سالم سالمين النعيمي*
ـ ـــــ ــ ـ ــــ
الجهل بالدين واتّباع الهوى في «الفتوى» هو أخطر ما يواجه المجتمعات المسلمة، ويعتبر تحدياً محورياً في حياة الأمة الإسلامية، والعلم بالدين نسبي وليس حكراً على أحد
ـ ــ ـ ـ ـ
سالم سالمين النعيمي*
ـ ـــ ـ ـ
ما قد تفعله الفتوى بمستقبل الشعوب هناك، مثال عليه من التاريخ، جعل الأمة تتخلف عن ركب الحضارة والعلوم، وتأخر ممارسة الطباعة بشكل واسع في العالم العربي، فالخليفة العثماني، مولاي بايزيد الثاني، كان قد أصدر فرماناً مستنداً إلى فتوى دينية تحرم الطباعة على رعاياه المسلمين، كما خول للأقليات حق إنشاء مطابعهم داخل الدولة العثمانية، شريطة عدم استعمال الحروف العربية، حيث صارت لليهود والعرب المسيحيين مطابعهم الخاصة، وأما مشايخ كبرى أقطار العالم العربي لم يكونوا بمنأى عن الموضوع، حيث أصدر بعضهم فتوى بتحريم طباعة الكتب غير الشرعية، وكلمة «فتوى» كلمة عربية وتعني حرفياً الرأي، وأمّا خارج نطاق المعنى اللغوي وفي السياق الديني، فكلمة فتوى تحمل معنى أكبر، وسؤال يحتاج إلى إجابته من وجهة نظر إسلامية، من خلال أن يسأل مرجعاً إسلامياً، أو الرجوع لكتب الفتاوى وتعرف الإجابة باسم «فتوى».
وهنا نرجع للمعضلة الأزلية، وهي أننا مهما تحدثنا عن الرأي البشري بقدسية وتبجيل، وأصرّينا على صحته، فهو رأي بشري يحتمل الخطأ والصواب، حتى وإن أجمع عليه الأغلبية، والقول بأن الإشكالية ستحّل بمجمعّات فقهية ولجان إسلامية دولية، وكسر قيود جمود الفتوى وتقنينها بأكبر قدر ممكن، ومما سيؤدي إلى سدّ العجز وكسرِ حاجزِ الخوفِ من التجديدِ، هو كلام خال من الموضوعية، لكون الفتوى، وإن وضعت لها الشروط، فهي في آخر المطاف رأي، والرأي المخالف له مهما تمّ تحقيره والتقليل من شأنه، إلّا أنه فاعل في شريحة ما في المجتمع، وطالما أن أصل المشكلة لم يتمّ التعامل معه بطريقة غير مألوفة، والخوف من غضب غالبية عموم المسلمين، لن يكون هناك حل، والإسلام كما نعرفه اليوم ينبغي ممارسته بالصورة الصحيحة، ولا يقرر ذلك عن طريق حفنة من الناس فوق النقد والمراجعة والاحتكار للدين لسبب أو لآخر.
وحين يتعلق الأمر بعدد الملتزمين بتعاليم الدين اليوم، فهي نسبة تستدعي أن يدفن المسلمون رؤوسهم في الرمال خجلاً منها، وهم يعيشون في حالة نكران كلي مغاير للواقع، بحجة عدم أو ضعف فهم تشريعات الإسلام، والاستشهاد بالتطبيق الخاطيء للتشريع، وغير ذلك من الأمور التي فهمت خطأً، وطبقت في حياتنا العملية تطبيقاً خاطئاً انحرف كثيراً عن فلسفة التشريع الإسلامي، هي حجة ينافيها حال المسلمين ومصداقية إسلام مشايخ الدين لدى الأجيال الناشئة في العالم الإسلامي، وغياب الإجابة المقنعة عن تساؤل: لماذا تخلّف المسلمون؟
نقول بأن الجهل بالدين واتّباع الهوى في «الفتوى» هو أخطر ما يواجه المجتمعات المسلمة، ويعتبر تحدياً محورياً في حياة الأمة الإسلامية، حيث تعدّ الفتوى شكلاً من أشكال الخطاب الشرعي، والذي يتوجه بالأساس إلى الإجابة عن النوازل المستجدّة المطروحة على المسلمين، حتى تنضبط أمور حياتهم وفق المعيار الشرعي، كذلك يجب القول إن المعيارية الشرعية فضفاضة وغير قابلة للتجربة وأنها نظرية، ولذلك فالغالب في الفتاوى أن تكون مصوغة بشكل استدلالي، لأنّها إجابة على قضية لم تطرح من قبل، أو طرحت من زاوية معينة أو في مجال أو سياق مختصّ، ولهذا يظهر فيها غالباً أثر الاجتهاد، سواءً كان تأسيسياً أو انتقائياً.
والقول إن عدم الجهل بالدين سيحل مشكلة الفتوى، يرد عليه بأن العلم بالدين نسبي وليس حكراً على أحد، ويخضع للرأي والاعتقاد الشخصي لنا أو لمن سبقونا، ولذلك من يفتي بجواز قتل الأطفال والنساء العزّل من غير المسلمين قد يكون شخصاً يحفظ القرآن والسنة، وقد يكون حاملاً لدرجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي!
وتُبنى الفتوى بمفهومها العرفي الموسّع على مكونين: النصي وهو ما جاء به الوحي الإلهي من قرآن وسنة نبوية وإجماع، وهو أصل الخطاب الإسلامي ومنطقه ومرجعيته الثابتة والدائمة، والمكون التأويلي، وهو ما فهمه واستنبطه علماء الإسلام من معانٍ ودلالات نصوص الشرع، وما نتج عن ذلك فكراً أو فقهاً، وهو للبعض الدين الذي وصلنا في الحاضر، والذي تمت صياغته في العصر العباسي، فكل المذاهب والفرق ومفهوم أركان الإسلام والردة والجهاد، وأغلب المفاهيم الكبرى انتقلت من إسلام الدولة العباسية، وجاء بعدهم من أطلقوا على أنفسهم مجددين بنسخ معدلة، مع أنها خالية من التعديل، وجاءت بفهم منقوص وكفرت كل مخالف، وهي ظاهرة تعد من أهم أسباب أزمة الفتوى اليوم.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات
ـ ـــــ ــ ـ ــــ
الجهل بالدين واتّباع الهوى في «الفتوى» هو أخطر ما يواجه المجتمعات المسلمة، ويعتبر تحدياً محورياً في حياة الأمة الإسلامية، والعلم بالدين نسبي وليس حكراً على أحد
ـ ــ ـ ـ ـ
سالم سالمين النعيمي*
ـ ـــ ـ ـ
ما قد تفعله الفتوى بمستقبل الشعوب هناك، مثال عليه من التاريخ، جعل الأمة تتخلف عن ركب الحضارة والعلوم، وتأخر ممارسة الطباعة بشكل واسع في العالم العربي، فالخليفة العثماني، مولاي بايزيد الثاني، كان قد أصدر فرماناً مستنداً إلى فتوى دينية تحرم الطباعة على رعاياه المسلمين، كما خول للأقليات حق إنشاء مطابعهم داخل الدولة العثمانية، شريطة عدم استعمال الحروف العربية، حيث صارت لليهود والعرب المسيحيين مطابعهم الخاصة، وأما مشايخ كبرى أقطار العالم العربي لم يكونوا بمنأى عن الموضوع، حيث أصدر بعضهم فتوى بتحريم طباعة الكتب غير الشرعية، وكلمة «فتوى» كلمة عربية وتعني حرفياً الرأي، وأمّا خارج نطاق المعنى اللغوي وفي السياق الديني، فكلمة فتوى تحمل معنى أكبر، وسؤال يحتاج إلى إجابته من وجهة نظر إسلامية، من خلال أن يسأل مرجعاً إسلامياً، أو الرجوع لكتب الفتاوى وتعرف الإجابة باسم «فتوى».
وهنا نرجع للمعضلة الأزلية، وهي أننا مهما تحدثنا عن الرأي البشري بقدسية وتبجيل، وأصرّينا على صحته، فهو رأي بشري يحتمل الخطأ والصواب، حتى وإن أجمع عليه الأغلبية، والقول بأن الإشكالية ستحّل بمجمعّات فقهية ولجان إسلامية دولية، وكسر قيود جمود الفتوى وتقنينها بأكبر قدر ممكن، ومما سيؤدي إلى سدّ العجز وكسرِ حاجزِ الخوفِ من التجديدِ، هو كلام خال من الموضوعية، لكون الفتوى، وإن وضعت لها الشروط، فهي في آخر المطاف رأي، والرأي المخالف له مهما تمّ تحقيره والتقليل من شأنه، إلّا أنه فاعل في شريحة ما في المجتمع، وطالما أن أصل المشكلة لم يتمّ التعامل معه بطريقة غير مألوفة، والخوف من غضب غالبية عموم المسلمين، لن يكون هناك حل، والإسلام كما نعرفه اليوم ينبغي ممارسته بالصورة الصحيحة، ولا يقرر ذلك عن طريق حفنة من الناس فوق النقد والمراجعة والاحتكار للدين لسبب أو لآخر.
وحين يتعلق الأمر بعدد الملتزمين بتعاليم الدين اليوم، فهي نسبة تستدعي أن يدفن المسلمون رؤوسهم في الرمال خجلاً منها، وهم يعيشون في حالة نكران كلي مغاير للواقع، بحجة عدم أو ضعف فهم تشريعات الإسلام، والاستشهاد بالتطبيق الخاطيء للتشريع، وغير ذلك من الأمور التي فهمت خطأً، وطبقت في حياتنا العملية تطبيقاً خاطئاً انحرف كثيراً عن فلسفة التشريع الإسلامي، هي حجة ينافيها حال المسلمين ومصداقية إسلام مشايخ الدين لدى الأجيال الناشئة في العالم الإسلامي، وغياب الإجابة المقنعة عن تساؤل: لماذا تخلّف المسلمون؟
نقول بأن الجهل بالدين واتّباع الهوى في «الفتوى» هو أخطر ما يواجه المجتمعات المسلمة، ويعتبر تحدياً محورياً في حياة الأمة الإسلامية، حيث تعدّ الفتوى شكلاً من أشكال الخطاب الشرعي، والذي يتوجه بالأساس إلى الإجابة عن النوازل المستجدّة المطروحة على المسلمين، حتى تنضبط أمور حياتهم وفق المعيار الشرعي، كذلك يجب القول إن المعيارية الشرعية فضفاضة وغير قابلة للتجربة وأنها نظرية، ولذلك فالغالب في الفتاوى أن تكون مصوغة بشكل استدلالي، لأنّها إجابة على قضية لم تطرح من قبل، أو طرحت من زاوية معينة أو في مجال أو سياق مختصّ، ولهذا يظهر فيها غالباً أثر الاجتهاد، سواءً كان تأسيسياً أو انتقائياً.
والقول إن عدم الجهل بالدين سيحل مشكلة الفتوى، يرد عليه بأن العلم بالدين نسبي وليس حكراً على أحد، ويخضع للرأي والاعتقاد الشخصي لنا أو لمن سبقونا، ولذلك من يفتي بجواز قتل الأطفال والنساء العزّل من غير المسلمين قد يكون شخصاً يحفظ القرآن والسنة، وقد يكون حاملاً لدرجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي!
وتُبنى الفتوى بمفهومها العرفي الموسّع على مكونين: النصي وهو ما جاء به الوحي الإلهي من قرآن وسنة نبوية وإجماع، وهو أصل الخطاب الإسلامي ومنطقه ومرجعيته الثابتة والدائمة، والمكون التأويلي، وهو ما فهمه واستنبطه علماء الإسلام من معانٍ ودلالات نصوص الشرع، وما نتج عن ذلك فكراً أو فقهاً، وهو للبعض الدين الذي وصلنا في الحاضر، والذي تمت صياغته في العصر العباسي، فكل المذاهب والفرق ومفهوم أركان الإسلام والردة والجهاد، وأغلب المفاهيم الكبرى انتقلت من إسلام الدولة العباسية، وجاء بعدهم من أطلقوا على أنفسهم مجددين بنسخ معدلة، مع أنها خالية من التعديل، وجاءت بفهم منقوص وكفرت كل مخالف، وهي ظاهرة تعد من أهم أسباب أزمة الفتوى اليوم.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات