إذا ما أردنا أن نعالج ظاهرة التعصّب ونبذ الكراهية في المجتمع فسنكون أمام مهمة مستحيلة، وذلك بسبب الفروقات بين البشر في ظروف التنشئة والتجارب الحياتية التي مروا بها، والقيم والمبادئ التي يؤمنون بها، ونوع الشخصية والمؤثرات الخارجية.. وغيرها من العوامل العديدة المتداخلة. أما الممكن، فهو نسبياً التخفيف من السلوك الذي يعبّر عن العصبية والكراهية، معاً التأكيد على نبذ العنصرية ورفع مستوى قبول الآخر. إنه ملف ينبغي التعامل معه بكل موضوعية، ولابدّ فيه من الابتعاد عن تجميل ما يدور في المجتمع عامة، وأن لا نقيس تحضّر الناس من حيث قبول الآخر ضمن قناعات فردية وأطروحات نخبوية، بينما هناك من أفراد المجتمع من يرفضون فكرة التساوي مع «الآخر» المختلف. ويعد الحرم المدرسي أكبر مرآة تعكس مدى تراجع أو رقي أي مجتمع في إطار التآخي الإنساني.
في البيئة التعليمية وما يدور داخلها من تفاعل وتعامل يومي بين الطلاب من جهة، وبين الطلاب والطاقم التعليمي والإداري من جهة أخرى، هناك خلاصة لما وصل إليه المجتمع من وعي واحترام وتقدير متبادل للقيم الأخلاقية المساهِمة في عقلنة السلوك الذي نراه معبراً عن حقوق الإنسان ومحترِماً لآدميته. وبما أن المدرسة هي اللبنة الأساسية والأكثر أهمية في خلق شخصية طفل اليوم ورجل الغد، وذلك بجانب وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل التراجع الجذري لدور الأسرة وأخذها دور الراكب في مركبة يقودها غيرها بكل امتياز.. فإنه هنا تبرز أهمية التنشئة الدينية غير التقليدية والثقافة والقيم الإنسانية الجامعة للبشرية، وتسخير العلوم والمعارف لردم الفجوة بين المكتسب والموروث، وضرورة العمل على بلورة رؤى جديدة لمستقبل أفضل.
عندما نلوم القيادات العليا في قطاع التربية والتعليم، أي المؤسسة التعليمية ككل، عما وصل إليه سلوك الطلاب، فنحن بذلك نكون غير منصفين، إذ نخص طرفاً واحداً باللوم ونتهرّب من مسؤولية أخلاقية وتربوية نحن شركاء رئيسيون فيها، بدايةً بتكريس الوقت الكافي لأنفسنا ولأبنائنا، ورفع مستوى الإدراك لدينا بأن التربية هي مسؤوليتنا في المقام الأول، وهي مهارة تحتاج بذل جهد كبير ومثابرة واعية لإتقانها وتطبيقها على أفضل وجه، بغية الحصول على نتائج مرضية، وبالتالي نكون أفراد مجتمع أكثر نضجاً من الناحية الأخلاقية، حيث إن الحِمل كبير والمسؤولية مشتركة بين جميع أطراف العلمية التعليمية ومكونات المجتمع.
وما وضْع السياسات والاستراتيجيات والقوانين والتشريعات والبرامج والمبادرات طويلة الأمد التي تعزّز التسامح واحترام التعددية الثقافية وتنبذ التعصب والكراهية والتطرّف.. إلا جزء بسيط من خطة وطنية شاملة لغربلة الأسباب الجذرية لحالة المجتمع المدرسي والرفع من مستوى مخرجاته. وما يحدث الآن في بعض المدارس هو بضاعة المجتمع والأسرة التي ردت إليهما، وليس هذا بأمر مستغرب!
عندما لا يكون السلوك التربوي مادةً تحدد رسوب ونجاح الطالب ولا وجود لإجراءات قانونية صارمة بهذا الشأن، وإجراءات ذكية تعتمد على الذكاء الإلكتروني لحماية الطلاب من تنمّر نظرائهم غير الملتزمين بالخلق القويم، فالمشكلة ستظل قائمة، حتى ولو تم اتخاذ كل الإجراءات، وذلك حيثما بقي التحجر سِمةً لعقول بعض الطلاب وسلوكهم، ما يجعل التنمّر سلوكاً معتاداً لديهم، لاسيما إذا كان يجلب لصاحبه الهيبة والشعبية بين أقرانه! وهكذا يتعرّض بعض الطلاب للابتزاز وسوء المعاملة النفسية والبدنية طوال العام من جانب أقرانهم، بينما يفترض أن يكون الهدف الأسمى للتعليم هو أن يتحلّى الطالب بأخلاق المتعلّم وأن يظهر ذلك في سلوكه اليومي، وفي حب العلم لذاته وفي التركيز على التحصيل النوعي لتعمّ الفائدة على المجتمع ككل.
ألا ينبغي أن تكون هناك منصّات وطنية لتعزيز السلوك المتسامح بين الطلبة وذويهم؟ أعتقد أنه ربما حان الوقت للخروج من قوالب التأديب التقليدية وإشراك الأهل في تحمّل مسؤولية التربية الحديثة، فإذا ما ارتكب الطالب خطأً سلوكياً في المدرسة ولم يأت الإنذار للأب والأم في عملهما، مع خصم من الراتب الشهري، سيظل الطالب يمارس السلوك غير المسؤول وغير الأخلاقي. وإذا ربطنا السجل السلوكي للطالب بإمكانية قبوله في الجامعة أو في مهن معينة، فسيفكر ألف مرة قبل ارتكاب أي حماقة بحق الآخرين.
