كثيرون من العرب يريدون الحاكم أن يكون عسكرياً، على أن يأتي عبر صناديق الانتخاب وليس فوهة الانقلاب، ولهم في ما أرادوه حق، ولهم تجاربهم الحسنة، بالمقابل لهؤلاء، تجد من لا يريدون الحاكم أن يكون ذا خلفية عسكرية، رغم أن مبدأ عدم قبول العسكري حاكماً لشعبه فيه إقصاء وإلغاء لحق تكفله دساتير العالم. لا أريد قصر الحديث على نماذج عربية عسكرية مشرّفة حكمت، من بينها جمال عبدالناصر، وهواري بومدين، وسوار الذهب الذين جاؤوا إلى الرئاسة من خيمة الجيش الوطني، وقدموا أعمالاً استثنائيةً، إنما سأذهب مباشرةً إلى التاريخ الأوروبي المعاصر لأستل منه هذه القصة. فرانشيسكو فرانكو، جنرال إسباني اشتهر في نهاية الحرب العالمية الثانية، بعدما سيطر على عموم إسبانيا وأنهى فوضى عمت، وثورة مضادة فشلت.
ونتيجة لسوء فهم مع الملكية، قرر الملك (دون خوان) مغادرة مدريد إلى الخارج، تاركاً إسبانيا لفرانكو ومصيراً رآه مجهولاً. واعتقد كثيرون أن الملكية لن تعود إلى إسبانيا ما دام الجنرال متربعاً على عرش القوة المتين. امتدت سيطرة الجنرال أربعين عاماً، وفّر خلالها الاستقرار لدولته في محيط مضطرب، فبرزت التنمية اللافتة في كافة المجالات الصناعية والزراعية والطرق والمواصلات. كان من أولويات الجنرال ترتيب إسبانيا اجتماعياً لاعتقاده (أن الإسبان اعتنقوا أفكاراً منقولة من بقية أوروبا)، وعلاجُها هو خلطة تقوم على (دمج المقدرة الإدارية وكفاءة التعليم مع الإيمان الديني المحافظ). وترتيب المؤسسة العسكرية بصفتها الضمانة الأكيدة لاستمرار إسبانيا المنشودة من بعده، لكن بغطاء شرعي دستوري (ولا يتوفر إلاّ في الملكية). اعتُبر هذا الهدف المعلن تعهداً صريحاً من فرانكو بالمحافظة على استمرار عرش (البوربون) في إسبانيا، لكنه وعبر استفتاء برلماني، احتفظ لنفسه بحق اختيار شخص الملك. في لقاء مرتّب بينه وبين الملك المنفي (دون خوان)، قال له وهما يتصافحان: أريد ابنك أن يكون ولياً للعهد ثم ملكاً. رد الملك: الصبي بعد صغير وأنا حيٌ.. لا تستطيع. قال فرانكو: إسبانيا تستطيع.. إن العرش أكبر من الأفراد، وأتوقع منك أن تضحي وترتقي لمستوى الأحداث من أجل ابنك. في اليوم التالي أصدر الجنرال تعليماته: (على الصبي مغادرة أسرته في سويسرا والمجي لإسبانيا والعيش فيها). وعندما حضر الصبي البوربوني ابن الـ16عاماً إلى مدريد، أُدخل الكلية العسكرية (ساراجوس)، ثم أُرسل إلى الكلية البحرية وقضى فيها عاماً، أعقبتها سنة أخرى في كلية الطيران، ثم أدخل كلية أركان حرب ليكون على صلة بحياة الجيش. وبعد أن أنهى تدريباته، ألحقه بجامعة مدريد لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية والقانون والفلسفة. وجرى تكليفه بمتابعة أوجه النشاط الصناعي والاجتماعي والإداري، وطلب منه أن (يتزوج وينجب أطفالاً ليصبح صورة حية ومشرقة للأمة الإسبانية)، فتزوج عام 1962 من الأميرة (صوفيا) ابنة بول ملك اليونان، فولدت له ثلاثة أطفال، بنتين (هيلينا وكريستينا)، وابناً هو (فيليب). هذا الصبي محور المقالة هو الملك (خوان كارلوس) أبو فيليب ملك إسبانيا الحالي..وفرانكو كان عسكرياً وطنياً.
ونتيجة لسوء فهم مع الملكية، قرر الملك (دون خوان) مغادرة مدريد إلى الخارج، تاركاً إسبانيا لفرانكو ومصيراً رآه مجهولاً. واعتقد كثيرون أن الملكية لن تعود إلى إسبانيا ما دام الجنرال متربعاً على عرش القوة المتين. امتدت سيطرة الجنرال أربعين عاماً، وفّر خلالها الاستقرار لدولته في محيط مضطرب، فبرزت التنمية اللافتة في كافة المجالات الصناعية والزراعية والطرق والمواصلات. كان من أولويات الجنرال ترتيب إسبانيا اجتماعياً لاعتقاده (أن الإسبان اعتنقوا أفكاراً منقولة من بقية أوروبا)، وعلاجُها هو خلطة تقوم على (دمج المقدرة الإدارية وكفاءة التعليم مع الإيمان الديني المحافظ). وترتيب المؤسسة العسكرية بصفتها الضمانة الأكيدة لاستمرار إسبانيا المنشودة من بعده، لكن بغطاء شرعي دستوري (ولا يتوفر إلاّ في الملكية). اعتُبر هذا الهدف المعلن تعهداً صريحاً من فرانكو بالمحافظة على استمرار عرش (البوربون) في إسبانيا، لكنه وعبر استفتاء برلماني، احتفظ لنفسه بحق اختيار شخص الملك. في لقاء مرتّب بينه وبين الملك المنفي (دون خوان)، قال له وهما يتصافحان: أريد ابنك أن يكون ولياً للعهد ثم ملكاً. رد الملك: الصبي بعد صغير وأنا حيٌ.. لا تستطيع. قال فرانكو: إسبانيا تستطيع.. إن العرش أكبر من الأفراد، وأتوقع منك أن تضحي وترتقي لمستوى الأحداث من أجل ابنك. في اليوم التالي أصدر الجنرال تعليماته: (على الصبي مغادرة أسرته في سويسرا والمجي لإسبانيا والعيش فيها). وعندما حضر الصبي البوربوني ابن الـ16عاماً إلى مدريد، أُدخل الكلية العسكرية (ساراجوس)، ثم أُرسل إلى الكلية البحرية وقضى فيها عاماً، أعقبتها سنة أخرى في كلية الطيران، ثم أدخل كلية أركان حرب ليكون على صلة بحياة الجيش. وبعد أن أنهى تدريباته، ألحقه بجامعة مدريد لدراسة الاقتصاد والعلوم السياسية والقانون والفلسفة. وجرى تكليفه بمتابعة أوجه النشاط الصناعي والاجتماعي والإداري، وطلب منه أن (يتزوج وينجب أطفالاً ليصبح صورة حية ومشرقة للأمة الإسبانية)، فتزوج عام 1962 من الأميرة (صوفيا) ابنة بول ملك اليونان، فولدت له ثلاثة أطفال، بنتين (هيلينا وكريستينا)، وابناً هو (فيليب). هذا الصبي محور المقالة هو الملك (خوان كارلوس) أبو فيليب ملك إسبانيا الحالي..وفرانكو كان عسكرياً وطنياً.