«أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية»، هذا ما نص عليه الدستور المغربي، في فصله الـ 41، والذي يخول للملك إدارة السلطة الدينية في المملكة المغربية، وبهذه الصفة يرأس عاهل الدولة الملك محمد السادس، المجلس العلمي الأعلى، الذي يمثل الجهة الرسمية المعتمدة لإصدار الفتاوى وعرض القضايا المهمة، والمستجدة، والتي يُنظر بها استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.
المملكة المغربية التي تضم تقريباً 50 ألف مسجد، وحوالي 110 آلاف شخص من القيمين الدينيين، منهم حوالي 80 ألف ينهضون بمهام الإمامة والخطابة والأذان. - حسب إحصائيات الوزارة الوصية - وفي وقت أصبح معوزاً كل العوز، لانتشال البذور الحزبية، والمصلحية من ساحات المساجد والأروقة الدينية، يقدم الملك محمد السادس، وكالمعهود عنه بإصدار نص تشريعي بالغ الأهمية، ينم عن الإرادة الملكية الحكيمة المتوجهة نحو تكثيف العملية التنظيمية لمهام رجال الدين، وإيضاح الحدود في العملية السياسية، وصولاً لأفضل مستوى في صون ثوابت الأمة، وبناء مجتمع متراص متضامن، متمسك بمقوماته الروحية ومتفتح على روح العصر بعيداً عن كل تعصب ا?و غلو ا?و تطرف، وبخاصة في ظل سعي العاهل المغربي على الدوام بحماية ورعاية كل من يعيش على أرض السلام المغربية الضامنة لحرية الممارسات الشعائرية، والمؤتمنة على حماية الثراء التنوعي فيها.
وقد تضمن النص التشريعي، المنع الصريح للقيمين الدينيين، من أئمة ووعاظ وخطباء، من ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، أو اتخاذ أي موقف يكتسي صبغة سياسية أو نقابية. ويبدو أن الخطوات المغربية تتسارع في دفعها لمشروع النهوض بالحقل الديني، الذي يشرف عليه بكل جدارة واستحقاق العالم المفكر الدكتور أحمد توفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، إذ يعتبر من غير المعقول فسح المجالات للأهداف السياسية أن تحقق من خلال دور العبادة، واستغلال أعمال الجمعيات الخيرية في العملية الانتخابية السياسية «بحت»، لتتخطى مجرد إبداء الرأي في القضايا السياسية، واصلةً إلى موازاة أو معارضة المواقف الرسمية للدولة المغربية، مما يحيد بها عن هدفها المنشود، ويجعل من الساحة السياسية، مبعثرة مضطربة، بدلاً مما وجدت له، ومن أن تسوس مصالح البلاد والعباد.
إن هذه الخطوة تعتبر تشديداً واضحاً على ضرورة تطوير الأئمة لا?دائهم والرقي بمستواهم العلمي والمعرفي، مع ما تتطلبه حماية مهمته، وبما يضمن رفع ما قد يلحقهم من حيف وضرر ا?ثناء ا?و بسبب مزاولتهم لمهامهم.
كما يعتبر هذا القرار خير وسيلة، للوصول لحل صريح لإشكالية الخلط بين «السياسة والدين»، أو «الدين بالسياسة»، وبخاصة بوجود مصطلحات جماعات الإسلام السياسي المتضاربة، والفضفاضة، الخالقة لإشكالية أكبر تعقيداً بين العملية السياسية، و«الدعوية». ويكفي في هذا السياق الإشارة لما أصدرته الاستخبارات الألمانية، مؤخراً من وجود أكثر من 30 مركزاً تابعة لإيران على الأراضي الألمانية، تروج لفكرها وتنشر التشيع لأقصى أفق متاح! ناهيك عن وجود ما يزيد على 1500 جندي قابل للتحريك حسب خيوط اللعبة الخمينية، لنجد من بين أبرز العاملين بها من المغاربة الذين اغتروا بأفكارهم.
قيام الأعمال الحزبية من منطلقات «دينية»، يعتبر خاطئاً وخارجاً، عن العرف المغربي الذي بني نظامه على ثلاث مرتكزات راسخة: إمارة المؤمنين، ونسبه الشريف، وبيعة العلماء، والتي جعلتها على الدوام تنوب عن شعبها المغربي من خلال صلاتها وروابطها الجامعة.
كما أن المغرب في قرارها هذا تبرز عنايتها، لما تعيشه دول العالم من احتياجات ومتطلبات، وبخاصة التطور العالمي في «الحوكمة» المبني على إدارة منهجية علمية، معوزة للاستناد على التحديث والمعاصرة من الوسائل الضامنة لكرامة الإنسان، في ظل دولة الحق والقانون. مما يجعل الخطر المترتب على الدول، واضح المصادر. من محاولات إبراز التداخل بين السياسة والدين، والذي قد يفسد الدور السياسي الهام في بناء الدول. من خلال ما يبثه «المتدينون»، أو «الصحويون»، أو «النهضويون» أثناء محاولاتهم الحثيثة لإبراز السلطة التي يفوضونها لأنفسهم، بزعمهم ممثل «ظل الله على الأرض».
ومن ذلك يجيء القرار الملكي، حاملاً بين طياته الكثير من الضرورات، التي لابد من نشرها عبر قنوات التواصل الاجتماعي لتطال أكبر شريحة من المجتمعات الإسلامية. ابتداء من الدعوة لتجريم الإفتاء الصادر خروجاً عن المؤسسات الرسمية، ومطالبة المجامع الفقهية لتجريم الغلو في التكفير، والدول بملاحقة منظريه.
في هذا السياق لابد من الإشارة لضرورة توحيد خطب الجمعة وترجمتها، ونشرها في الوقت الحقيقي، لإيصال رسالة التسامح وثقافة التعارف بين الشعوب، منتقيةً أبرز المواضيع الهامة والمتزامنة مع المستجدات، والمواضيع الفقهية والاجتماعية، مما يدفع بعملية التجديد المسجدي، بكفاءة عالية. ودون أن تشوبها شائبة فكرية أو مصلحية أو حزبية!
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة