أبريء الإسلام في كل نصوصه وقيمه من أي اتهام له بالعدوان على عقائد الآخرين، أو الاعتداء عليهم، وأحكامه معلنة ومعروفة، لكنني لا أبريء كل المسلمين في تاريخهم عبر أربعة عشر قرناً وقعت فيها انتهاكات يدينها الإسلام ذاته، والمفجع أن أشدها كان بين المسلمين أنفسهم، فقد استخدم بعضهم الإسلام ستاراً لهم أو حاولوا تسويغ جرائمهم عبر تفسيرات قسرية لنصوص دينية أرادوا فهمها كما يريدون، وما زال إلى اليوم نعاني من الفهم الخاطئ لنصوص الإسلام، ومن الفهم القاصد لتشويه الإسلام، فكل التنظيمات المتطرفة التي تعادي المسلمين والبشرية كلها، تنتحل ما يسوغ جرائمها، وتزعم أنها تدافع عن الإسلام وتتحدث باسمه، ولكنها في الحقيقة تشوه الإسلام، وتقدم خدمة عملية لمن يريدون تقديم الإسلام على أنه دين يحض على القتل، والإرهاب.
إنه لا يخفى على أحد أن الفتوحات الإسلامية التي انطلقت في عهد الخلفاء الراشدين كانت في البدء لتمكين الدولة الناشئة في الجزيرة العربية وتوسعها، ثم لتحرير العراق من الاحتلال الفارسي، وبلاد الشام، والشمال من الاحتلال الروماني ولنشر الدعوة الإسلامية بما حدده كتاب الله، بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يجبر أحد على اعتناق الإسلام قسراً، فالنص القرآني واضح (لا إكراه في الدين) وفي القرآن الكريم عدد من الآيات تؤكد هذا المعنى.
لكن أعداء الإسلام سارعوا في الانقضاض عليه من داخله في ذروة قوته، فكان التفرق والتشتت وظهور العديد من الحركات السياسية التي اتخذت من الدين ذريعة للخروج على وحدة الأمة، فوقعت الفتن التي ما نزال ندفع ثمن ما حدث فيها من اقتتال وفوضى، ولأننا نخشى أن يستمر هذا الصراع فلا نجد له نهاية، ونخاف أن تغرق الأمة في أوحاله، ولا نريد الرد على الإساءة بإساءة مثلها، كي لا يصبح المستقبل مثل الماضي تاريخاً من الإساءات المتبادلة، فإننا نجد الحل الأمثل هو استعادة روح التسامح والعفو والتفاهم، وإقامة الحوار الحكيم الباحث عن الاعتدال والاستقرار.
ولا يمكن للتسامح أن ينجح بين المتخاصمين ما لم يكن متبادلاً، وأن يقوم على استعادة الحقوق وترميم ما استبيح منها، وعلى مفاهيم العدالة الانتقالية التي تضمن لكل صاحب حق حقه، وتؤسس لميثاق وعقد اجتماعي يقوم على العدالة والمساواة وإلغاء أي تمييز بين البشر.
وفي الشأن السياسي وعلاقاتنا السياسية والمدنية مع الآخرين، لابد لنا ولهم من تجاوز أخطاء التاريخ، وأجد في التواصل الكبير الحاصل بيننا وبين الغرب اليوم، فرصة واسعة لإرساء التصالح والتسامح بعد خمسين عاماً ونيف من انتهاء المرحلة الاستعمارية التي طال أمدها في منطقتنا، وقد عبر العرب عن حرصهم على هذا التسامح في كل البلدان التي خضعت للاستعمار الأوروبي، ومثال ذلك حرص سوريا ولبنان والجزائر وتونس على إقامة أفضل العلاقات مع فرنسا فور إعلان الاستقلال، وحرص مصر والسودان وعدد من البلدان العربية التي حكمها الإنجليز على توطيد العلاقة مع بريطانيا، ولا توجد أي مشاعر سيئة لدى العرب ضد الغرب، وقد طالبت ذات يوم في ندوة رسمية في باريس، بأن نوطد مشاعر التسامح بيننا وبين فرنسا (وكانت الندوة تبحث مستقبل العلاقات بيننا) وأن نتجاوز ما حدث منذ الحروب الصليبية التي سماها العرب المسلمون (حروب الفرنجة) كي يستبعدوا الدين منها، فقال لي أحد المثقفين الفرنسيين (عليكم الاعتذار عما فعل عبد الرحمن الغافقي في بواتيه) قلت: نعم، وعليكم كذلك الاعتذار عما فعل فيليب الثاني ثم لويس التاسع وعما فعل الجنرال غورو مطلع القرن العشرين، ولكن من الأفضل أن نقول معاً ما يقول قرآننا الكريم (تلك أمة قد خلت) وأن نؤسس لمستقبل جديد، يتجنب استعادة صراعات التاريخ.
*وزير الثقافة السوري السابق
إنه لا يخفى على أحد أن الفتوحات الإسلامية التي انطلقت في عهد الخلفاء الراشدين كانت في البدء لتمكين الدولة الناشئة في الجزيرة العربية وتوسعها، ثم لتحرير العراق من الاحتلال الفارسي، وبلاد الشام، والشمال من الاحتلال الروماني ولنشر الدعوة الإسلامية بما حدده كتاب الله، بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يجبر أحد على اعتناق الإسلام قسراً، فالنص القرآني واضح (لا إكراه في الدين) وفي القرآن الكريم عدد من الآيات تؤكد هذا المعنى.
لكن أعداء الإسلام سارعوا في الانقضاض عليه من داخله في ذروة قوته، فكان التفرق والتشتت وظهور العديد من الحركات السياسية التي اتخذت من الدين ذريعة للخروج على وحدة الأمة، فوقعت الفتن التي ما نزال ندفع ثمن ما حدث فيها من اقتتال وفوضى، ولأننا نخشى أن يستمر هذا الصراع فلا نجد له نهاية، ونخاف أن تغرق الأمة في أوحاله، ولا نريد الرد على الإساءة بإساءة مثلها، كي لا يصبح المستقبل مثل الماضي تاريخاً من الإساءات المتبادلة، فإننا نجد الحل الأمثل هو استعادة روح التسامح والعفو والتفاهم، وإقامة الحوار الحكيم الباحث عن الاعتدال والاستقرار.
ولا يمكن للتسامح أن ينجح بين المتخاصمين ما لم يكن متبادلاً، وأن يقوم على استعادة الحقوق وترميم ما استبيح منها، وعلى مفاهيم العدالة الانتقالية التي تضمن لكل صاحب حق حقه، وتؤسس لميثاق وعقد اجتماعي يقوم على العدالة والمساواة وإلغاء أي تمييز بين البشر.
وفي الشأن السياسي وعلاقاتنا السياسية والمدنية مع الآخرين، لابد لنا ولهم من تجاوز أخطاء التاريخ، وأجد في التواصل الكبير الحاصل بيننا وبين الغرب اليوم، فرصة واسعة لإرساء التصالح والتسامح بعد خمسين عاماً ونيف من انتهاء المرحلة الاستعمارية التي طال أمدها في منطقتنا، وقد عبر العرب عن حرصهم على هذا التسامح في كل البلدان التي خضعت للاستعمار الأوروبي، ومثال ذلك حرص سوريا ولبنان والجزائر وتونس على إقامة أفضل العلاقات مع فرنسا فور إعلان الاستقلال، وحرص مصر والسودان وعدد من البلدان العربية التي حكمها الإنجليز على توطيد العلاقة مع بريطانيا، ولا توجد أي مشاعر سيئة لدى العرب ضد الغرب، وقد طالبت ذات يوم في ندوة رسمية في باريس، بأن نوطد مشاعر التسامح بيننا وبين فرنسا (وكانت الندوة تبحث مستقبل العلاقات بيننا) وأن نتجاوز ما حدث منذ الحروب الصليبية التي سماها العرب المسلمون (حروب الفرنجة) كي يستبعدوا الدين منها، فقال لي أحد المثقفين الفرنسيين (عليكم الاعتذار عما فعل عبد الرحمن الغافقي في بواتيه) قلت: نعم، وعليكم كذلك الاعتذار عما فعل فيليب الثاني ثم لويس التاسع وعما فعل الجنرال غورو مطلع القرن العشرين، ولكن من الأفضل أن نقول معاً ما يقول قرآننا الكريم (تلك أمة قد خلت) وأن نؤسس لمستقبل جديد، يتجنب استعادة صراعات التاريخ.
*وزير الثقافة السوري السابق