إذا أردت أن ألخص أكبر مشكلة تواجه الديمقراطيات الغربية في وقتنا الحالي، وفي جملة واحدة، فلعلها ستكون الجملة التالية: نحن نستمتع بسوء فهمنا للآخرين.
تواجه الديمقراطيات في وقتنا الحالي الكثير من الرياح المعاكسة. فموجات الهجرة الجماعية تثير تساؤلات بشأن قضيتي العرق والثقافة. وتتحول الثقافات إلى أشكال جديدة من المخاطر التي تخلّف بعض الناس ضحايا وراءها. وتشير استطلاعات الرأي الكثيرة، الواحد تلو الآخر، إلى أن شهيتنا لإساءة فهم الآخرين –في بلادنا وفي الخارج– تشوه هذه التحديات وتحولها إلى أشياء تبدو أسوأ بكثير مما هي عليه بالفعل.
وتتمثل المشكلة في أن الإحباط والانحياز يمكن أن يكونا محركين للسياسة بكل سهولة، كما يمكن أن تكون هناك حوافز منحرفة من جانب السياسيين لإذكاء سوء الفهم، وهذا يسمح لهم بالبقاء عند المستوى المتعمق دون الاضطرار فعلياً إلى معرفة (أو محاولة شرح) السياسة الجيدة، كما أنه يمكن أن يدفع الناس بفاعلية إلى مراكز التصويت الانتخابي. وباختصار، يمكن أن يبدو الأمر سهلاً: فالتغيير يصبح مسألة سحب ذراع في صندوق مغطى بالستائر ونأمل أن يفوز مرشحنا وأنه هو (أو هي) سيكون قادراً على التنكيل بالجانب الآخر (أو مجرد السيطرة عليه).
لهذا السبب شعرت بالسعادة عندما قرأت قصة الغلاف للكاتبة «آن سكوت تايسون» في عدد هذا الأسبوع من صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور». إنها تدور حول «مليندا جيتس» ورحلتها لكي تصبح واحدةً من أكثر الشخصيات تأثيراً على هذا الكوكب.
لكن هذا هو الجزء الذي جعلني أرقص. إنه يتعلق بالكيفية التي استطاع بها برنامج في السنغال تغيير العقول، وعلى الخصوص تغيير نظرة المجتمع للنساء بشكل عميق. هذا البرنامج، الذي يطلق عليه «توستان»، تم تفعيله من خلال إرسال فرق صغيرة تجيد اللغة المحلية. وبقيت هذه الفرق مدة تتراوح بين ثلاث سنوات وخمس سنوات وسلكت نهج «تعزيز القيم الإيجابية للمجتمع».
وإليكم ما وجدته الفرق الميدانية الصغيرة، وفقاً لمليندا جيتس:
لنكن صادقين. لا شيء من هذا في الواقع صعب كثيراً ومعقد تماماً. ويمكن لمرشد اجتماعي أن يخبرك بنفس الشيء تقريباً. إنما أساساً يجب عليك أن تستمع باهتمام وتهتم صادقاً بالشخص الآخر. سيستغرق الأمر وقتاً وجهداً بطبيعة الحال. عليك أن تقوم بإبراز الأفضل والتركيز عليه، وأن لا تركز كثيراً على الأسوأ.
لكن ماذا يحدث بعد ذلك؟
الجواب هو، وهو موجود بالفعل، واضح تماماً. لماذا؟ لأن البشر بالفعل مدهشون. نعم، يمكن أن نكون قساة وقبليين، لكن يمكننا أن نكون أيضاً مبتكرين وبدرجة من اللطف والإبداع لا يمكن تصورها. والسؤال هو: من أين نبدأ؟
لقد بدأ برنامج «توستان» من وجهة نظر تصر على أن هناك خيراً كثيراً في مجتمع كان يجبر الأطفال على الزواج ويُخضِع الفتيات لعمليات تشويه الأعضاء التناسلية. وقد وجد المجتمع هذا الخير. وفي ظل هذا البرنامج ومنطلقه الإيجابي، تخلّى نحو ثمانية آلاف شخص من المجتمعات المحلية التي عملت فيها الفرق الميدانية المذكورة عن تلك الممارسات المنافية لمنظومة حقوق الإنسان العالمية المعاصرة. وكان شعار برنامج «توستان»: الكرامة للجميع.
لا توجد مشكلة من المشاكل التي تواجه العالم ليست قابلة للحل. ويتمثل التحدي الحقيقي في العثور على الجهد وحسن النية لجلب الخير الموجود بالفعل وإظهاره إلى السطح.
وجدير بالذكر أن «توستان» هو برنامج مجتمعي مدته ثلاث سنوات يهدف إلى تعزيز أفضل ما تقوم به المجتمعات المحلية. وقد وَسّع هذا البرنامج، الذي بدأ نشاطه في السنغال، أعمالَه لتشمل عدة بلدان أفريقية أخرى.
مارك سابنفيلد*
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»