تحدثنا أمس عن منح الزواج "العينية" التي يعتزم صندوق الزواج تقديمها. واليوم نطرح جوانب أخرى من الصورة التي تحتاج إلى نقاشات مستفيضة. فما يحدث حالياً أن المنحة تصرف عقب إتمام الزواج بعامين أو أكثر وفي معظم الحالات يلجأ الشباب إلى الاقتراض من البنوك للإسراع بالزواج أملا في السداد عقب الحصول على المنحة، وبمقتضى المشروع الجديد يتعيّن على هؤلاء الشباب الانتظار وتأجيل الزواج حتى يأتي دورهم في صرف المنحة. وهذا الأمر ربما يسهم جدّياً في رفع سن الزواج إلى مستويات تفوق ما يشترطه الصندوق في مشروعه الجديد (21 عاما) بحيث يمكن أن ترتفع معدلات سن الزواج بعام أو عامين أو حسب ظروف ميزانية الصندوق في الأعوام المقبلة وطبيعة قوائم الانتظار ومدى ازدحامها، بمعنى أن الانتظار قد يقصر وأيضاً قد يطول بما يتجاوز العامين، وهذا الأمر لا يتوافق مع احتياجات دولة تعاني ندرة السكان وتحتاج إلى محفّزات عدة لتشجيع السكان على التكاثر كأحد البدائل المتاحة لمواجهة طوفان العمالة الوافدة وما يفرزه من تعميق للخلل في التركيبة السكانية. البعض يرى أيضا أن المنحة العينية تعني بالتبعية الافتئات على الحريات الفردية للشباب في "تقسيم" المنحة وتوزيعها على بنود مصروفات الزواج بما يتماشى مع ظروفه على اعتبار أن المسألة بالنهاية خاضعة لتوافق الآراء والاتفاق بين الأهل حول إجراءات الزواج. هناك رأي آخر قائم على أن الخيارات المتاحة في تنفيذ هذا المشروع تقوم إما على حصر توفير المستلزمات العينية على فنادق ومحال بعينها أو ترك الأمر مشاعا بحيث يقوم الصندوق بالاتفاق مع الجهات التي يختارها طالب المنحة للشراء منها أو التعاقد معها على التجهيزات، والحالتان تمتلكان من السلبيات والتعقيدات ما يصعب التغلب عليه. فحصر الخيارات لا يعني بالضرورة أسعارا أقل بقدر ما يعني تغذية لفكرة الاحتكارات التجارية فضلا عن أنه يلغي رغبة الشباب في الاختيار والمفاضلة، أما فتح باب الاختيارات فينطوي - بالمقابل- على فتح الباب على مصراعيه للتحايل على الصندوق بالأسعار والفواتير وعروض الأسعار التي سيتم التلاعب بها ومن خلالها للحصول على قيمة المنحة بأي شكل مع تحمّل الصندوق للأعباء الإدارية المترتبة على المتابعة والأعمال الإدارية والمالية!.
نحن لا نقلل من قيمة المشروع واحتمالات نجاحه من وجهة النظر الاقتصادية البحتة، ومن حيث انسجامه مع اتجاه سائد في دول عدة تقدّم مساعدات اجتماعية لمواطنيها، ولكن ندعو إلى مواءمة الفكرة مع الخصوصيات المجتمعية، ومع متطلبات الحاجة السكانية وظروف الصندوق ومقدرته على تحمّل فواتير الإنفاق العيني من دون تأخير أو زيادة في طوابير الانتظار مع الأخذ بالاعتبار النتائج المترتّبة على إلغاء شرط الراتب في التقدّم للمنحة كما هو متوقع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية