تمارس الجماعات الدينية المتطرفة نمطاً من «الأبوية» على الأفراد المنتمين إليها بلا توقف، لأنها تعتبر هذا المسلك جزءاً أساسياً من أسباب وجودها واستمرارها، وتتصور أن تهاونها في هذا الأمر يعني تفككها وانهيارها، ولهذا فهي تقوم بأمرين متزامنين لضمان تحصيل ذلك: الأول هو تهيئة الفرد الداخل إليها لتقبل الانقياد أو الانصياع والطاعة العمياء، عبر ملء رأسه بأفكار تنبع من نسق متكامل لديها، تزعم أنه مطلق، أي لا يقبل النقاش والجدل والمساءلة والمراجعة. والثاني هو تدريب هذا الفرد، الذي يعتقد أن إرادته الحرة هي التي قادته إلى الانتماء إلى تلك الجماعات، على تقبل تلك الطاعة، عبر برنامج موضوع بعناية، استفادت منه هذه الجماعات من خبرتها الذاتية تارة، ومن خبرات مثيلاتها عبر التاريخ العربي الإسلامي طوراً، وكذلك التنظيمات الأخرى التي عرفها العالم، وكانت تسيطر عليها أيديولوجيات مصمتة أحادية.
وهذه الجماعات ليست كتلك المتعارف عليها إدارياً، والتي تخضع لهرمية تتسم بالمرونة، وتتطلب وجود نقاش داخلي وصعود الآراء من أسفل إلى أعلى مقابل هبوط الأوامر من أعلى إلى أسفل، إنما هي تنظيمات عقائدية صارمة، يصدر الجالسون على رأسها أوامر لأتباعهم، وليس أمامهم سوى «السمع والطاعة».
وبينما ترى المؤسسات الإدارية والاجتماعية والسياسية الطبيعية أن وجود تغذية ارتجاعية أو مرتدة بين القاع والقمة يسهل عملها، فإن التنظيمات الدينية المتطرفة لا تعتقد في فائدة هذا أصلًا، بل ترى أنه يعطلها عن أداء مهامها، لاسيما إن كانت تمارس عملاً سرياً أو عنيفاً، أو الاثنين معاً.
لهذا لا يكون أمام هذه التنظيمات من سبيل سوى ممارسة «أبوية طاغية»، تبدأ برأس الجماعة أو أميرها أو مرشدها الذي معه «الأبوية الكاملة» ومنه يستمد الصف الأول من القيادات أبويات فرعية، فقائد الشعبة أو الفرقة أو المجموعة أو السرية له أيضاً حق الطاعة، المشروط بقواعد صارمة لا تقبل النقاش أبداً.
ومع هذا يتمتع ذلك النوع من الأبوية بقبول لا يتأتى للأبوية الأسرية أو حتى للأبوية السلطوية، فداخل الأسرة هناك مشاعر وتصورات تجعل الصغير ينتظر عطفاً من الكبير، وداخل النظام السياسي مهما كانت درجة شموليته أو استبداده هناك فهم ومعرفة بالحقوق والواجبات، ولو في حدها الأدنى عند فئات واعية من الشعب، تجعل البعض يتمرد على الأبوية، والكل يفهم أن قبوله لها، إن كان هذا، هو نوع من القهر، أو الخضوع للأمر الواقع، انتظاراً للحظة الانقضاض عليها، أو الانفضاض منها، وتغييرها.
أما داخل التنظيمات الدينية أو الأيديولوجية المتشددة فإن الفرد يعتقد أن تنازله عن حقه في رفض الإملاءات أو الوصاية هو جزء من واجباته حيال التنظيم، تحت شعارات من قبل «الكل في واحد» و«إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم» و«المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله»، دون امتلاك الحق في التساؤل عما إذا كان الأمير أو المرشد جديراً بالطاعة الكاملة أم لا، والأهم ما إذا كان كل ما يراه ويقوله ويأمر به جديراً بالسمع من عدمه.
هذه هي أشد أنواع «الأبويات» ضرراً، لأنها لا تستند بالأساس إلى توهم «الأب» أنه يعرف أكثر، ويغير أكثر على الصالح العام، وينزع دوماً إلى ما فيه الفائدة، فكل هذه، في حالة الأسرة الاجتماعية، أو العائلة، أو حتى الحزب القائم على الزعامة، وكذلك الدولة، قد تكون بالنسبة لأي من الأفراد التابعين، أو بعضهم، مجرد تخرصات أو مزاعم، لكنها ليست كذلك أبداً في حال التنظيمات الدينية، لأنها تلبس لبوس القداسة. فالأب الكبير المزعوم هو وكيل السماء، أو حارس الدين، أو راعي الدعوة، أو المرشد العام لها، أو أمير الجماعة التي تعمل من أجل ما يريده الله، وبالتالي فإن الخروج على هذه الأبوية هو خروج على الدين ومفارقة الجماعة، وفي أقل حالاته هو فسق أو فجور أو تفلت، عواقبه أوخم من عواقب من يتم اتهامه زوراً من قبل الأبوية السياسية العادية بأنه نقص في الوطنية، أو خيانة للوطن.
وهذه الجماعات ليست كتلك المتعارف عليها إدارياً، والتي تخضع لهرمية تتسم بالمرونة، وتتطلب وجود نقاش داخلي وصعود الآراء من أسفل إلى أعلى مقابل هبوط الأوامر من أعلى إلى أسفل، إنما هي تنظيمات عقائدية صارمة، يصدر الجالسون على رأسها أوامر لأتباعهم، وليس أمامهم سوى «السمع والطاعة».
وبينما ترى المؤسسات الإدارية والاجتماعية والسياسية الطبيعية أن وجود تغذية ارتجاعية أو مرتدة بين القاع والقمة يسهل عملها، فإن التنظيمات الدينية المتطرفة لا تعتقد في فائدة هذا أصلًا، بل ترى أنه يعطلها عن أداء مهامها، لاسيما إن كانت تمارس عملاً سرياً أو عنيفاً، أو الاثنين معاً.
لهذا لا يكون أمام هذه التنظيمات من سبيل سوى ممارسة «أبوية طاغية»، تبدأ برأس الجماعة أو أميرها أو مرشدها الذي معه «الأبوية الكاملة» ومنه يستمد الصف الأول من القيادات أبويات فرعية، فقائد الشعبة أو الفرقة أو المجموعة أو السرية له أيضاً حق الطاعة، المشروط بقواعد صارمة لا تقبل النقاش أبداً.
ومع هذا يتمتع ذلك النوع من الأبوية بقبول لا يتأتى للأبوية الأسرية أو حتى للأبوية السلطوية، فداخل الأسرة هناك مشاعر وتصورات تجعل الصغير ينتظر عطفاً من الكبير، وداخل النظام السياسي مهما كانت درجة شموليته أو استبداده هناك فهم ومعرفة بالحقوق والواجبات، ولو في حدها الأدنى عند فئات واعية من الشعب، تجعل البعض يتمرد على الأبوية، والكل يفهم أن قبوله لها، إن كان هذا، هو نوع من القهر، أو الخضوع للأمر الواقع، انتظاراً للحظة الانقضاض عليها، أو الانفضاض منها، وتغييرها.
أما داخل التنظيمات الدينية أو الأيديولوجية المتشددة فإن الفرد يعتقد أن تنازله عن حقه في رفض الإملاءات أو الوصاية هو جزء من واجباته حيال التنظيم، تحت شعارات من قبل «الكل في واحد» و«إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم» و«المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي مغسله»، دون امتلاك الحق في التساؤل عما إذا كان الأمير أو المرشد جديراً بالطاعة الكاملة أم لا، والأهم ما إذا كان كل ما يراه ويقوله ويأمر به جديراً بالسمع من عدمه.
هذه هي أشد أنواع «الأبويات» ضرراً، لأنها لا تستند بالأساس إلى توهم «الأب» أنه يعرف أكثر، ويغير أكثر على الصالح العام، وينزع دوماً إلى ما فيه الفائدة، فكل هذه، في حالة الأسرة الاجتماعية، أو العائلة، أو حتى الحزب القائم على الزعامة، وكذلك الدولة، قد تكون بالنسبة لأي من الأفراد التابعين، أو بعضهم، مجرد تخرصات أو مزاعم، لكنها ليست كذلك أبداً في حال التنظيمات الدينية، لأنها تلبس لبوس القداسة. فالأب الكبير المزعوم هو وكيل السماء، أو حارس الدين، أو راعي الدعوة، أو المرشد العام لها، أو أمير الجماعة التي تعمل من أجل ما يريده الله، وبالتالي فإن الخروج على هذه الأبوية هو خروج على الدين ومفارقة الجماعة، وفي أقل حالاته هو فسق أو فجور أو تفلت، عواقبه أوخم من عواقب من يتم اتهامه زوراً من قبل الأبوية السياسية العادية بأنه نقص في الوطنية، أو خيانة للوطن.