«الإدمان هو الهدف في الحقيقة، وهو ما يستثمر فيه المساهمون في وسائل التواصل الاجتماعي».. وجّه ذلك الاتهام الشهر الماضي السيناتور «الجمهوري» «جوش هاولي» في خطاب بمعهد «هوفر» التابع لجامعة «ستانفورد». وفي حين زعم بعض السياسيين منذ سنوات أن شركات التكنولوجيا العملاقة، مثل «فيسبوك»، تشكل خطراً على الاقتصاد، يزعم «هاولي» أنها خطر علينا نحن كشعب «لأن المجتمع لم يعد قائماً على الحب الشخصي والحقيقي للأسرة، وإنما أضحى عالماً بارداً قائماً على إصدار الأحكام في وسائل التواصل الاجتماعي». وأكّد ذلك في أول خطاب له داخل مجلس الشيوخ في منتصف مايو الماضي.
لكن هل هناك دليل مثبت على مخاوف «هاولي» بشأن التأثيرات الاجتماعية السلبية لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي؟
لا تزال الأبحاث الجارية في مراحلها المبكرة، والنتائج الأولية متباينة. لكن، على الرغم من ذلك، أعتقد أن هناك إجماعاً بدأ يتشكل. فنتائج دراسة حديثة منشورة في الدورية الفصلية «سايكاتريك» والتي أجرتها عالمتا النفس «جيان توينج» و«كيث كامبل» تبدو نموذجية، إذ تظهر ارتباطاً سلبياً هائلاً بين الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي (واستخدام الوسائط الرقمية الأخرى) والرضا عن الحياة بين المراهقين. وبعبارة أخرى، من المرجح أن يكون المفرطون في استخدام وسائل التواصل الرقمية أكثر عرضة، بنسب تتراوح بين 48% و171%، للتعاسة وضعف مستوى الرفاهية أو وجود عوامل انتحارية مثل الاكتئاب أو التفكير في الانتحار أو محاولات انتحارية سابقة، مقارنة مع المستخدمين باعتدال.
وبالطبع، العلاقة ليست سببية، فمن الممكن نظرياً أن يكون المراهقون المكتئبون أكثر ميلاً ببساطة من نظرائهم للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي. والطريقة المثلى لاكتشاف ذلك هو إجراء تجارب، مثل الأدوية، حيث تتم مقارنة نتائج مستخدمين عشوائيين لوسائل التواصل الاجتماعي مع مجموعة أخرى تخضع لاختبارات في ظروف خاصة. وقد فعلت دراسات قليلة ذلك، فعلى سبيل المثال، كشف باحثون من جامعة «بنسلفانيا» في دورية علم النفس السريري والاجتماعي عن نتائج دراستهم لمجموعة من التلاميذ تم اختيارهم عشوائياً ضمن مجموعة واحدة وتم السماح لهم باستخدام محدود جداً لوسائل التواصل الاجتماعي بمعدل 10 دقائق يومياً لكل واحدة من المنصات الثلاث «فيسبوك» و«إنستجرام» و«سنابشات»، بينما تم السماح لمجموعة أخرى باستخدام غير محدود لوسائل التواصل الاجتماعي. وكانت النتيجة: أنه مقارنة بالمجموعة المسموح لها بالاستخدام غير المحدود، «أظهرت المجموعة الأخرى انخفاضاً كبيراً في معدلات الوحدة والاكتئاب في غضون ثلاثة أسابيع».
وبشكل عام، ركّزت الأبحاث حتى الآن على الشباب، للسبب ذاته وهو أننا أشدّ قلقاً بشأن تسويق أي منتج يسبب الإدمان لأبنائنا: فنحن لا نعتبرهم مسؤولين عن عاداتهم ومن ثم تجب حمايتهم من الاستغلال. غير أن كثيراً من البالغين يُقرّون بأنهم قلقون من تأثيرات الاستخدام المفرض لوسائل التواصل الاجتماعي على أنفسهم. وفي عالمي المهني، شاهدت الاستخدام المفرط لموقع «تويتر» يُحطّم سمعة صحافيين مرموقين، ويُضيع أوقاتاً مثمرة لعلماء عظام.
وهذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها الحديث عن تأثيرات سلبية للتكنولوجيا. ولنأخذ الهاتف كمثال. فقبل 150 عاماً تقريباً في وقت اختراع التليفون، زعمت صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 1876 أنه عندما ينتشر الهاتف انتشاراً واسعاً، فإن الناس سيمتنعون عن الخروج إلى الأماكن العامة، وسيؤدي ذلك إلى تفكك مجتمعي. وأوضحت التايمز أن: «الهاتف سيحضر الموسيقى والمواعظ الدينية إلى المنزل، وبالتالي ستفرغ قاعات الحفلات الموسيقية والكنائس»، لافتة إلى أن «الهاتف ربما يكون أداة في يد أعداء الجمهورية».
وقد كان ذلك التنبؤ مبالغاً فيه، مثلما تميل معظم هذه التكهنات، غير أن كثيراً من القراء كبار السنّ سيتذكرون أنه في شبابهم كان بعض الناس شبه معتكفين في منازلهم، يتحدثون لساعات عبر الهاتف.
وكان المنحرفون والمتنمّرون يُجرون اتصالات للمضايقة، في ظاهرة موازية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من دون الكشف عن الهوية فيما يعرف بـ«التصيّد». وكان لدى والديّ هاتف واحد في المنزل بهدف تثبيط السلوكيات غير الاجتماعية والتأكد من أننا كأطفال لن نتحدث إلى غرباء.
فماذا تغيّر مع الهاتف؟ أحرزنا تقدماً، حيث تعلمنا كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بصورة مفيدة. وأصبحت القاعدة هي أننا نحن المسيطرون على الهاتف التقليدي، ولسنا أسرى له!
وهكذا يمكن أن يكون الأمر مع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام. فلا أحد يعتقد أن قضاء بضع دقائق في تصفح موقع تويتر ومعرفة أحدث المستجدات في مجال اهتمامنا، أو استخدام فيسبوك لترتيب أنشطة مع أصدقائنا سيضر بصحتنا العقلية. ومن الملاحظ أيضاً أن «توينج» و«كامبل» توصلا إلى أن المستخدمين باعتدال يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة من غير المستخدمين على الإطلاق. فالمستخدمون باعتدال يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي كمكمل للحياة الواقعية. والمشكلة هي عندما يبدأ الاستخدام المعتدل في التحول إلى استخدام مفرط ويكون بديلاً للعلاقات الإنسانية الحقيقية في حياة البشر.
ويعتقد البعض أن الخصائص المسببة لإدمان وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الاستخدام المفرط حتمياً بالنسبة لكثير من الناس. ويعتقد آخرون مثل «هاولي» أن الشركات تشجع ذلك لأسباب تجارية.
ونظراً لأنه لا يمكنه جعل وسائل التواصل الاجتماعي تختفي، فهدف «هاولي» على الأرجح هو مزيد من الرقابة والإشراف التنظيمي على الشركات. وهناك حل آخر هو أن تقاوم شركات التكنولوجيا طواعية الابتكارات التي تمنح التواصل الاجتماعي خصائص مسببة للإدمان. أو يمكنها فرض ضوابط أخرى على الانتهاكات، مثل حظر مجهولي الهوية، وربما فرض قيود على السن. لكن على الرغم من ذلك هناك حلول أخرى يمتلكها المستخدمون أنفسهم، فعليهم أن يقيدوا بصورة واعية تعرضهم لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ويرشدونه. ويبدأ الأمر بتوجيه سؤال لأنفسهم حول ما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تمثل بديلاً للأشخاص والأشياء التي نُحبها ونقيّمها.
لكن هل هناك دليل مثبت على مخاوف «هاولي» بشأن التأثيرات الاجتماعية السلبية لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي؟
لا تزال الأبحاث الجارية في مراحلها المبكرة، والنتائج الأولية متباينة. لكن، على الرغم من ذلك، أعتقد أن هناك إجماعاً بدأ يتشكل. فنتائج دراسة حديثة منشورة في الدورية الفصلية «سايكاتريك» والتي أجرتها عالمتا النفس «جيان توينج» و«كيث كامبل» تبدو نموذجية، إذ تظهر ارتباطاً سلبياً هائلاً بين الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي (واستخدام الوسائط الرقمية الأخرى) والرضا عن الحياة بين المراهقين. وبعبارة أخرى، من المرجح أن يكون المفرطون في استخدام وسائل التواصل الرقمية أكثر عرضة، بنسب تتراوح بين 48% و171%، للتعاسة وضعف مستوى الرفاهية أو وجود عوامل انتحارية مثل الاكتئاب أو التفكير في الانتحار أو محاولات انتحارية سابقة، مقارنة مع المستخدمين باعتدال.
وبالطبع، العلاقة ليست سببية، فمن الممكن نظرياً أن يكون المراهقون المكتئبون أكثر ميلاً ببساطة من نظرائهم للاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي. والطريقة المثلى لاكتشاف ذلك هو إجراء تجارب، مثل الأدوية، حيث تتم مقارنة نتائج مستخدمين عشوائيين لوسائل التواصل الاجتماعي مع مجموعة أخرى تخضع لاختبارات في ظروف خاصة. وقد فعلت دراسات قليلة ذلك، فعلى سبيل المثال، كشف باحثون من جامعة «بنسلفانيا» في دورية علم النفس السريري والاجتماعي عن نتائج دراستهم لمجموعة من التلاميذ تم اختيارهم عشوائياً ضمن مجموعة واحدة وتم السماح لهم باستخدام محدود جداً لوسائل التواصل الاجتماعي بمعدل 10 دقائق يومياً لكل واحدة من المنصات الثلاث «فيسبوك» و«إنستجرام» و«سنابشات»، بينما تم السماح لمجموعة أخرى باستخدام غير محدود لوسائل التواصل الاجتماعي. وكانت النتيجة: أنه مقارنة بالمجموعة المسموح لها بالاستخدام غير المحدود، «أظهرت المجموعة الأخرى انخفاضاً كبيراً في معدلات الوحدة والاكتئاب في غضون ثلاثة أسابيع».
وبشكل عام، ركّزت الأبحاث حتى الآن على الشباب، للسبب ذاته وهو أننا أشدّ قلقاً بشأن تسويق أي منتج يسبب الإدمان لأبنائنا: فنحن لا نعتبرهم مسؤولين عن عاداتهم ومن ثم تجب حمايتهم من الاستغلال. غير أن كثيراً من البالغين يُقرّون بأنهم قلقون من تأثيرات الاستخدام المفرض لوسائل التواصل الاجتماعي على أنفسهم. وفي عالمي المهني، شاهدت الاستخدام المفرط لموقع «تويتر» يُحطّم سمعة صحافيين مرموقين، ويُضيع أوقاتاً مثمرة لعلماء عظام.
وهذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها الحديث عن تأثيرات سلبية للتكنولوجيا. ولنأخذ الهاتف كمثال. فقبل 150 عاماً تقريباً في وقت اختراع التليفون، زعمت صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 1876 أنه عندما ينتشر الهاتف انتشاراً واسعاً، فإن الناس سيمتنعون عن الخروج إلى الأماكن العامة، وسيؤدي ذلك إلى تفكك مجتمعي. وأوضحت التايمز أن: «الهاتف سيحضر الموسيقى والمواعظ الدينية إلى المنزل، وبالتالي ستفرغ قاعات الحفلات الموسيقية والكنائس»، لافتة إلى أن «الهاتف ربما يكون أداة في يد أعداء الجمهورية».
وقد كان ذلك التنبؤ مبالغاً فيه، مثلما تميل معظم هذه التكهنات، غير أن كثيراً من القراء كبار السنّ سيتذكرون أنه في شبابهم كان بعض الناس شبه معتكفين في منازلهم، يتحدثون لساعات عبر الهاتف.
وكان المنحرفون والمتنمّرون يُجرون اتصالات للمضايقة، في ظاهرة موازية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من دون الكشف عن الهوية فيما يعرف بـ«التصيّد». وكان لدى والديّ هاتف واحد في المنزل بهدف تثبيط السلوكيات غير الاجتماعية والتأكد من أننا كأطفال لن نتحدث إلى غرباء.
فماذا تغيّر مع الهاتف؟ أحرزنا تقدماً، حيث تعلمنا كيفية استخدام هذه التكنولوجيا بصورة مفيدة. وأصبحت القاعدة هي أننا نحن المسيطرون على الهاتف التقليدي، ولسنا أسرى له!
وهكذا يمكن أن يكون الأمر مع وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام. فلا أحد يعتقد أن قضاء بضع دقائق في تصفح موقع تويتر ومعرفة أحدث المستجدات في مجال اهتمامنا، أو استخدام فيسبوك لترتيب أنشطة مع أصدقائنا سيضر بصحتنا العقلية. ومن الملاحظ أيضاً أن «توينج» و«كامبل» توصلا إلى أن المستخدمين باعتدال يميلون إلى أن يكونوا أكثر سعادة من غير المستخدمين على الإطلاق. فالمستخدمون باعتدال يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي كمكمل للحياة الواقعية. والمشكلة هي عندما يبدأ الاستخدام المعتدل في التحول إلى استخدام مفرط ويكون بديلاً للعلاقات الإنسانية الحقيقية في حياة البشر.
ويعتقد البعض أن الخصائص المسببة لإدمان وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الاستخدام المفرط حتمياً بالنسبة لكثير من الناس. ويعتقد آخرون مثل «هاولي» أن الشركات تشجع ذلك لأسباب تجارية.
ونظراً لأنه لا يمكنه جعل وسائل التواصل الاجتماعي تختفي، فهدف «هاولي» على الأرجح هو مزيد من الرقابة والإشراف التنظيمي على الشركات. وهناك حل آخر هو أن تقاوم شركات التكنولوجيا طواعية الابتكارات التي تمنح التواصل الاجتماعي خصائص مسببة للإدمان. أو يمكنها فرض ضوابط أخرى على الانتهاكات، مثل حظر مجهولي الهوية، وربما فرض قيود على السن. لكن على الرغم من ذلك هناك حلول أخرى يمتلكها المستخدمون أنفسهم، فعليهم أن يقيدوا بصورة واعية تعرضهم لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ويرشدونه. ويبدأ الأمر بتوجيه سؤال لأنفسهم حول ما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تمثل بديلاً للأشخاص والأشياء التي نُحبها ونقيّمها.
آرثر بروكس
رئيس معهد «أميركان إنتربرايز»
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»