديان».. كما كان كل وصف لتطور الأديان وبيان اكتمالها في آخر مرحلة من مراحل الوحي، يعدُّ ازدراءً للأديان التي يعتبرون أنها نزلت مرة واحدة من السماء دون اعتبار لتطور الزمان وتقدم الوعي التاريخي.
إن تلك التهم هي في حقيقتها تهم سياسية مقنّعة، لكنها في الوقت ذاته تُهم عامة غير محددة. والحقيقة أنها أيضاً تهمٌ لا يرضاها الشعب الذي تقوم ثقافته على احترام الأديان والمحافظة على الحياء، خاصة في سلوك الرجل حيال المرأة.
لا يوجد حياء عام، فالحياء هو كل ما يتعلق بحسن سلوك المرأة والرجل أو بعلاقة الرجال مع بعضهم البعض أو النساء مع بعضهن البعض، بدليل التعبير الشعبي «قليل الحياء»، أي سيئ الأدب أو عديم الحياء. لكن معايير الحياء ومقاييسه ذات طبيعة اجتماعية متغيرة، إذ تتبدل بحسب أوضاع المجتمعات وأوضاعها التاريخية. فما يعتبره المجتمع الإسلامي حياءً، مثل ستر جسد المرأة، لا يعتبره المجتمع الغربي كذلك. وما يعتبره مجتمعٌ ما «صداقة حرة»، يعتبره مجتمعٌ آخر «علاقة محرمة». وما يعتبره مجتمع ضرورة لبس الحجاب أو النقاب، يعتبر مجتمع آخر مساً بكرامة المرأة!
وربما ركّز بعض الساسة في خطبهم السياسية على أخلاق «العيب» التي تخدش الحياء، وأخلاق القرية، وضرورة احترام الكبير، ليصبح نقد الأجيال الجديدة للأجيال القديمة نوعاً من خدش «الحياء الاجتماعي».
وفي الماضي القريب كان تعليم المرأة أو اختلاطها بالرجال في المدرجات الجامعية أو في العمل، يعد خدشاً للحياء، بل كانوا يعدون صوت المرأة عورة، فإذا تكلمت خدشت حياءها. وكذلك رؤية المرأة كانت تمثل خدشاً لحيائها، كما صوّر ذلك نجيب محفوظ في ثلاثيته، عندما جاء الخطيب العربيُّ إلى الأب التركي يخطب ابنته، فسأل «سي السيد»: أين رأيتها؟ وهنا سر المشربيات في الفن العربي، بغرض أن ترى المرأة من خلال نقوشها الخشبية بحيث لا تُرى.
وكثيراً ما مثّل الخوف من «خدش الحياء» نوعاً من التمسك بالماضي ورفض الحاضر، أي فكرة ضرورة اتباع التقاليد وليس التغيير والتجديد. لذا كان خلع المرأة غطاء الرأس رمزاً لثورة 1919 في مصر.
والسؤال الآن هو: هل النقد خدش للحياء؟ وهو نفس السؤال القديم: هل نقد الروايات الشفاهية أو المكتوبة، وإخضاعها لمناهج النقد التاريخي، يمثل ازدراءً للأديان؟
لذلك يتخوف البعض من أن تصبح تهمة «خدش الحياء» غطاءً شرعياً لمنع حرية الرأي والنقد، والقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نحو آخر!
لكن ماذا عن التفجيرات الإرهابية وأعمال القتل خارج القانون وسفك الدماء يومياً وأعمال الحرابة والسرقة والرشوة والفساد وتهريب السلع والأموال والعملات والبشر، وكثير من الجرائم المالية والاجتماعية والسياسية الأخرى.. أليس كل ذلك خدشاً للحياء؟ أليست الحروب الأهلية، الطائفية والعرقية والقبلية، في العديد من الدول العربية.. خدشاً للشعور بالوحدة العربية؟ ألا يمثل تفتيت ما تبقى من ذكريات الوحدة العربية خدشاً لحياء التاريخ العربي الوحدوي؟
خدش الحياء إذن لا ينحصر في خلع الحجاب عن رأس المرأة، بل هو خدش الحياء الاجتماعي والإنساني قبل كل شيء.
