في يوليو الماضي، زادت حدة المواجهة بين أميركا وإيران بدرجة دفعت المراقبين إلى التحذير من احتمال اندلاع حرب، بقصد أو من دون قصد. فكيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟
منذ عام 1979، تخوض كل من الولايات المتحدة وإيران مواجهة خطيرة ومستمرة. فقبل ذلك العام، كانت الحكومتان حليفتين وثيقتين، واعتبرت واشنطن شاه إيران آنذاك ركيزة استقرار في المنطقة، وشريكاً يمكن الاعتماد عليه. لكن ذلك انتهى عندما أُطيح بالشاه، وأخذ النظام الإيراني في ظل الخميني دبلوماسيين أميركيين كرهائن. وعلى رغم من إطلاق سراح الرهائن في نهاية المطاف، لكن العداء بين الحكومتين لم ينته. وساندت الولايات المتحدة خصوم إيران سياسياً وعسكرياً وأيدتهم في أن إيران تشكل تهديداً كبراً على المنطقة. واستمرت المواجهة. وعندما تولى باراك أوباما السلطة كرئيس للولايات المتحدة في يناير عام 2009، كان من أول خطواته محاولة معالجة التوترات مع إيران التي سادت على مدار ثلاثين عاماً.
وكان أوباما على دراية بشأن الشكاوى الأميركية طويلة الأمد ضد إيران، لكنه قرر رغم ذلك محاولة خفض التوترات بين البلدين. وأعلن عن رغبته في التفاوض مع إيران من دون شروط مسبقة، وأوضح قائلاً: «سنمدّ أيدينا إذا مددتم أيديكم». ووجّه أوباما وزير خارجيته ببدء المفاوضات. واستقطب وزير الخارجية آنذاك جون كيري عدداً من الدول الحليفة للولايات المتحدة للقيام بهذه الجهود، وأقنع كل من المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا بالانضمام إلى المفاوضات.
وقرروا التركيز على مسألة واحدة هي منع الانتشار النووي، لأنه كان من الصعب التوصل إلى حزمة كاملة تتضمن صواريخ إيران ودعمها للإرهاب والمشكلات الأخرى كلها جملة واحدة. وبدأت المحادثات في عام 2013 مستهدفة حل القضية النووية، لفترة قصيرة على الأقل. وفي 2015 توصل الأطراف إلى اتفاق. وفي هذه الأثناء، استهلّ وزير الخارجية الأميركي ونظيره الإيراني، ومرؤوسيهما، العلاقات المباشرة بين الحكومتين للمرة الأولى.
وعندما تولى دونالد ترامب الرئاسة الأميركية في عام 2017، تعهّد بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وهكذا فعل في مايو 2018. وأعاد فرض العقوبات على إيران بعد أن كانت واشنطن رفعتها إثر الاتفاق، وحذّر الشركاء الآخرين في الاتفاق من أنه سيفرض عقوبات عليهم إذا ما أقاموا علاقات تجارية مع إيران. وعارض الشركاء الأوروبيون التحرك الأميركي لكنهم احترموا بنود الاتفاق للإبقاء عليه سارياً. بيد أن ضغوط ترامب أجبرتهم على الالتزام بالمطالب الأميركية، ومن ثم عانى الاقتصاد الإيراني بشدة من جراء العقوبات.
وبعد أن كان الإيرانيون يأملون أن يتراجع ترامب عن موقفه أو أن يتم انتخاب شخص آخر ليحل محله، أعربوا في يوليو 2019 بوضوح عن قلقهم من إمكانية إعادة انتخاب ترامب في 2020، ومن ثم استمرار العقوبات الاقتصادية لأربعة أعوام أخرى. وترددوا في الاستجابة للضغوط. واتخذوا خطوات للمواجهة. فاعتدوا على سفن في الخليج العربي لإظهار قدرتهم على استخدام أساليب غير تقليدية يمكنها الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وانتهكوا صراحة بنود الاتفاق.
ويحض المتشددون في إيران وواشنطن حكومتيهما على اتخاذ موقف حازم. وسعى وسطاء محتملون، مثل الرئيسين الياباني والفرنسي إلى تنسيق مفاوضات أميركية إيرانية لحل الأزمة، لكن إيران رفضت تلك الجهود مشترطة أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات أولاً، وهو ما يرفضه ترامب. ويعني ذلك استمرار الخطر، فإذا ما تشبث كل طرف بموقفه، فإن المواجهات في الخليج العربي يمكن أن تتفاقم إلى عنف خطير.
ومن الصعب التكهن بما إذا كانت المواجهة ستفضي إلى حرب، لكن يمكننا استنباط بعض الدلالات من الأحداث السابقة. فعندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق في عام 1980، التزمت الولايات المتحدة موقفاً محايداً بصورة رسمية من عدة أوجه، غير أنها قدّمت في الحقيقة مساعدة للجانب العراقي وللدول العربية ضد إيران. وعندما تعرضت سفينة كويتية لهجوم إيراني، استجابت إدارة ريجان لطلب كويتي بتقديم حماية لحاملات النفط ورفع العلم الأميركي على ناقلاتها بحيث يمكن للسفن الحربية الأميركية مواجهة التهديدات الإيرانية. وعندما زادت طهران هجماتها في الخليج العربي فيما عرف ب«حرب الناقلات»، ردّت البحرية الأميركية. وفي عام 1987، ارتطمت فرقاطة تابعة للبحرية الأميركية بلغم بحري زرعته إيران، فردت الولايات المتحدة بإغراق سفينة ودّمرت منصات نفطية إيرانية. وفي 1988، أسقطت سفينة أميركية طائرة ركاب تجارية إيرانية، وهو ما أدى إلى مصرع 290 شخصاً على متنها. وعلى رغم من أن الحادث كان غير مقصود، لكن الخميني افترض أنه كان متعمداً وأن الولايات المتحدة زادت مشاركتها في الحرب بدرجة كبيرة، وهو ما أسهم في إقناعه بإنهاء الحرب مع العراق.
انتهت حرب الثمانية أعوام باتفاق سلام، لكن العداء المتأصل بين أميركا وإيران ظل على حاله. ووصفت إيران أميركا بأنها «الشيطان الأكبر» وعارضت سياساتها في المنطقة. وفي المقابل، اتهمت أميركا طهران بدعم الإرهاب والتخطيط لتطوير سلاح نووي. ولا تزال السفارة الأميركية في طهران مغلقة، وحتى عندما خاضت الولايات المتحدة حرباً ضد العراق، لم تتحسن علاقتها مع إيران، رغم حقيقة أن إيران اعتبرت العراق أكبر تهديد لها.
وأظهرت تلك الأحداث في ثمانينيات القرن الماضي أن واشنطن وإيران يمكنهما الانخراط في صراع عسكري محدود النطاق من دون الانزلاق إلى حرب واسعة. وليس من المؤكد أن هذا ما سيحدث في هذه المرة، غير أن ترامب أشار في مناسبات شتى إلى أنه لا يرغب في تصعيد العنف. ويعتقد أن الضغوط الاقتصادية والتهديدات ستحمل النظام الإيراني على تقديم تنازلات في نهاية المطاف. والسؤال الآن: هل ستنجح جهود الوساطة الهادئة إلى دفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات.. وحده الوقت سيكشف الإجابة!
منذ عام 1979، تخوض كل من الولايات المتحدة وإيران مواجهة خطيرة ومستمرة. فقبل ذلك العام، كانت الحكومتان حليفتين وثيقتين، واعتبرت واشنطن شاه إيران آنذاك ركيزة استقرار في المنطقة، وشريكاً يمكن الاعتماد عليه. لكن ذلك انتهى عندما أُطيح بالشاه، وأخذ النظام الإيراني في ظل الخميني دبلوماسيين أميركيين كرهائن. وعلى رغم من إطلاق سراح الرهائن في نهاية المطاف، لكن العداء بين الحكومتين لم ينته. وساندت الولايات المتحدة خصوم إيران سياسياً وعسكرياً وأيدتهم في أن إيران تشكل تهديداً كبراً على المنطقة. واستمرت المواجهة. وعندما تولى باراك أوباما السلطة كرئيس للولايات المتحدة في يناير عام 2009، كان من أول خطواته محاولة معالجة التوترات مع إيران التي سادت على مدار ثلاثين عاماً.
وكان أوباما على دراية بشأن الشكاوى الأميركية طويلة الأمد ضد إيران، لكنه قرر رغم ذلك محاولة خفض التوترات بين البلدين. وأعلن عن رغبته في التفاوض مع إيران من دون شروط مسبقة، وأوضح قائلاً: «سنمدّ أيدينا إذا مددتم أيديكم». ووجّه أوباما وزير خارجيته ببدء المفاوضات. واستقطب وزير الخارجية آنذاك جون كيري عدداً من الدول الحليفة للولايات المتحدة للقيام بهذه الجهود، وأقنع كل من المملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا بالانضمام إلى المفاوضات.
وقرروا التركيز على مسألة واحدة هي منع الانتشار النووي، لأنه كان من الصعب التوصل إلى حزمة كاملة تتضمن صواريخ إيران ودعمها للإرهاب والمشكلات الأخرى كلها جملة واحدة. وبدأت المحادثات في عام 2013 مستهدفة حل القضية النووية، لفترة قصيرة على الأقل. وفي 2015 توصل الأطراف إلى اتفاق. وفي هذه الأثناء، استهلّ وزير الخارجية الأميركي ونظيره الإيراني، ومرؤوسيهما، العلاقات المباشرة بين الحكومتين للمرة الأولى.
وعندما تولى دونالد ترامب الرئاسة الأميركية في عام 2017، تعهّد بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وهكذا فعل في مايو 2018. وأعاد فرض العقوبات على إيران بعد أن كانت واشنطن رفعتها إثر الاتفاق، وحذّر الشركاء الآخرين في الاتفاق من أنه سيفرض عقوبات عليهم إذا ما أقاموا علاقات تجارية مع إيران. وعارض الشركاء الأوروبيون التحرك الأميركي لكنهم احترموا بنود الاتفاق للإبقاء عليه سارياً. بيد أن ضغوط ترامب أجبرتهم على الالتزام بالمطالب الأميركية، ومن ثم عانى الاقتصاد الإيراني بشدة من جراء العقوبات.
وبعد أن كان الإيرانيون يأملون أن يتراجع ترامب عن موقفه أو أن يتم انتخاب شخص آخر ليحل محله، أعربوا في يوليو 2019 بوضوح عن قلقهم من إمكانية إعادة انتخاب ترامب في 2020، ومن ثم استمرار العقوبات الاقتصادية لأربعة أعوام أخرى. وترددوا في الاستجابة للضغوط. واتخذوا خطوات للمواجهة. فاعتدوا على سفن في الخليج العربي لإظهار قدرتهم على استخدام أساليب غير تقليدية يمكنها الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وانتهكوا صراحة بنود الاتفاق.
ويحض المتشددون في إيران وواشنطن حكومتيهما على اتخاذ موقف حازم. وسعى وسطاء محتملون، مثل الرئيسين الياباني والفرنسي إلى تنسيق مفاوضات أميركية إيرانية لحل الأزمة، لكن إيران رفضت تلك الجهود مشترطة أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات أولاً، وهو ما يرفضه ترامب. ويعني ذلك استمرار الخطر، فإذا ما تشبث كل طرف بموقفه، فإن المواجهات في الخليج العربي يمكن أن تتفاقم إلى عنف خطير.
ومن الصعب التكهن بما إذا كانت المواجهة ستفضي إلى حرب، لكن يمكننا استنباط بعض الدلالات من الأحداث السابقة. فعندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق في عام 1980، التزمت الولايات المتحدة موقفاً محايداً بصورة رسمية من عدة أوجه، غير أنها قدّمت في الحقيقة مساعدة للجانب العراقي وللدول العربية ضد إيران. وعندما تعرضت سفينة كويتية لهجوم إيراني، استجابت إدارة ريجان لطلب كويتي بتقديم حماية لحاملات النفط ورفع العلم الأميركي على ناقلاتها بحيث يمكن للسفن الحربية الأميركية مواجهة التهديدات الإيرانية. وعندما زادت طهران هجماتها في الخليج العربي فيما عرف ب«حرب الناقلات»، ردّت البحرية الأميركية. وفي عام 1987، ارتطمت فرقاطة تابعة للبحرية الأميركية بلغم بحري زرعته إيران، فردت الولايات المتحدة بإغراق سفينة ودّمرت منصات نفطية إيرانية. وفي 1988، أسقطت سفينة أميركية طائرة ركاب تجارية إيرانية، وهو ما أدى إلى مصرع 290 شخصاً على متنها. وعلى رغم من أن الحادث كان غير مقصود، لكن الخميني افترض أنه كان متعمداً وأن الولايات المتحدة زادت مشاركتها في الحرب بدرجة كبيرة، وهو ما أسهم في إقناعه بإنهاء الحرب مع العراق.
انتهت حرب الثمانية أعوام باتفاق سلام، لكن العداء المتأصل بين أميركا وإيران ظل على حاله. ووصفت إيران أميركا بأنها «الشيطان الأكبر» وعارضت سياساتها في المنطقة. وفي المقابل، اتهمت أميركا طهران بدعم الإرهاب والتخطيط لتطوير سلاح نووي. ولا تزال السفارة الأميركية في طهران مغلقة، وحتى عندما خاضت الولايات المتحدة حرباً ضد العراق، لم تتحسن علاقتها مع إيران، رغم حقيقة أن إيران اعتبرت العراق أكبر تهديد لها.
وأظهرت تلك الأحداث في ثمانينيات القرن الماضي أن واشنطن وإيران يمكنهما الانخراط في صراع عسكري محدود النطاق من دون الانزلاق إلى حرب واسعة. وليس من المؤكد أن هذا ما سيحدث في هذه المرة، غير أن ترامب أشار في مناسبات شتى إلى أنه لا يرغب في تصعيد العنف. ويعتقد أن الضغوط الاقتصادية والتهديدات ستحمل النظام الإيراني على تقديم تنازلات في نهاية المطاف. والسؤال الآن: هل ستنجح جهود الوساطة الهادئة إلى دفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات.. وحده الوقت سيكشف الإجابة!