ما فهم خصوم العرب والعروبة في المشرق من تراجع الرئيس الأميركي عن الردّ على إسقاط الطائرة الأميركية، إلا أنه خيبة أمل وخذلان لدول الخليج العربي، باعتبار أنها كانت تريد الحرب على إيران! وهذا وهمٌ كبيرٌ، لكنه غير مستغرَب من جانب بعض الجهات الحزبية، ومن ورائها دعاة الخراب والتخريب في منطقتنا. فقد استطاعت السلطات في تلك الدول وعبر ستة عقود وأكثر أن تحقق الاستقرار والتنمية المستدامة، وصنع الازدهار بالدواخل، والانتصار للقضايا العربية والإسلامية بقدر ما تتحمل وتُطيق. والذين يضعون نُصْب أعينهم هذه الأهداف الكبرى لشعوبهم وأمتهم، لا يكون من أولوياتهم شنّ الحروب بالجوار أو حتى في العالم البعيد، لا بالواسطة ولا بشكلٍ مباشر. لذلك فقد كان دأْب السلطات العربية بالخليج الإصرار على أنّ كل المشكلات مع الجوار يجب اللجوء فيها إلى الحوار والتفاوض وتجنُّب النزاعات المسلَّحة، لأنّ النزاع المسلَّح يُهدِّد استقرار الدول، ويُهدّد المقاصد التنموية والعصرية التي تسعى إليها وتحميها بأكثر من الوُسْع والطاقة. فالسلام في دول الرفاه، ودول التقدم العربية وغير العربية هو الأولوية الأعلى في الاعتبار، لاستمرار الإعمار والعمران، وصنع الجديد والمتقدم. لذلك ما فكّر العقلاء منا ولو للحظة أنّ قادة تلك الدول الناجحة يرغبون في شنّ الحرب، أو الإفادة بأي شكلٍ من وقوعها. لذلك وبعد كل هزَّةٍ، وبعد القمم الثلاث بالمملكة، تصدر البيانات التي تنصح الجيران وتدعوهم لحلّ المشكلات بالحوار والتفاوُض. وما يحبه العرب الخليجيون لأنفسهم، يحبونه ويرغبون فيه ويعملون عليه مع أشقائهم. وبذلك نصحوا صدام حسين، ونصحوا بشار الأسد وسائر الرؤساء الذين عانَوا من مشكلاتٍ مع شعوبهم أو مع جوارهم.
هذا السلوك أو هذه السياسة، كانت وما تزال على طرفي نقيض مع سياسات النظام الشمولي الإيراني. ففي الداخل الإيراني مئات المشكلات المتراكمة عبر عقود وعقود. لكنْ بدلاً من الانصراف لحلها بالتنمية الداخلية، وبسياسات حُسْن الجوار، دأبوا على نشر الاضطراب بوساطة ميليشياتهم في الجوار العربي القريب والآخَر البعيد. وإذا كان تناقضهم الرئيس في تصورهم هو مع الولايات المتحدة، فإنهم نادراً ما ردُّوا على الأميركيين، بل عمدوا ويعمدون للتفنن في العداء لجيرانهم، وتخريب الدول والمجتمعات، وعندما يعجزون عن فعل ما فعلوه في العراق وسوريا ولبنان واليمن، تجاه دول الخليج، لا يكفّون عن التحرش والعدوان عليها.
ولننظُرْ ماذا فعلوا باليمن؛ فعبر ثلاث سنوات (2011-2014) حاولت دول الخليج إحلال السلام باليمن، وقدمت إلى جانب الحلول السياسية، مشروعات تنموية للحفاظ على الاستقرار والوحدة. لكنّ الحوثيين الذين ربتْهم إيران من أجل التخريب ببلدهم وبجواره، انقلبوا على الحلّ الذي كانوا قد دخلوا فيه. وها هو هدف الإيرانيين قد انكشف بانصراف جهدهم كلّه إلى العدوان على المملكة العربية السعودية بوساطة الحوثيين، شأن ما فعلوه من قبل مع «حزب الله» و«الحشد الشعبي» و«الجهاد الإسلامي» و«حماس»، في العراق وسوريا ولبنان وغزة. والكل يعلم أنّ جهود الخليجيين في اليمن ما كانت للحفاظ على أمنهم فقط، بل بالدرجة الأُولى لمنع تحكم ميليشيا طائفية باليمن، ولمساعدة اليمنيين على استعادة استقرارهم ووحدتهم.
كل يوم تقريباً ومنذ سنوات، يهدد «نصر الله» ويتوعد ضد السعودية ودول الخليج الأُخرى، ويسكت أركان النظام اللبناني على ذلك بل ويستحسنه بعضهم. فماذا فعلت المملكة؟ استقبلت قائد الجيش اللبناني، وأرسلت وفداً من مجلس الشورى لإقامة العلاقة من دولة لدولة، وقالت بلسان سائر مسؤوليها: ساعدونا لكي نتمكن من مساعدتكم في الخروج من أزماتكم، ولا تُصغوا لنداءات السلاح وأهوال الفتنة. وتاريخنا مع بلدكم منذ عقود يدلكم على النوايا وعلى الأعمال، وعلى الفرق بين ما نعرضُهُ عليكم وما يعرضه الآخرون.
دول الخليج العربية هي القسم الناجح والباقي من نظام الدولة الوطنية بالمنطقة. وقد حققت قفزات كبرى في مجالات التنمية والتقدم، وهي تدخل اليوم مرحلة أخرى باتجاه البناء المستقبلي الذي يعود على مواطنيها بالخير، وعلى سائر المنطقة العربية. وهذه الشهور بالذات حاسمةٌ في قدرتها على المناعة والحماية ومواجهة العدوان، وصون السلام لمصلحتها ومصلحة العرب جميعاً. لا نريد أن نبقى نهباً للإيرانيين وميليشياتهم المسلحة، ولأطماع الآخرين بأرضنا ومصيرنا. ولا شاهد لقدرتنا على الخروج من المأزق إلاّ تجربة دول الخليج في البناء الوطني المنيع، وصنع العروبة الجديدة الناجحة.
*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت
هذا السلوك أو هذه السياسة، كانت وما تزال على طرفي نقيض مع سياسات النظام الشمولي الإيراني. ففي الداخل الإيراني مئات المشكلات المتراكمة عبر عقود وعقود. لكنْ بدلاً من الانصراف لحلها بالتنمية الداخلية، وبسياسات حُسْن الجوار، دأبوا على نشر الاضطراب بوساطة ميليشياتهم في الجوار العربي القريب والآخَر البعيد. وإذا كان تناقضهم الرئيس في تصورهم هو مع الولايات المتحدة، فإنهم نادراً ما ردُّوا على الأميركيين، بل عمدوا ويعمدون للتفنن في العداء لجيرانهم، وتخريب الدول والمجتمعات، وعندما يعجزون عن فعل ما فعلوه في العراق وسوريا ولبنان واليمن، تجاه دول الخليج، لا يكفّون عن التحرش والعدوان عليها.
ولننظُرْ ماذا فعلوا باليمن؛ فعبر ثلاث سنوات (2011-2014) حاولت دول الخليج إحلال السلام باليمن، وقدمت إلى جانب الحلول السياسية، مشروعات تنموية للحفاظ على الاستقرار والوحدة. لكنّ الحوثيين الذين ربتْهم إيران من أجل التخريب ببلدهم وبجواره، انقلبوا على الحلّ الذي كانوا قد دخلوا فيه. وها هو هدف الإيرانيين قد انكشف بانصراف جهدهم كلّه إلى العدوان على المملكة العربية السعودية بوساطة الحوثيين، شأن ما فعلوه من قبل مع «حزب الله» و«الحشد الشعبي» و«الجهاد الإسلامي» و«حماس»، في العراق وسوريا ولبنان وغزة. والكل يعلم أنّ جهود الخليجيين في اليمن ما كانت للحفاظ على أمنهم فقط، بل بالدرجة الأُولى لمنع تحكم ميليشيا طائفية باليمن، ولمساعدة اليمنيين على استعادة استقرارهم ووحدتهم.
كل يوم تقريباً ومنذ سنوات، يهدد «نصر الله» ويتوعد ضد السعودية ودول الخليج الأُخرى، ويسكت أركان النظام اللبناني على ذلك بل ويستحسنه بعضهم. فماذا فعلت المملكة؟ استقبلت قائد الجيش اللبناني، وأرسلت وفداً من مجلس الشورى لإقامة العلاقة من دولة لدولة، وقالت بلسان سائر مسؤوليها: ساعدونا لكي نتمكن من مساعدتكم في الخروج من أزماتكم، ولا تُصغوا لنداءات السلاح وأهوال الفتنة. وتاريخنا مع بلدكم منذ عقود يدلكم على النوايا وعلى الأعمال، وعلى الفرق بين ما نعرضُهُ عليكم وما يعرضه الآخرون.
دول الخليج العربية هي القسم الناجح والباقي من نظام الدولة الوطنية بالمنطقة. وقد حققت قفزات كبرى في مجالات التنمية والتقدم، وهي تدخل اليوم مرحلة أخرى باتجاه البناء المستقبلي الذي يعود على مواطنيها بالخير، وعلى سائر المنطقة العربية. وهذه الشهور بالذات حاسمةٌ في قدرتها على المناعة والحماية ومواجهة العدوان، وصون السلام لمصلحتها ومصلحة العرب جميعاً. لا نريد أن نبقى نهباً للإيرانيين وميليشياتهم المسلحة، ولأطماع الآخرين بأرضنا ومصيرنا. ولا شاهد لقدرتنا على الخروج من المأزق إلاّ تجربة دول الخليج في البناء الوطني المنيع، وصنع العروبة الجديدة الناجحة.
*أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت