المتابع للتطورات في بريطانيا ربما يشعر أن المعارك البرلمانية في الأيام القليلة الماضية ترجح كفتها فيما يبدو ضد بوريس جونسون الذي يخوضها في البرلمان الذي يعد أرضاً مقدسة في الديمقراطية البريطانية لكن رئيس الوزراء الحالي يعتبره أرضا معادية. وهدف جونسون الآن هو نقل أرض المعركة من البرلمان إلى الناخبين على امتداد البلاد في أكتوبر المقبل وشق صف معارضيه. ولا أحد شاهد الدراما البرلمانية ليوم الثلاثاء الماضي إلا وأحس بانبهار وسط تنوع أساليب العرض والتاريخ الذي يجري صناعته. فقد جلست رئيسة الوزراء السابقة تريزا ماي في المقعد الخلفي الذي لا يجلس فيه وزراء تراقب في دهشة. والحركات التلقائية لبعض المشرعين كان من الصعب تفسيرها.
لقد كانت لحظة سياسية تعادل اكتمال القمر بدراً حين يتحول حزب «المحافظين» إلى «حزب بريكست». وبالتأكيد، كان هناك كثيرون يتوقعون حدوث هذا منذ فترة طويلة. وانتقل النائب المحافظ فيليب لي- وهو من أنصار البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي ومن الواضح أنه لا يريد التحول إلى حزب «بريكست»- إلى صفوف حزب «الديمقراطيين الأحرار». ففي الوقت الذي كان يتحدث فيه رئيس الوزراء عن الكيفية التي ستستعيد بها بريطانيا السيطرة على سياستها التجارية بعد «بريكست»، حرم هذا النائب جونسون من الأغلبية التي كان يتمتع بها.
ثم مُني رئيس الوزراء بهزيمة في أول تصويت برلماني بعد اعتراض 21 مشرعاً من حزبه عليه بما في ذلك وزير الخزانة السابق فيليب هاموند ونيكولاس سوامس حفيد وينستون تشرشل الذي يعتبره جونسون قدوة له. وبينما كانت تريزا ماي وهي ابنة كاهن تسعى إلى الحفاظ على وحدة الكنيسة المحافظة الواسعة النطاق أملا في بناء ائتلاف لصفقتها الخاصة بالخروج البريطاني، يبدو أن جونسون فسر حرفيا عبارة «إذا كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وإلقها عنك»، إنجيل متى. فجونسون تخلص من كل الجانب اليساري في حزبه ليحرم المتمردين من النفوذ.
وفي الذكرى المئوية الثمانين لبداية الحرب العالمية الثانية، وصف جونسون جهود التصدي لبريكست دون صفقة باعتبارها «استسلام» وهي لغة رددتها بعض وسائل الإعلام البريطانية التي تدعمه.
وتاريخيا، كان البرلمان هو المكان الذي تكمن فيه السلطة في بريطانيا. لكن هذا البرلمان أثبت أنه غير قادر على حسم قضية بريكست. ودون أغلبية، تصبح مراهنة جونسون الكبيرة هي أن عرضه الانتخابي- المتمثل في القيادة القوية والاستراتيجية الواضحة لبريكست وتقليص الانفاق العام- سيتفوق على عرض المعارضة الانتخابي المفتقر للوحدة والزعيم القومي ويرتبط بقوة ببرلمان يرى جونسون أنه ميؤوس منه. وثلثا البريطانيين يقولون إن سياسة حزب «العمال» بشأن بريكست غير واضحة أو مرتبكة، وهي نسبة غير مشجعة لاقتحام انتخابات يريد رئيس الوزراء أن يصورها كتصويت بالمغادرة مقابل كل شيء آخر.
وأحداث يوم الثلاثاء أعدت المسرح لدراما يوم الأربعاء التي تضمنت تصويتا تاريخيا لمنع جونسون من قيادة بريطانيا للخروج من أوروبا دون صفقة. وأشار استطلاع لمؤسسة يوجوف لآراء الناخبين المؤيدين للخروج إلى أن معظمهم لن يلوم جونسون على تأخير فرض عليه.
فإذا لم يستطع جونسون إجراء انتخابات فماذا سيفعل؟ فحكومة دون أغلبية لا يمكنها أن تقر تشريعا أو تحكم في واقع الحال. وحتى إجراء انتخابات يمثل مغامرة كبيرة. وتحدث جونسون مرارا في مقر الحكومة عن السعي إلى التوصل إلى صفقة مع الاتحاد الأوروبي في قمة التكتل في أكتوبر. واقترح نايجل فاراج أن يؤيد حزبه تكتيكياً «المحافظين» في الانتخابات إذا سعى جونسون إلى «انفصال نظيف» يسمح بالخروج دون صفقات. وسيجري اختبار التزام حزب «المحافظين» برؤيته الجديدة. ومن يقفون خلف جونسون متحدون إلى حد كبير بشأن استراتيجيته تجاه بريكست. فهم يوافقون على ترك بريطانيا للتكتل دون صفقة في 31 أكتوبر. أما من يعارضون جونسون فيجدون صعوبة في التوصل إلى اتفاق على ما يريدونه بخلاف تمديد مدة التفاوض التي يشعر كثيرون من البريطانيين بأنها مثل عملية خلع أضراس مؤلمة وطويلة الأمد. بينما يعد جونسون بالانتهاء من الأمر بسرعة والاحتفال قريبا.
وبالتأكيد، أنه من باب التفكير بالتمني الادعاء بأن كل شيء سينتهي هنا، كما فعل جونسون. فمن شبه المؤكد إجراء انتخابات في أعقاب هذا التوتر البرلماني. ومهما يكن من شأن الفائز في هذه الانتخابات، فستظل قضية بريكست وما يليها ممسكة بتلابيب السياسة البريطانية لفترة طويلة قادمة.
*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لقد كانت لحظة سياسية تعادل اكتمال القمر بدراً حين يتحول حزب «المحافظين» إلى «حزب بريكست». وبالتأكيد، كان هناك كثيرون يتوقعون حدوث هذا منذ فترة طويلة. وانتقل النائب المحافظ فيليب لي- وهو من أنصار البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي ومن الواضح أنه لا يريد التحول إلى حزب «بريكست»- إلى صفوف حزب «الديمقراطيين الأحرار». ففي الوقت الذي كان يتحدث فيه رئيس الوزراء عن الكيفية التي ستستعيد بها بريطانيا السيطرة على سياستها التجارية بعد «بريكست»، حرم هذا النائب جونسون من الأغلبية التي كان يتمتع بها.
ثم مُني رئيس الوزراء بهزيمة في أول تصويت برلماني بعد اعتراض 21 مشرعاً من حزبه عليه بما في ذلك وزير الخزانة السابق فيليب هاموند ونيكولاس سوامس حفيد وينستون تشرشل الذي يعتبره جونسون قدوة له. وبينما كانت تريزا ماي وهي ابنة كاهن تسعى إلى الحفاظ على وحدة الكنيسة المحافظة الواسعة النطاق أملا في بناء ائتلاف لصفقتها الخاصة بالخروج البريطاني، يبدو أن جونسون فسر حرفيا عبارة «إذا كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وإلقها عنك»، إنجيل متى. فجونسون تخلص من كل الجانب اليساري في حزبه ليحرم المتمردين من النفوذ.
وفي الذكرى المئوية الثمانين لبداية الحرب العالمية الثانية، وصف جونسون جهود التصدي لبريكست دون صفقة باعتبارها «استسلام» وهي لغة رددتها بعض وسائل الإعلام البريطانية التي تدعمه.
وتاريخيا، كان البرلمان هو المكان الذي تكمن فيه السلطة في بريطانيا. لكن هذا البرلمان أثبت أنه غير قادر على حسم قضية بريكست. ودون أغلبية، تصبح مراهنة جونسون الكبيرة هي أن عرضه الانتخابي- المتمثل في القيادة القوية والاستراتيجية الواضحة لبريكست وتقليص الانفاق العام- سيتفوق على عرض المعارضة الانتخابي المفتقر للوحدة والزعيم القومي ويرتبط بقوة ببرلمان يرى جونسون أنه ميؤوس منه. وثلثا البريطانيين يقولون إن سياسة حزب «العمال» بشأن بريكست غير واضحة أو مرتبكة، وهي نسبة غير مشجعة لاقتحام انتخابات يريد رئيس الوزراء أن يصورها كتصويت بالمغادرة مقابل كل شيء آخر.
وأحداث يوم الثلاثاء أعدت المسرح لدراما يوم الأربعاء التي تضمنت تصويتا تاريخيا لمنع جونسون من قيادة بريطانيا للخروج من أوروبا دون صفقة. وأشار استطلاع لمؤسسة يوجوف لآراء الناخبين المؤيدين للخروج إلى أن معظمهم لن يلوم جونسون على تأخير فرض عليه.
فإذا لم يستطع جونسون إجراء انتخابات فماذا سيفعل؟ فحكومة دون أغلبية لا يمكنها أن تقر تشريعا أو تحكم في واقع الحال. وحتى إجراء انتخابات يمثل مغامرة كبيرة. وتحدث جونسون مرارا في مقر الحكومة عن السعي إلى التوصل إلى صفقة مع الاتحاد الأوروبي في قمة التكتل في أكتوبر. واقترح نايجل فاراج أن يؤيد حزبه تكتيكياً «المحافظين» في الانتخابات إذا سعى جونسون إلى «انفصال نظيف» يسمح بالخروج دون صفقات. وسيجري اختبار التزام حزب «المحافظين» برؤيته الجديدة. ومن يقفون خلف جونسون متحدون إلى حد كبير بشأن استراتيجيته تجاه بريكست. فهم يوافقون على ترك بريطانيا للتكتل دون صفقة في 31 أكتوبر. أما من يعارضون جونسون فيجدون صعوبة في التوصل إلى اتفاق على ما يريدونه بخلاف تمديد مدة التفاوض التي يشعر كثيرون من البريطانيين بأنها مثل عملية خلع أضراس مؤلمة وطويلة الأمد. بينما يعد جونسون بالانتهاء من الأمر بسرعة والاحتفال قريبا.
وبالتأكيد، أنه من باب التفكير بالتمني الادعاء بأن كل شيء سينتهي هنا، كما فعل جونسون. فمن شبه المؤكد إجراء انتخابات في أعقاب هذا التوتر البرلماني. ومهما يكن من شأن الفائز في هذه الانتخابات، فستظل قضية بريكست وما يليها ممسكة بتلابيب السياسة البريطانية لفترة طويلة قادمة.
*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»