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة
إن تلك التهم هي في حقيقتها تهم سياسية مقنّعة، لكنها في الوقت ذاته تُهم عامة غير محددة. والحقيقة أنها أيضاً تهمٌ لا يرضاها الشعب الذي تقوم ثقافته على احترام الأديان والمحافظة على الحياء، خاصة في سلوك الرجل حيال المرأة.
لا يوجد حياء عام، فالحياء هو كل ما يتعلق بحسن سلوك المرأة والرجل أو بعلاقة الرجال مع بعضهم البعض أو النساء مع بعضهن البعض، بدليل التعبير الشعبي «قليل الحياء»، أي سيئ الأدب أو عديم الحياء. لكن معايير الحياء ومقاييسه ذات طبيعة اجتماعية متغيرة، إذ تتبدل بحسب أوضاع المجتمعات وأوضاعها التاريخية. فما يعتبره المجتمع الإسلامي حياءً، مثل ستر جسد المرأة، لا يعتبره المجتمع الغربي كذلك. وما يعتبره مجتمعٌ ما «صداقة حرة»، يعتبره مجتمعٌ آخر «علاقة محرمة». وما يعتبره مجتمع ضرورة لبس الحجاب أو النقاب، يعتبر مجتمع آخر مساً بكرامة المرأة!
وربما ركّز بعض الساسة في خطبهم السياسية على أخلاق «العيب» التي تخدش الحياء، وأخلاق القرية، وضرورة احترام الكبير، ليصبح نقد الأجيال الجديدة للأجيال القديمة نوعاً من خدش «الحياء الاجتماعي».
وفي الماضي القريب كان تعليم المرأة أو اختلاطها بالرجال في المدرجات الجامعية أو في العمل، يعد خدشاً للحياء، بل كانوا يعدون صوت المرأة عورة، فإذا تكلمت خدشت حياءها. وكذلك رؤية المرأة كانت تمثل خدشاً لحيائها، كما صوّر ذلك نجيب محفوظ في ثلاثيته، عندما جاء الخطيب العربيُّ إلى الأب التركي يخطب ابنته، فسأل «سي السيد»: أين رأيتها؟ وهنا سر المشربيات في الفن العربي، بغرض أن ترى المرأة من خلال نقوشها الخشبية بحيث لا تُرى.
وكثيراً ما مثّل الخوف من «خدش الحياء» نوعاً من التمسك بالماضي ورفض الحاضر، أي فكرة ضرورة اتباع التقاليد وليس التغيير والتجديد. لذا كان خلع المرأة غطاء الرأس رمزاً لثورة 1919 في مصر.
والسؤال الآن هو: هل النقد خدش للحياء؟ وهو نفس السؤال القديم: هل نقد الروايات الشفاهية أو المكتوبة، وإخضاعها لمناهج النقد التاريخي، يمثل ازدراءً للأديان؟
لذلك يتخوف البعض من أن تصبح تهمة «خدش الحياء» غطاءً شرعياً لمنع حرية الرأي والنقد، والقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نحو آخر!
لكن ماذا عن التفجيرات الإرهابية وأعمال القتل خارج القانون وسفك الدماء يومياً وأعمال الحرابة والسرقة والرشوة والفساد وتهريب السلع والأموال والعملات والبشر، وكثير من الجرائم المالية والاجتماعية والسياسية الأخرى.. أليس كل ذلك خدشاً للحياء؟ أليست الحروب الأهلية، الطائفية والعرقية والقبلية، في العديد من الدول العربية.. خدشاً للشعور بالوحدة العربية؟ ألا يمثل تفتيت ما تبقى من ذكريات الوحدة العربية خدشاً لحياء التاريخ العربي الوحدوي؟
خدش الحياء إذن لا ينحصر في خلع الحجاب عن رأس المرأة، بل هو خدش الحياء الاجتماعي والإنساني قبل كل شيء.
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة