في البدء، نسأل السؤال: هل أن الإمام الحسُين (قُتل61ه)، لو تسلم السُّلطة، حسب فكرة الرَّجعة، التي هي من عقائد الإمامية، سيمنع الغناء والموسيقى، وإن كانت أنشودة للأرض والوطن؟! وإذا خرج المهدي المنتظر، وتسلم الحُكم على الدُّنيا كاملةً - حسب الاعتقاد الشِيعي والسُّني، مع الاختلاف بشخص المنتظر- فهل سيمنع الموسيقى والغناء؟!
إذا كان الأمر كذلك كيف تكون السَّعادة المرتجاة، بلا موسيقى ولا ألحان؟ وهل تستمر في ظل الحكم المفترض الديني، مواكب البكاء والعويل؟ بينما الصُّورة المقدمة عن الحُسين أنه أراد سعادة البشر، والدّنيا في ظل المنتظر مثلها مثل الجنَّةِ، فكيف سيحملان البشر على منع سماع الموسيقى؟! وهي الأساسية للمخلوقات كافة، فالمياه تعزف، والطُّيور تُغني. لذا يكون «الحُسين الذي يكره السَّعادة» ليس الحسين دفين كربلاء، إنما الحُسين الذي نحتوه على قياس تدينهم الهابط، إنه شخصية أخرى تماماً. كان هذا جواب الشَّاب صاحب المقهى، الذي حُكم عليه بالحبس الشَّديد لثلاث سنوات بتهمة الإساءة للأئمة، عندما قيل له: اليوم وفاة الكاظم(183ه)، وكان غير متقيد بالحزن والمشاركة في موكب؟! فأجاب: «هذا كاظمكم وليس كاظمنا»، ويعني الكاظم الذي نحتوا شخصيته على مقاس أفكارهم، وليس الكاظم الذي لا يُحاسب على السُّرور!
نجد الصوفيين يغنون، ومواكب عاشوراء تعزف الموسيقى وتغني، حتى صار التبادل في الألحان بين المغنين والمنشدين الحُسينيين، والكنائس تُغني، والنصوص المُقدسة تُرتل. أي أن عبادة الله نفسها لم تخل مِن اختيار الأصوات الشَّجية لتأديتها، مثلما أن المجالس الحُسينية تختار أشجى الأصوات مِن الخطباء. هذا، ولم نقرأ، منذ سومر وبابل والفراعنة، عن زمن كان خالياً مِن الموسيقى. فكيف مَن يريد سعادة البشر سيُحرمها عليهم، وهي تشفي المرضى وتُقلل من هول الكوارث(إخوان الصفا، رسالة الموسيقى).
حدث بكربلاء (30/7/2019) عند افتتاح «بطولة غرب آسيا» لكُرة القدم، أن عزفت فتاة على الكمان النشيد الوطني العراقي، وقُدمت رقصات تعبيرية عند الافتتاح، فثارت ثورة القوى الدِّينية، بحجة الإخلال بقدسية كربلاء، مع أن المدن قد تكون فيها بقع مقدسة باتفاق النَّاس وليس عقيدةً مُنَزلةً، فالتقديس في القرآن محصور: «الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ»، و«الْوَادِ الْمُقَدَّسِ»، و«الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ»، و«رُوحِ الْقُدُسِ» لا غيرها. فمِن أين أتيتم بعقيدة المدن المقدسة؟! فقياساً، سيتخذون مِن الدُّستور (2005) ذريعةً لجعل العراق كافة أرضاً مقدسةً، ففيه: «موطن الرُّسل والأنبياء ومثوى الأئمة الأطهار»!
ليس للمتأخرين تصور عن حياة الأولين، فالغناء كان معروفاً بمكة قديماً والقدس قديماً وحديثاً، لم يتجمهر المقدسيون ضد أم كلثوم (1931-1935) ولا ضد فيروز. أما صحوة العصر الحديث فنعدها رجعةً إلى العصر الحجري! لا تظنون الذين دافعوا عن العزف في ملعب كربلاء، أنهم يرتضون الفن الهابط، فمثل هذا الفن يتمثل في النَّوادي التي تديرها الأحزاب الدينية خِلسة، وهي تحمي الفن السُّوقي، وليس عزف الكمان والغناء، الذي اشتهر به العراق في ما مضى. يعلم المجتمع الكربلائي، أن قدسية مدينتهم خدشتها اغتيالات مثقفيها، وقتلى الحمايات، وتخلف الخدمات، والمال الذي يمصه الخطاب الدِّيني الكاذب مِن البسطاء.
سبق أن احتج السَّنة 1958 مجموعة من المعممين، ضد احتفال أُقيم بُعيد (14 تموز)، ألقت فيه مُدرسة كلمة، وخلالها نحت العباءة مِن على رأسها، فاحتشد هؤلاء أمام دار متصرف (محافظ) كربلاء فؤاد عارف (ت2010). قال عارف عن معمم هتف أمامه: «إن المرأة شيطان بعينه، إن المرأة أخت الشيطان...»! فأجابه عارف بعد المطالبة برجمها: «إنك أولى بالرِّجم من هذه المُدرسة» (مذكرات فؤاد عارف).
مرَّ على تلك الحادثة (61) عاماً، يومها لم يتأسس بعد «حزب الدَّعوة»، ولا بقية الإسلام السياسي الشيعي، كي تُسيس القضية. لقد تغير الزَّمن، مع أن منطق الإسلام السياسي بالمرأة هو منطق المعمم المذكور نفسه، لذا تكاتفوا على إلغاء قانون «الأحوال الشَّخصية» (2003). أما اليوم صارت تلك القوى في السُّلطة، لذا أصبح احتجاج المسؤول المتدين مخجلاً فإثمه لا يُضاهى إثم الموسيقى، إذا كانت إثماً.
ما هو الأفضل لكربلاء، عزف الكمان أم حثو التراب على الوجوه، والدخول في الوحل. هذا ما تشيعه مرجعية أحد المحتجين المتطرفة ضد العزف الموسيقي.
يذكر الخطيب حسن الكشميري، أنه في ليلة ممطرة، وهو بعمامته السوداء، انقطع به الطريق عند المدائن (1967)، وتوقفت سيارة لم يعرف مَن يقودها، فاكتشف أنها امرأة لم ترتدِ الحجاب، فأوصلته إلى محطة سيارات النّجف، وانتظرته حتى حُلت مشكلته، فالوقت كان متأخراً، فظهرت له أنها المغنية لميعة توفيق (ت1992). ظل متحيراً بين رأيه في أمثالها ومعروفها معه، فقال: «صناعة المعروف له ارتباط بتركيبة الباطن» (جولة في دهاليز مظلمة). بينما قناة دينية، يُختم أحد برامجها بشتم لميعة توفيق، والأخيرة لم تغتصب عقاراً ولم تسرق مالاً ولم تسفك دماً!
أقول: مَن المتجاوز على كربلاء! حماة الفضيلة العابثون بالوطن والدِّين، أم الذين هزوا الرُّوح الوطنية في الجمهور الكربلائي! لكنَّ الموقفَ حُسم لصالح مَن لا يريد لكربلاء البقاء «أرض كرب وبلاء»، المقولة التي جعلوها حديثاً، بينما «الطَّف» كان غيباً، والقرآن يقول: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»(الأنعام:59)، ولم يفوض به بشراً!
إذا كان الأمر كذلك كيف تكون السَّعادة المرتجاة، بلا موسيقى ولا ألحان؟ وهل تستمر في ظل الحكم المفترض الديني، مواكب البكاء والعويل؟ بينما الصُّورة المقدمة عن الحُسين أنه أراد سعادة البشر، والدّنيا في ظل المنتظر مثلها مثل الجنَّةِ، فكيف سيحملان البشر على منع سماع الموسيقى؟! وهي الأساسية للمخلوقات كافة، فالمياه تعزف، والطُّيور تُغني. لذا يكون «الحُسين الذي يكره السَّعادة» ليس الحسين دفين كربلاء، إنما الحُسين الذي نحتوه على قياس تدينهم الهابط، إنه شخصية أخرى تماماً. كان هذا جواب الشَّاب صاحب المقهى، الذي حُكم عليه بالحبس الشَّديد لثلاث سنوات بتهمة الإساءة للأئمة، عندما قيل له: اليوم وفاة الكاظم(183ه)، وكان غير متقيد بالحزن والمشاركة في موكب؟! فأجاب: «هذا كاظمكم وليس كاظمنا»، ويعني الكاظم الذي نحتوا شخصيته على مقاس أفكارهم، وليس الكاظم الذي لا يُحاسب على السُّرور!
نجد الصوفيين يغنون، ومواكب عاشوراء تعزف الموسيقى وتغني، حتى صار التبادل في الألحان بين المغنين والمنشدين الحُسينيين، والكنائس تُغني، والنصوص المُقدسة تُرتل. أي أن عبادة الله نفسها لم تخل مِن اختيار الأصوات الشَّجية لتأديتها، مثلما أن المجالس الحُسينية تختار أشجى الأصوات مِن الخطباء. هذا، ولم نقرأ، منذ سومر وبابل والفراعنة، عن زمن كان خالياً مِن الموسيقى. فكيف مَن يريد سعادة البشر سيُحرمها عليهم، وهي تشفي المرضى وتُقلل من هول الكوارث(إخوان الصفا، رسالة الموسيقى).
حدث بكربلاء (30/7/2019) عند افتتاح «بطولة غرب آسيا» لكُرة القدم، أن عزفت فتاة على الكمان النشيد الوطني العراقي، وقُدمت رقصات تعبيرية عند الافتتاح، فثارت ثورة القوى الدِّينية، بحجة الإخلال بقدسية كربلاء، مع أن المدن قد تكون فيها بقع مقدسة باتفاق النَّاس وليس عقيدةً مُنَزلةً، فالتقديس في القرآن محصور: «الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ»، و«الْوَادِ الْمُقَدَّسِ»، و«الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ»، و«رُوحِ الْقُدُسِ» لا غيرها. فمِن أين أتيتم بعقيدة المدن المقدسة؟! فقياساً، سيتخذون مِن الدُّستور (2005) ذريعةً لجعل العراق كافة أرضاً مقدسةً، ففيه: «موطن الرُّسل والأنبياء ومثوى الأئمة الأطهار»!
ليس للمتأخرين تصور عن حياة الأولين، فالغناء كان معروفاً بمكة قديماً والقدس قديماً وحديثاً، لم يتجمهر المقدسيون ضد أم كلثوم (1931-1935) ولا ضد فيروز. أما صحوة العصر الحديث فنعدها رجعةً إلى العصر الحجري! لا تظنون الذين دافعوا عن العزف في ملعب كربلاء، أنهم يرتضون الفن الهابط، فمثل هذا الفن يتمثل في النَّوادي التي تديرها الأحزاب الدينية خِلسة، وهي تحمي الفن السُّوقي، وليس عزف الكمان والغناء، الذي اشتهر به العراق في ما مضى. يعلم المجتمع الكربلائي، أن قدسية مدينتهم خدشتها اغتيالات مثقفيها، وقتلى الحمايات، وتخلف الخدمات، والمال الذي يمصه الخطاب الدِّيني الكاذب مِن البسطاء.
سبق أن احتج السَّنة 1958 مجموعة من المعممين، ضد احتفال أُقيم بُعيد (14 تموز)، ألقت فيه مُدرسة كلمة، وخلالها نحت العباءة مِن على رأسها، فاحتشد هؤلاء أمام دار متصرف (محافظ) كربلاء فؤاد عارف (ت2010). قال عارف عن معمم هتف أمامه: «إن المرأة شيطان بعينه، إن المرأة أخت الشيطان...»! فأجابه عارف بعد المطالبة برجمها: «إنك أولى بالرِّجم من هذه المُدرسة» (مذكرات فؤاد عارف).
مرَّ على تلك الحادثة (61) عاماً، يومها لم يتأسس بعد «حزب الدَّعوة»، ولا بقية الإسلام السياسي الشيعي، كي تُسيس القضية. لقد تغير الزَّمن، مع أن منطق الإسلام السياسي بالمرأة هو منطق المعمم المذكور نفسه، لذا تكاتفوا على إلغاء قانون «الأحوال الشَّخصية» (2003). أما اليوم صارت تلك القوى في السُّلطة، لذا أصبح احتجاج المسؤول المتدين مخجلاً فإثمه لا يُضاهى إثم الموسيقى، إذا كانت إثماً.
ما هو الأفضل لكربلاء، عزف الكمان أم حثو التراب على الوجوه، والدخول في الوحل. هذا ما تشيعه مرجعية أحد المحتجين المتطرفة ضد العزف الموسيقي.
يذكر الخطيب حسن الكشميري، أنه في ليلة ممطرة، وهو بعمامته السوداء، انقطع به الطريق عند المدائن (1967)، وتوقفت سيارة لم يعرف مَن يقودها، فاكتشف أنها امرأة لم ترتدِ الحجاب، فأوصلته إلى محطة سيارات النّجف، وانتظرته حتى حُلت مشكلته، فالوقت كان متأخراً، فظهرت له أنها المغنية لميعة توفيق (ت1992). ظل متحيراً بين رأيه في أمثالها ومعروفها معه، فقال: «صناعة المعروف له ارتباط بتركيبة الباطن» (جولة في دهاليز مظلمة). بينما قناة دينية، يُختم أحد برامجها بشتم لميعة توفيق، والأخيرة لم تغتصب عقاراً ولم تسرق مالاً ولم تسفك دماً!
أقول: مَن المتجاوز على كربلاء! حماة الفضيلة العابثون بالوطن والدِّين، أم الذين هزوا الرُّوح الوطنية في الجمهور الكربلائي! لكنَّ الموقفَ حُسم لصالح مَن لا يريد لكربلاء البقاء «أرض كرب وبلاء»، المقولة التي جعلوها حديثاً، بينما «الطَّف» كان غيباً، والقرآن يقول: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»(الأنعام:59)، ولم يفوض به بشراً!