وإن كان هناك لوم على القائمين على التعليم، فلعله يتصل بغياب الحلول الناجعة لظاهرة التنمّر. ثم ما الفائدة من أن يتعلم الطالب عن تاريخ بلدان في قارات أخرى، وهو لا يعلم شيئاً عن تاريخ مدينة تبعد عنه 200 كيلومتر؟ من الجيد أن يعرف كل ذلك وأن يخرج بدروس تبقى معه طوال حياته عن عظماء التاريخ ورواد الإخاء الإنساني.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات
في البيئة التعليمية وما يدور داخلها من تفاعل وتعامل يومي بين الطلاب من جهة، وبين الطلاب والطاقم التعليمي والإداري من جهة أخرى، هناك خلاصة لما وصل إليه المجتمع من وعي واحترام وتقدير متبادل للقيم الأخلاقية المساهِمة في عقلنة السلوك الذي نراه معبراً عن حقوق الإنسان ومحترِماً لآدميته. وبما أن المدرسة هي اللبنة الأساسية والأكثر أهمية في خلق شخصية طفل اليوم ورجل الغد، وذلك بجانب وسائل التواصل الاجتماعي، في ظل التراجع الجذري لدور الأسرة وأخذها دور الراكب في مركبة يقودها غيرها بكل امتياز.. فإنه هنا تبرز أهمية التنشئة الدينية غير التقليدية والثقافة والقيم الإنسانية الجامعة للبشرية، وتسخير العلوم والمعارف لردم الفجوة بين المكتسب والموروث، وضرورة العمل على بلورة رؤى جديدة لمستقبل أفضل.
عندما نلوم القيادات العليا في قطاع التربية والتعليم، أي المؤسسة التعليمية ككل، عما وصل إليه سلوك الطلاب، فنحن بذلك نكون غير منصفين، إذ نخص طرفاً واحداً باللوم ونتهرّب من مسؤولية أخلاقية وتربوية نحن شركاء رئيسيون فيها، بدايةً بتكريس الوقت الكافي لأنفسنا ولأبنائنا، ورفع مستوى الإدراك لدينا بأن التربية هي مسؤوليتنا في المقام الأول، وهي مهارة تحتاج بذل جهد كبير ومثابرة واعية لإتقانها وتطبيقها على أفضل وجه، بغية الحصول على نتائج مرضية، وبالتالي نكون أفراد مجتمع أكثر نضجاً من الناحية الأخلاقية، حيث إن الحِمل كبير والمسؤولية مشتركة بين جميع أطراف العلمية التعليمية ومكونات المجتمع.
وما وضْع السياسات والاستراتيجيات والقوانين والتشريعات والبرامج والمبادرات طويلة الأمد التي تعزّز التسامح واحترام التعددية الثقافية وتنبذ التعصب والكراهية والتطرّف.. إلا جزء بسيط من خطة وطنية شاملة لغربلة الأسباب الجذرية لحالة المجتمع المدرسي والرفع من مستوى مخرجاته. وما يحدث الآن في بعض المدارس هو بضاعة المجتمع والأسرة التي ردت إليهما، وليس هذا بأمر مستغرب!
عندما لا يكون السلوك التربوي مادةً تحدد رسوب ونجاح الطالب ولا وجود لإجراءات قانونية صارمة بهذا الشأن، وإجراءات ذكية تعتمد على الذكاء الإلكتروني لحماية الطلاب من تنمّر نظرائهم غير الملتزمين بالخلق القويم، فالمشكلة ستظل قائمة، حتى ولو تم اتخاذ كل الإجراءات، وذلك حيثما بقي التحجر سِمةً لعقول بعض الطلاب وسلوكهم، ما يجعل التنمّر سلوكاً معتاداً لديهم، لاسيما إذا كان يجلب لصاحبه الهيبة والشعبية بين أقرانه! وهكذا يتعرّض بعض الطلاب للابتزاز وسوء المعاملة النفسية والبدنية طوال العام من جانب أقرانهم، بينما يفترض أن يكون الهدف الأسمى للتعليم هو أن يتحلّى الطالب بأخلاق المتعلّم وأن يظهر ذلك في سلوكه اليومي، وفي حب العلم لذاته وفي التركيز على التحصيل النوعي لتعمّ الفائدة على المجتمع ككل.
ألا ينبغي أن تكون هناك منصّات وطنية لتعزيز السلوك المتسامح بين الطلبة وذويهم؟ أعتقد أنه ربما حان الوقت للخروج من قوالب التأديب التقليدية وإشراك الأهل في تحمّل مسؤولية التربية الحديثة، فإذا ما ارتكب الطالب خطأً سلوكياً في المدرسة ولم يأت الإنذار للأب والأم في عملهما، مع خصم من الراتب الشهري، سيظل الطالب يمارس السلوك غير المسؤول وغير الأخلاقي. وإذا ربطنا السجل السلوكي للطالب بإمكانية قبوله في الجامعة أو في مهن معينة، فسيفكر ألف مرة قبل ارتكاب أي حماقة بحق الآخرين.
وإن كان هناك لوم على القائمين على التعليم، فلعله يتصل بغياب الحلول الناجعة لظاهرة التنمّر. ثم ما الفائدة من أن يتعلم الطالب عن تاريخ بلدان في قارات أخرى، وهو لا يعلم شيئاً عن تاريخ مدينة تبعد عنه 200 كيلومتر؟ من الجيد أن يعرف كل ذلك وأن يخرج بدروس تبقى معه طوال حياته عن عظماء التاريخ ورواد الإخاء الإنساني.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات