كانت «سيخاثيل ندلوفو» تمشي متثاقلة في طريقها إلى المنزل عبر شارع مترب في مدينة بولاوايو في زيمبابوي، تحمل على رأسها دلواً من الماء سعة 20 لترا (5 جالونات)، في طقوس اعتادت القيام بها يومياً منذ ما يقرب من عقد من الزمان. فاستمرار الجفاف علاوة على شبكة خطوط الأنابيب المعيبة يعني أنه ليس هناك احتمالات تذكر لوضع حد لرحلتها اليومية الشاقة إلى البئر المحلية.

تقول الأرملة التي تبلغ من العمر 51 عاماً «لا شيء يأتي عبر خطوط الأنابيب إلى منازلنا الآن. افتح الصنبور ولن تجد قطرة مياه».
تعد «ندلوفو» واحدة من عشرات الآلاف من الزيمبابويين، معظمهم من النساء، الذين أجبروا على جلب المياه من الآبار مع تداعي شبكة المواسير ومحطات الضخ، وغيرها من البنية التحتية. ومما يفاقم من محنتهم ما يقول اتحاد المزارعين في زيمبابوي أنه أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد في ثلاث سنوات على الأقل.
تشهد زيمبابوي موجة جفاف في جميع أنحاء البلاد أنهكت السدود، وخفّضت إنتاج محطات الطاقة الكهرومائية، وتسببت في تلف المحاصيل، ودفعت الحكومة إلى طلب مساعدات بقيمة 464 مليون دولار لدرء المجاعة. إنه أمر كارثي بالنسبة لدولة يعد اقتصادها على شفا الانهيار نتيجة لعقدين من سوء الإدارة، ما يعني أن السلطات لا يمكنها تحمل تكاليف إجراء الإصلاحات، ناهيك عن تمديد نطاق وصول المياه إلى سكان الحضر المزدهر.
من المرجح أن تشهد زيمبابوي المزيد من حالات الجفاف المتكررة في المستقبل. وقد حددت لجنة الأمم المتحدة الدولية المعنية بتغير المناخ جنوب أفريقيا بأنها بقعة ساخنة –أي منطقة تواجه مخاطر متزايدة من درجات الحرارة الشديدة، وتراجع سقوط الأمطار مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
وتشعر مدن أفريقية أخرى بالفعل بآثار هذه المخاطر بما في ذلك «كيب تاون» في جنوب أفريقيا المجاورة، ومابوتو، عاصمة موزمبيق، حيث تعاني كلتا المدينتين نقص المياه الناجم عن الجفاف والنمو السكاني والتحضر، ونقص الاستثمار في بناء السدود وغيرها من البنية التحتية.
يقول «تيك زينيمبا»، رئيس دائرة الطقس العامة في إدارة الأرصاد الجوية في زيمبابوي «إن التغير المناخي لا يميز حدوداً. وبعض الأشياء التي نراها الآن مثل فترات الجفاف الطويلة، ونوبات الجفاف هي نتيجة للتغير المناخي».
والآثار واضحة في بولاوايو، ثاني أكبر مدن زيمبابوي، وتقع في غرب البلاد. وبعد أن كانت يوما ما مركزا صناعيا مزدهرا، توقفت معظم الصناعات وبدأ مجلس المدينة في ترشيد المياه في المضخات وشبكة أنابيب لا تزال تعمل في محاولة لتوصيل الإمدادات حتى شهر نوفمبر، موعد بدء موسم الأمطار عادة.
وقال «سيميلا دوبي»، مدير المجلس للخدمات الهندسية «نأمل أن يتكيف الناس مع الترشيد حتى نتمكن من الاستمرار في توفير المياه». وتستهدف المدينة خفض الاستهلاك بنحو 20% يومياً.
يذكر أن العديد من سكان «بولاوايو» البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة ممن ما زالوا يستطيعون الحصول على المياه عبر خطوط الأنابيب لا يمكنهم تحمل التكاليف –حيث إن أقل من 10% من القوى العاملة في زيمبابوي لديهم وظيفة رسمية –وهم يلجؤون إلى استخدام الإمدادات المجتمعية عندما يتم قطع المياه عن منازلهم لعدم سداد الرسوم.
ستحتاج «بولاوايو» إلى 522 مليون دولار على الأقل خلال العقدين القادمين لإصلاح وتحديث شبكات المياه والصرف الصحي الحالية، وفقاً لما ذكرته «ميركي نكوبي»، مهندسة في المدينة. ولا يملك المجلس ولا الحكومة التي أثقلتها الديون المال، وحتى إذا تمكنت من جمعه، فإن هذا لن يخفف العجز الحالي في العرض.
ولم يتم تنفيذ خطة تم وضعها قبل عقد من الزمان لبناء خط أنابيب بطول 384 كيلومتراً لتوصيل المياه من نهر زيمبابوي إلى بولاوايو بتكلفة تبلغ نحو 5 مليارات دولار. وبينما تقول الحكومة المركزية، التي يسيطر عليها مسؤولون يتحدثون لغة «الشونا»، إن التكاليف كانت باهظة، يقول العديد من سكان بولاوايو ومقاطعات ماتابيليلاند المحيطة إن التقاعس يرقى إلى حد التمييز ضد أقليتهم الإثنية وهي جماعة «نديبيلي».
وعلى الجانب الآخر، فإن أزمة المياه ليست حادة في هراري، عاصمة زيمبابوي، التي عادة تشهد تساقط الأمطار بشكل أكثر كثافة من بولاوايو. ولكن حتى في العاصمة، هناك بعض الضواحي التي لم تحصل على مياه الأنابيب منذ عقد من الزمان.
عالميا، يعيش أكثر من ملياري شخص في بلدان تعاني أزمة في المياه، وتحذر الأمم المتحدة من أن المشكلة تزداد سوءاً، حيث من المتوقع أن يزداد الطلب بنسبة 30% بحلول عام 2050.
بريان لاثام وجودفري ماروانيكا
صحفيان متخصصان في الشؤون الإفريقية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»