علم السيرة النبوية أحد العلوم النقلية الخمسة: القرآن، الحديث، التفسير، الفقه، والسيرة. وكثيراً ما جرت محاولة إخضاع السيرة النبوية للمنهج التاريخي، أي تحويلها من علم ديني نقلي إلى علم تاريخي وإن كان يعتمد على الرواية. والرواية دون نقد هي نقل خالص. وترتبط السيرة بعلم التاريخ، ذلك أن كتّابها هم في الوقت ذاته مؤرخون أيضاً. والتاريخ بالمعنى التقليدي هو مطابقة الرواية بالواقع، وهي عملية تمحيصية يصعب تحقيقها، لكن كتّاب السيرة اجتهدوا في تدقيق وتمحيص كل الروايات المتصلة بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إن الرواية ترى الوقائع من رؤية ذاتية، بينما الواقع من حيث هو واقع لا يكاد يعلمه أحد. بمعنى أن الواقع منظور ورؤية ووجهة نظر تظهر وتتجلى بقدرٍ ما أو بنسبة معينة في الرواية. وإذا كان نص القرآن الكريم يُفهم بالاستناد إلى الشعر العربي (مدونة العرب)، والحديث يُفهم بالاستناد إلى علم البلاغة العربية، فإن جانباًَ من السيرة يُصاغ في إطار ثقافة العرب القدماء وثقافة مَن سبقونا (أي اليهودية والنصرانية).
كما أن السيرة مرتبطة بقصص الأنبياء، والرسول جزء من هذا التاريخ، وحياته آخر مرحلة من مراحل قصص الأنبياء. والسيرة علم إنساني، وليست علماً رياضياً أو طبيعياً أو عقلياً خالصاً.
والتقسيم الطبيعي للسيرة النبوية هو ما وضعه ابن اسحق وسار عليه معظم كُتّاب السيرة من بعده، ألا وهو التقسيم الثلاثي: البداية والوسط والنهاية: مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، ثم انتشار رسالته في مكة ذاتها على نطاق محدود ومن بعدها في المدينة المنورة على نطاق واسع، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، بين الأوس والخزرج. ويتضمن المولد حياة العرب قبل الإسلام، كما يتضمن الانتشار في المدينة أوضاعَهم في يثرب ومحيطها، ثم وفاته عليه الصلاة والسلام، وربما بداية عهد الخلافة الراشدة بعد عهد النبوة.
ويصعب تحديد تلك المراحل، بدايةً ونهايةً، تحديداً واضحاً وحاسماً، لاسيما المرحلتين الأولى والثانية، ثم الثانية والثالثة. فالمرحلة الأولى، وهي البعثة النبوية، تشمل جذور الرسالة، وعقائد العرب قبل الإسلام، ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم ونشأته. أما المرحلة الثانية، أي بداية الرسالة، فتتضمن إعلان الرسالة في مكة المكرمة وانتشارها في المدينة المنورة. ثم المرحلة الثالثة، وهي ختام الرسالة، وتتضمن اكتمال الرسالة مع فتح مكة، وأخيراً التحول من النبوة إلى الخلافة.
كان منهج ابن اسحق تاريخياً خالصاً، حيث تتبع سيرة الرسول من الميلاد إلى الوفاة. فانقسمت السيرة عنده إلى ثلاثة أجزاء: المبتدأ والبعثة والمغازي. ويشمل المبتدأ تاريخ الرسالات قبل الإسلام، وتاريخ اليمن في الجاهلية، وحياة القبائل العربية وأنسابها ودياناتها، وتاريخ مكة ونسب الرسول وأجداده. أما المغازي فتتناول حياة النبي في المدينة.
ويتنازع علمَ السيرة خطان؛ خط التركيز على سيرة الرسول من خلال تشخيص الرسالة في الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وخط النظر إلى الرسالة بعيداً عن التشخيص.
وقد تتم صياغة السيرة النبوية شعراً كما في ألفية الحافظ العراقي نظم «الدرر السنية الزكية». فالرسول من بيئة شعرية وثقافة شاعرية، وما فتئت مكانة الشعر عالية عند العرب. وسيرة الرسول هي خير ما يُقرأ في المحافل كما هو الحال عند العامري الحضري.
وتنسب السيرة أحياناً إلى مكان كاتبها مثل «السيرة الحلبية» للحلبي الشافعي. ويُعبَّر عن السيرة بصيغ مجازية مثل «الرحيق المختوم»، أو بالإشارة إلى النموذج الخُلقي الذي يجسده الرسول مثل «الأسوة الحسنة»، أو من منظور عالمية الإسلام كما في عنوان أحد كتب السيرة «رسالة الإسلام في نبوة سيد الأنام».
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة
إن الرواية ترى الوقائع من رؤية ذاتية، بينما الواقع من حيث هو واقع لا يكاد يعلمه أحد. بمعنى أن الواقع منظور ورؤية ووجهة نظر تظهر وتتجلى بقدرٍ ما أو بنسبة معينة في الرواية. وإذا كان نص القرآن الكريم يُفهم بالاستناد إلى الشعر العربي (مدونة العرب)، والحديث يُفهم بالاستناد إلى علم البلاغة العربية، فإن جانباًَ من السيرة يُصاغ في إطار ثقافة العرب القدماء وثقافة مَن سبقونا (أي اليهودية والنصرانية).
كما أن السيرة مرتبطة بقصص الأنبياء، والرسول جزء من هذا التاريخ، وحياته آخر مرحلة من مراحل قصص الأنبياء. والسيرة علم إنساني، وليست علماً رياضياً أو طبيعياً أو عقلياً خالصاً.
والتقسيم الطبيعي للسيرة النبوية هو ما وضعه ابن اسحق وسار عليه معظم كُتّاب السيرة من بعده، ألا وهو التقسيم الثلاثي: البداية والوسط والنهاية: مولد الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة، ثم انتشار رسالته في مكة ذاتها على نطاق محدود ومن بعدها في المدينة المنورة على نطاق واسع، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، بين الأوس والخزرج. ويتضمن المولد حياة العرب قبل الإسلام، كما يتضمن الانتشار في المدينة أوضاعَهم في يثرب ومحيطها، ثم وفاته عليه الصلاة والسلام، وربما بداية عهد الخلافة الراشدة بعد عهد النبوة.
ويصعب تحديد تلك المراحل، بدايةً ونهايةً، تحديداً واضحاً وحاسماً، لاسيما المرحلتين الأولى والثانية، ثم الثانية والثالثة. فالمرحلة الأولى، وهي البعثة النبوية، تشمل جذور الرسالة، وعقائد العرب قبل الإسلام، ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم ونشأته. أما المرحلة الثانية، أي بداية الرسالة، فتتضمن إعلان الرسالة في مكة المكرمة وانتشارها في المدينة المنورة. ثم المرحلة الثالثة، وهي ختام الرسالة، وتتضمن اكتمال الرسالة مع فتح مكة، وأخيراً التحول من النبوة إلى الخلافة.
كان منهج ابن اسحق تاريخياً خالصاً، حيث تتبع سيرة الرسول من الميلاد إلى الوفاة. فانقسمت السيرة عنده إلى ثلاثة أجزاء: المبتدأ والبعثة والمغازي. ويشمل المبتدأ تاريخ الرسالات قبل الإسلام، وتاريخ اليمن في الجاهلية، وحياة القبائل العربية وأنسابها ودياناتها، وتاريخ مكة ونسب الرسول وأجداده. أما المغازي فتتناول حياة النبي في المدينة.
ويتنازع علمَ السيرة خطان؛ خط التركيز على سيرة الرسول من خلال تشخيص الرسالة في الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وخط النظر إلى الرسالة بعيداً عن التشخيص.
وقد تتم صياغة السيرة النبوية شعراً كما في ألفية الحافظ العراقي نظم «الدرر السنية الزكية». فالرسول من بيئة شعرية وثقافة شاعرية، وما فتئت مكانة الشعر عالية عند العرب. وسيرة الرسول هي خير ما يُقرأ في المحافل كما هو الحال عند العامري الحضري.
وتنسب السيرة أحياناً إلى مكان كاتبها مثل «السيرة الحلبية» للحلبي الشافعي. ويُعبَّر عن السيرة بصيغ مجازية مثل «الرحيق المختوم»، أو بالإشارة إلى النموذج الخُلقي الذي يجسده الرسول مثل «الأسوة الحسنة»، أو من منظور عالمية الإسلام كما في عنوان أحد كتب السيرة «رسالة الإسلام في نبوة سيد الأنام».
*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة