شكّل التغلغل الإيراني في الأوساط الشيعية الخليجية بعد ثورة الخميني عاملاً رئيسياً في خطف المذهب وجعله فارسياً، وأيضاً في نشر الفكر الحركي بين صفوف العوام من الشيعة وخاصةً الشباب، ناهيك عن مهاجمة كبار المرجعيات الشيعية المعتدلة الرافضة لقومية المذهب، والدعوة إلى العنف وإلى تشكيل فصائل شبيهة تماماً بحركة «الإخوان» المسلمين كحركة «الطلائع الإنسانية»، ونقل الفكر من إيران إلى الدول الخليجية، وفي المقابل لم تكن تلك المنظومة تحت الرادار الأمني في دول المنطقة بالصورة المطلوبة لطبيعتها السرية غير التقليدية، وذلك على غرار حركة «الثورة الإسلامية» في الجزيرة العربية و«الجبهة الإسلامية» لتحرير البحرين، وغيرهما من التنظيمات التي كانت تريد إسقاط النظام وكان لكل تنظيم قائد ميداني ومنظّر للحركة، وكان صراع الأجنحة في تلك التنظيمات جاذباً للعديد من الشباب الحالم بدولة إسلامية ُتعيد أمجاد ما سبق، في تربة خصبة منذ السبعينيات.
ولم تكن ثورة الخميني صدفةً عبثيةً بل خطةٌ محكمةٌ لخلق العدو الدائم، وتأجيج الخلافات لظهور تلك الجبهات بقوةٍ إلى جانب الصحوة السنيّة والخطاب السني المتطرّف وخاصة ضد المذهب الشيعي، والشعور بالتهميش من جانب الشيعة وبالمواطنة المنقوصة مما شكّل الخميرة الأساسية لظهور قرن الشيطان لسدّ الفراغ، ويجب أن لا يغيب عن عقل أي مسلم واعٍ كيف تطورت تلك الحركات ومن أين أتى الخميني، وكيف ُهيئت الظروف في الخليج العربي لخلق الصراع الشيعي- السني وما الهدف من كل ذلك؟ لعلّهم يعقلون!-
فكان المال الشيعي الخليجي يذهب للخارج بدلاً من تحسين الظروف الحياتية للشيعة في الداخل، وقد وصل عدد المراكز الشبابية الناشرة للأفكار الثورية في حقبة الثمانينيات بين صفوف المبتعثين الخليجيين والعرب الشيعة في الولايات المتحدة الأميركية إلى 7 مراكز، وما تحقّق في الثمانينيات كانت نتائجه رفض شيعة بعض الدول الخليجية رقابة وإشراف الدولة على الأوقاف الشيعية أسوةً بالأوقاف السنيّة، بحجة أن الوقف من صلاحية المتولي أو الحاكم الشرعي وهو مرجع التقليد حسب فتوى السيستاني، وبالرغم من أن قلّة من علماء الشيعة العرب ممن أيدوا زعامة الخميني وثورته باعتباره فقيهاً ينوب عن المعصوم في الإمامة، فإن الأكثرية من العلماء الشيعة لا ُيسبغون الشرعية إلا على دولة الإمام المعصوم وحده دون سواه، ولذلك طالب الشيعة في إحدى الدول الخليجية أن يكون في الدستور مادةً تنص على الرجوع للمرجعية الشيعية العليا، وما هي الدلالات التي يفهمها الجميع من رفع صور قيادات إيران في مسيرات شيعة بعض الدول الخليجية!
فالشيعي الذي يؤمن بأن الإمام المهدي أمل الشعوب، وينتظر خروج الإمام القائد وظهوره والعمل تحت لوائه، فمع من سيكون ولاؤه؟ هل سيكون مع من يجهزّ لهذا الظهور أم مع الدولة التي ترى أن ذلك أمرٌ غيبيّ ويجب أن لا يشغل المسلم نفسه بذلك! وهل يتّبع الشيعي مرجعيته أم يتّبع دستور دولة يخالف ما تقول به المرجعية؟ فالحوزات العلمية في إيران والعراق والأماكن المقدسة والمرجعيات الكبرى لها مكانة وتقدير عند كل الشيعة في العالم، وهم يأخذون العلم الشرعي من العلماء الثقّات أينما كانوا فالحدود السياسية لا تمنع الاستفادة من علمهم ورأيهم، ولا أحد يعتبر أن أخذ العلم الشرعي من فقيهٍ معتمدٍ خارج البلاد يشكّل تبعيّة سياسية.
لكن السهولة في سوء توظيف البعد الديني لتسييس الدين جعل العوام ضمن نظام طائفي يبرمج تلك المسائل، ويعتبرها من الثوابت، وبالرغم من ذلك فلا ينبغي أن ُيحاسب المذهب كله والطائفة كلها بذلك، وإلّا كان الغرب محقاً في محاسبة كل المسلمين والعرب على تصرفات الإرهابيين والمتطرّفين من المسلمين، مع الإشارة إلى الازدواجية فيما يصرّح به بعض العلماء للعامة مقابل ما يصرّحون به في المجالس الخاصة.
فالمذهب الشيعي يمرّ بنفس الأزمة التي تمرّ بها كل المذاهب والفرق الإسلامية، وما الأحداث الدامية التي وقعت في الخليج العربي من قبل الشيعة، واعتراف العديد ممن اعتقلوا بعد الأحداث بأنهم سافروا إلى إيران وتلّقوا التدريبات في معسكرات «الحرس الثوري»، ومجموعة كتائب «حزب الله» العراقية، وفي معسكرات محليّة كذلك تحت جناح ما ُيسمى «محور المقاومة»، وارتباط الخلايا المتمرّكزة في الخليج العربي بالقيادة المتمرّكزة في إيران ليس سراً.
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات
ولم تكن ثورة الخميني صدفةً عبثيةً بل خطةٌ محكمةٌ لخلق العدو الدائم، وتأجيج الخلافات لظهور تلك الجبهات بقوةٍ إلى جانب الصحوة السنيّة والخطاب السني المتطرّف وخاصة ضد المذهب الشيعي، والشعور بالتهميش من جانب الشيعة وبالمواطنة المنقوصة مما شكّل الخميرة الأساسية لظهور قرن الشيطان لسدّ الفراغ، ويجب أن لا يغيب عن عقل أي مسلم واعٍ كيف تطورت تلك الحركات ومن أين أتى الخميني، وكيف ُهيئت الظروف في الخليج العربي لخلق الصراع الشيعي- السني وما الهدف من كل ذلك؟ لعلّهم يعقلون!-
فكان المال الشيعي الخليجي يذهب للخارج بدلاً من تحسين الظروف الحياتية للشيعة في الداخل، وقد وصل عدد المراكز الشبابية الناشرة للأفكار الثورية في حقبة الثمانينيات بين صفوف المبتعثين الخليجيين والعرب الشيعة في الولايات المتحدة الأميركية إلى 7 مراكز، وما تحقّق في الثمانينيات كانت نتائجه رفض شيعة بعض الدول الخليجية رقابة وإشراف الدولة على الأوقاف الشيعية أسوةً بالأوقاف السنيّة، بحجة أن الوقف من صلاحية المتولي أو الحاكم الشرعي وهو مرجع التقليد حسب فتوى السيستاني، وبالرغم من أن قلّة من علماء الشيعة العرب ممن أيدوا زعامة الخميني وثورته باعتباره فقيهاً ينوب عن المعصوم في الإمامة، فإن الأكثرية من العلماء الشيعة لا ُيسبغون الشرعية إلا على دولة الإمام المعصوم وحده دون سواه، ولذلك طالب الشيعة في إحدى الدول الخليجية أن يكون في الدستور مادةً تنص على الرجوع للمرجعية الشيعية العليا، وما هي الدلالات التي يفهمها الجميع من رفع صور قيادات إيران في مسيرات شيعة بعض الدول الخليجية!
فالشيعي الذي يؤمن بأن الإمام المهدي أمل الشعوب، وينتظر خروج الإمام القائد وظهوره والعمل تحت لوائه، فمع من سيكون ولاؤه؟ هل سيكون مع من يجهزّ لهذا الظهور أم مع الدولة التي ترى أن ذلك أمرٌ غيبيّ ويجب أن لا يشغل المسلم نفسه بذلك! وهل يتّبع الشيعي مرجعيته أم يتّبع دستور دولة يخالف ما تقول به المرجعية؟ فالحوزات العلمية في إيران والعراق والأماكن المقدسة والمرجعيات الكبرى لها مكانة وتقدير عند كل الشيعة في العالم، وهم يأخذون العلم الشرعي من العلماء الثقّات أينما كانوا فالحدود السياسية لا تمنع الاستفادة من علمهم ورأيهم، ولا أحد يعتبر أن أخذ العلم الشرعي من فقيهٍ معتمدٍ خارج البلاد يشكّل تبعيّة سياسية.
لكن السهولة في سوء توظيف البعد الديني لتسييس الدين جعل العوام ضمن نظام طائفي يبرمج تلك المسائل، ويعتبرها من الثوابت، وبالرغم من ذلك فلا ينبغي أن ُيحاسب المذهب كله والطائفة كلها بذلك، وإلّا كان الغرب محقاً في محاسبة كل المسلمين والعرب على تصرفات الإرهابيين والمتطرّفين من المسلمين، مع الإشارة إلى الازدواجية فيما يصرّح به بعض العلماء للعامة مقابل ما يصرّحون به في المجالس الخاصة.
فالمذهب الشيعي يمرّ بنفس الأزمة التي تمرّ بها كل المذاهب والفرق الإسلامية، وما الأحداث الدامية التي وقعت في الخليج العربي من قبل الشيعة، واعتراف العديد ممن اعتقلوا بعد الأحداث بأنهم سافروا إلى إيران وتلّقوا التدريبات في معسكرات «الحرس الثوري»، ومجموعة كتائب «حزب الله» العراقية، وفي معسكرات محليّة كذلك تحت جناح ما ُيسمى «محور المقاومة»، وارتباط الخلايا المتمرّكزة في الخليج العربي بالقيادة المتمرّكزة في إيران ليس سراً.
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات