هناك فرق بين الرسول والنبي، فالرسول صاحب دعوة ورسالة، وقد تلقى وحياً ليبلغه للناس، وهو يجمع بين النظر والعمل، بين الإعلان والتحقيق، بين الأمر والتنفيذ، كما أنه صاحب الرحلة والارتحال؛ إذا ضاقت عليه الأرض في مكان، فأرض الله واسعة يهاجر إليها: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْض، قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْض اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا». فالرسول نبي وقائد، صاحب رؤية وقيادة. أما النبي فصاحب رؤية فحسب، وهو حامل للمعرفة، يُعلن عنها لكي يستمع إليها من يشاء فيتّبعها أو يرغب عنها. والإعلان عن الحق يهز ويرج ويزلزل، حتى دون تجنيد الناس وقيادة المؤمنين ومواجهة الظلم.
كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً. الرسل معدودون، أما الأنبياء فعددهم كبير جداً. أصحاب الرسالات عددهم محدود، منهم أولو العزم، آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. أما الأنبياء فلا تكاد توجد أمة تخلو منهم؛ فآدم نبي، لأنه تعلم الأسماء، وليس رسولاً إذ لم يكن هناك أحد من البشر لتبليغه رسالةً، ولم يكن غير الملائكة ليخاطبه. أما نوح فنبي ورسول، وكذلك إبراهيم أيضاً. ولا توجد هذه التفرقة في كتب تاريخ الأنبياء وعلم تاريخ الأديان؛ فالكل أنبياء ثاروا على الفساد والظلم، ودعوا إلى التوحيد والاستقامة.
وليس الرسول هو الحواري كما هو الحال في الإنجيل، فمتى ومرقص ولوقا ويوحنا.. ليسوا رسلاً بل حواريين. لم يتلقوا وحياً مثل عيسى، بل استمعوا له أو رووا عنه وبلغوا كلمته ودوّنوها. وليس الرسول هو يشوع في اليهودية، فيشوع هو الذي قاد بني إسرائيل بعد موسى إلى الأرض المقدسة، وحارب الكنعانيين.
ويعتمد البحث في هذا المجال على نوعين من المصادر؛ الأول مصادر علم تاريخ الأديان، وهو في الغالب مصدر غربي في معظمه، خاصةً من ناحية المنهج، رغم مشاركة علماء المسلمين فيه عبر مبحث العقائد المقارنة، وخاصةً في النقد التاريخي للكتب المقدسة، كما نجده عند ابن حزم وابن تيمية. والثاني ما كتبه القدماء في قصص الأنبياء بالاعتماد على المنهج النصي الانتقائي من الكتب المقدسة السابقة أو من القرآن الكريم. ويغلب على قصص الأنبياء الحجاج مع أهل الكتاب، والدفاع عن القصص القرآني. لذلك أصبح هذا العلم أقرب إلى الجدل بين الأديان منه إلى تاريخ الأديان.
ويذكر مؤرخو قصص الأنبياء أولو العزم من الرسل: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد. وهناك غيرهم: إسحاق، ويعقوب، ويونس، ولوط، وإلياس وموسى، وقبله إبراهيم ونوح وآدم، وبعد عيسى كان محمد خاتم الرسل. وهذا يدل على أن محمداً رسول بشخصه وبرسالته، في حين تبرز شخصية موسى ثم شخصية إبراهيم. والآيات الأربع التي ذُكر فيها محمد تركز على رسالته: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ». و«مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ». «وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ». «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ..».

*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة