في يونيو 2018، رفضت الحكومة الإيطالية المنتخبة حديثاً السماح للسفينة «أكواريوس»، التي كانت تقل 600 لاجئ، بالرسو في ميناء إيطالي. ومثلت هذه القصة خبراً غطته صحيفة «كوريير ديلا سيرا» بمقالات تتناوله من مختلف الزوايا وبمختلف العناوين. لكن العنوان الذي أثر حقيقة على القراء جاء في نسخة الصحيفة على الفيسبوك، حيث كان يحمل اسم وزير الداخلية الإيطالي الجديد «ماتيو سالفيني»، وكذلك إعلانه: «إن موانئنا مغلقة أمام السفينة أكواريوس!». وخلصت دراسة جديدة أجراها مشروع «أرينا» التابع لكلية لندن للاقتصاد، وجامعة فينيسيا وصحيفة «كوريير ديلا سيرا» نفسها، إلى أن تلك القصة كانت ثاني موضوع على حساب الصحيفة في الفيسبوك يحصل على أكبر عدد من التعليقات والمشاركات وعلامات الإعجاب وعدم الإعجاب.
وأحدث ذلك الحدث سعادة لدى سالفيني الذي كرر الحيلة بعد أسابيع قليلة، حيث قام بمنع قارب آخر من الرسو في الموانئ الإيطالية. وعندما عارض المدعي العام في «كاتانيا» هذا القرار، بث سالفيني تصريحاً غاضباً مدته 20 دقيقة على الفيسبوك. وعندما نشرت «كوريير» هذا التصريح على صفحتها على الفيسبوك، كان موضع جدل شديد لدرجة أننا وجدنا أنه أصبح أكثر موضوع حول الهجرة ينال أكبر عدد من المشاركات خلال نفس العام.
لم يكن هذا الحدثان، بطبيعة الحال، فريدين من نوعهما. فمنذ انتخابه في عام 2018 كرئيس لرابطة الشمال، المعروفة الآن فقط باسم الرابطة، كان سالفيني يستخدم عمداً لغة مثيرة للجدل، ويشير إلى أحداث أثيرت عمداً للدفع باسمه في العناوين الرئيسية. ومؤخراً، فعل نفس الشيء مرة أخرى، ليس فقط من خلال منع سفينة إنقاذ التقطت بعض الأشخاص كانوا على وشك الغرق، ولكن أيضاً من خلال الدعوة إلى القبض على القبطان الألماني «كارولا راكيت» (31 عاماً).
وقد كُتب الكثير، بما في ذلك ما كتبته أنا، عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على السياسة، لاسيما عن الطريقة التي تنشر بها الخوارزميات المدمجة في فيسبوك ويوتيوب عمداً، لغةً سياسية غاضبة ومتطرفة ومثيرة للاستفزاز. لا يُعرف سوى القليل عن الطريقة التي تتعامل بها وسائل الإعلام الرئيسية مع نفس النوع من اللغة. وحالياً، هناك نوع من الدوامة الشريرة: فالعديد من الصحف، خاصة تلك التي لا تملك قواعد اشتراكات كبيرة، تعتمد على سوق التكنولوجيا الإعلانية، والذي يحقق المزيد من العائدات للصفحات التي تولد المزيد من الجدل وردود الفعل، بغض النظر عن نوعه. وقد تعلم ساسة أمثال سالفيني، المدعومون أحياناً من قبل مواقع إلكترونية حزبية، بالإضافة إلى جيوش من المتابعين الحقيقيين والزائفين، أن يخلق هذا النوع من الجدل. وتشعر الصحف «الرئيسية» بأنه يتعين عليها تغطية ما يقولون، بغض النظر عما إذا كان حقيقياً أم كاذباً، لأنها بحاجة لعائد الإعلانات، ولأنها ستبدو غير ذات صلة بما يجري، مما يخلق حافزاً أكبر لنشر مزيد من التصريحات الفظيعة والأحداث المدبرة، وهكذا.
وقد وجدنا أن تأثير هذه الدوامة الشريرة على الجمهور واضح وصارخ. ففي عام 2018، انتهت أزمة الهجرة بالفعل في إيطاليا. وفي الواقع، تراجعت أعداد المهاجرين القادمين بنحو 87% مقارنة بعام 2015، ويرجع الفضل في ذلك إلى جهود الحكومة الإيطالية السابقة والاتحاد الأوروبي، وهو المؤسسة التي غالباً ما يهاجمها سالفيني. لكن حتى مع تراجع معدلات الهجرة، ارتفع عدد القصص المكتوبة عن الهجرة بشكل كبير. وقد شوه «تأثير سالفيني» الواقع بالفعل، وخلق مستويات جديدة من الجدل والغضب حول قضية اختفت بالفعل.
*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وأحدث ذلك الحدث سعادة لدى سالفيني الذي كرر الحيلة بعد أسابيع قليلة، حيث قام بمنع قارب آخر من الرسو في الموانئ الإيطالية. وعندما عارض المدعي العام في «كاتانيا» هذا القرار، بث سالفيني تصريحاً غاضباً مدته 20 دقيقة على الفيسبوك. وعندما نشرت «كوريير» هذا التصريح على صفحتها على الفيسبوك، كان موضع جدل شديد لدرجة أننا وجدنا أنه أصبح أكثر موضوع حول الهجرة ينال أكبر عدد من المشاركات خلال نفس العام.
لم يكن هذا الحدثان، بطبيعة الحال، فريدين من نوعهما. فمنذ انتخابه في عام 2018 كرئيس لرابطة الشمال، المعروفة الآن فقط باسم الرابطة، كان سالفيني يستخدم عمداً لغة مثيرة للجدل، ويشير إلى أحداث أثيرت عمداً للدفع باسمه في العناوين الرئيسية. ومؤخراً، فعل نفس الشيء مرة أخرى، ليس فقط من خلال منع سفينة إنقاذ التقطت بعض الأشخاص كانوا على وشك الغرق، ولكن أيضاً من خلال الدعوة إلى القبض على القبطان الألماني «كارولا راكيت» (31 عاماً).
وقد كُتب الكثير، بما في ذلك ما كتبته أنا، عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على السياسة، لاسيما عن الطريقة التي تنشر بها الخوارزميات المدمجة في فيسبوك ويوتيوب عمداً، لغةً سياسية غاضبة ومتطرفة ومثيرة للاستفزاز. لا يُعرف سوى القليل عن الطريقة التي تتعامل بها وسائل الإعلام الرئيسية مع نفس النوع من اللغة. وحالياً، هناك نوع من الدوامة الشريرة: فالعديد من الصحف، خاصة تلك التي لا تملك قواعد اشتراكات كبيرة، تعتمد على سوق التكنولوجيا الإعلانية، والذي يحقق المزيد من العائدات للصفحات التي تولد المزيد من الجدل وردود الفعل، بغض النظر عن نوعه. وقد تعلم ساسة أمثال سالفيني، المدعومون أحياناً من قبل مواقع إلكترونية حزبية، بالإضافة إلى جيوش من المتابعين الحقيقيين والزائفين، أن يخلق هذا النوع من الجدل. وتشعر الصحف «الرئيسية» بأنه يتعين عليها تغطية ما يقولون، بغض النظر عما إذا كان حقيقياً أم كاذباً، لأنها بحاجة لعائد الإعلانات، ولأنها ستبدو غير ذات صلة بما يجري، مما يخلق حافزاً أكبر لنشر مزيد من التصريحات الفظيعة والأحداث المدبرة، وهكذا.
وقد وجدنا أن تأثير هذه الدوامة الشريرة على الجمهور واضح وصارخ. ففي عام 2018، انتهت أزمة الهجرة بالفعل في إيطاليا. وفي الواقع، تراجعت أعداد المهاجرين القادمين بنحو 87% مقارنة بعام 2015، ويرجع الفضل في ذلك إلى جهود الحكومة الإيطالية السابقة والاتحاد الأوروبي، وهو المؤسسة التي غالباً ما يهاجمها سالفيني. لكن حتى مع تراجع معدلات الهجرة، ارتفع عدد القصص المكتوبة عن الهجرة بشكل كبير. وقد شوه «تأثير سالفيني» الواقع بالفعل، وخلق مستويات جديدة من الجدل والغضب حول قضية اختفت بالفعل.
*كاتبة متخصصة في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»