ضمن موجة ثانية مما عرف سابقاً بـ«الربيع العربي»، يُعاد نشر الكثير من الخطابات والشعارات التي رافقت تلك الحقبة المشؤومة من التاريخ العربي الحديث، حيث كانت الجماهير وغوغائيتها والأصولية وجماعاتها والإرهاب وتنظيماته هي السائدة على المشهد، وهي التي تشكل الضغط السياسي والإعلامي والثقافي، وقد انساق خلف هذا التكتل المؤثر كتابٌ وباحثون ومثقفون تماهوا في تلك الفترة مع كل تلك الطروحات.
بطبيعة الحال تغير كثير منهم اليوم، ففي حين كانوا يستميتون في الدفاع عن «الإخوان» وكل جماعات الإسلام السياسي ويستخدمون المفاهيم الغربية الحديثة وينزلونها على الواقع العربي بشكل متعسفٍ ومضللٍ وينساقون خلف رؤية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلا أنهم عادوا بعد الوعي العربي الجديد الذي يصنف جماعة «الإخوان» جماعة إرهابية ليدعوا شرف الوقوف ضدها في أوجها وعلو موجتها قبل عقدٍ من الزمان تقريباً.
دون اعتذارٍ وبكل بساطة طوى بعضهم صفحةً وتنظيراً ومواقف متحمسة وبدأ صفحة مناقضة لها فقط لأن الظروف السياسية تغيرت ودخل على معادلة الشعبوية معادلات أكبر وأبلغ تأثيراً، ولم يكلف الكثير منهم نفسه مهمة الشرح والتفسير لمن يقرأ له أو يهتم بحديثه لماذا كانت هذه التقلبات؟
ذلك الزخم المحتدم في تلك المرحلة، الداعم للفوضى والرافض لاستقرار الدولة بدأ يجد لنفسه مكاناً مهماً ومؤثراً في الإعلام العربي، مقروءاً ومسموعاً وفضائياً، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتمي لخطاب الجماهير وليس النخب كما يفترض بالأولى، وبدأ الجميع يسمع نفس الخطاب وذات المفردات التي كانت تستخدم آنذاك في تغطية أحداث مصر وتونس وليبيا تتكرر اليوم في تغطية أحداث الجزائر والسودان وليبيا.
مفهوم أن تتم استعادة تلك المفردات وذلك الخطاب من وسائل إعلامٍ قطرية أو تركية أو «إخوانية» لأنها كانت المستفيد الأكبر من تلك الفوضى المدمرة والأصولية المنتعشة حينها فهي تسعى لاستعادة مكانتها وتأثيرها، ومفهوم أن التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للجماهير لأنها لا تتعلم من أخطائها، ولأنها تلدغ من الجحر نفسه مراراً وتكراراً فهذه طبيعتها، وهذه ضمن توصيفاتها العلمية، ولكن غير المفهوم أن تعيد بعض النخب الوقوع في الفخ مرتين في أقل من عقدٍ من الزمان.
خطورة هذا الخطاب الذي بدأ يتسلل مجدداً إلى وسائل الإعلام، ويظهر في التحليل السياسي والكتابات العامة، هو أنه يدفع باتجاه كارثةٍ جديدةٍ صرفت المليارات لتنظيف تلك التركة البشعة من قبل دول الاعتدال العربي، وصرفت تلك الدول من رصيدها السياسي مواقف حازمةٍ وتاريخية لإنقاذ الموقف وتعديل مسار التاريخ بعد انحرافه.
كيف يعقل أنه بعد كل هذا الجهد الجهيد والسياسة الحكيمة والقرارات الصارمة أن نعمل على إحباط ذلك كله وإعادة المشهد إلى المربع الأول؟ كيف يمكن أن نخدع ثانيةً بعدما تكشفت حقائق ذلك الربيع المشؤوم، وأدركنا من يقف وراءه، ومن خطط له، وأكثر من هذا، من الذي استفاد منه؟
لم تنته معارك الربيع المشؤوم بعد، في الإرهاب بمصر، والأصولية بتونس، والميليشيات المسلحة في ليبيا، والعمل المنظم في السودان الجديد، وهو وإنْ هُزم فإنه لم يزل له آثار لم تنته بعد، فكيف بعد هذا كله يتم دعم موجةٍ جديدةٍ من ذلك الربيع المشؤوم، ويتم دعم «استقرار الفوضى» والانسياق الأعمى خلف الجماهير والشعارات والخرافات السياسية والأيديولوجية؟
أخيراً، فالاعتراف بخطأ التحليل السياسي هو اعتراف مفيدٌ للثقافة والإعلام والسياسة والمجتمع، وفائدته في منح القدرة على تجاوزه والبناء عليه في المستقبل، ولكن الأكثرية ممن انساقوا خلف ذلك الربيع المشؤوم لم تعترف، ولم تعتذر وبالتالي فهي مؤهلة لإعادة الكرّة مرةً بعد مرةٍ، وهو ما تجري بوادره اليوم للأسف الشديد.
بطبيعة الحال تغير كثير منهم اليوم، ففي حين كانوا يستميتون في الدفاع عن «الإخوان» وكل جماعات الإسلام السياسي ويستخدمون المفاهيم الغربية الحديثة وينزلونها على الواقع العربي بشكل متعسفٍ ومضللٍ وينساقون خلف رؤية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلا أنهم عادوا بعد الوعي العربي الجديد الذي يصنف جماعة «الإخوان» جماعة إرهابية ليدعوا شرف الوقوف ضدها في أوجها وعلو موجتها قبل عقدٍ من الزمان تقريباً.
دون اعتذارٍ وبكل بساطة طوى بعضهم صفحةً وتنظيراً ومواقف متحمسة وبدأ صفحة مناقضة لها فقط لأن الظروف السياسية تغيرت ودخل على معادلة الشعبوية معادلات أكبر وأبلغ تأثيراً، ولم يكلف الكثير منهم نفسه مهمة الشرح والتفسير لمن يقرأ له أو يهتم بحديثه لماذا كانت هذه التقلبات؟
ذلك الزخم المحتدم في تلك المرحلة، الداعم للفوضى والرافض لاستقرار الدولة بدأ يجد لنفسه مكاناً مهماً ومؤثراً في الإعلام العربي، مقروءاً ومسموعاً وفضائياً، فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتمي لخطاب الجماهير وليس النخب كما يفترض بالأولى، وبدأ الجميع يسمع نفس الخطاب وذات المفردات التي كانت تستخدم آنذاك في تغطية أحداث مصر وتونس وليبيا تتكرر اليوم في تغطية أحداث الجزائر والسودان وليبيا.
مفهوم أن تتم استعادة تلك المفردات وذلك الخطاب من وسائل إعلامٍ قطرية أو تركية أو «إخوانية» لأنها كانت المستفيد الأكبر من تلك الفوضى المدمرة والأصولية المنتعشة حينها فهي تسعى لاستعادة مكانتها وتأثيرها، ومفهوم أن التاريخ يعيد نفسه بالنسبة للجماهير لأنها لا تتعلم من أخطائها، ولأنها تلدغ من الجحر نفسه مراراً وتكراراً فهذه طبيعتها، وهذه ضمن توصيفاتها العلمية، ولكن غير المفهوم أن تعيد بعض النخب الوقوع في الفخ مرتين في أقل من عقدٍ من الزمان.
خطورة هذا الخطاب الذي بدأ يتسلل مجدداً إلى وسائل الإعلام، ويظهر في التحليل السياسي والكتابات العامة، هو أنه يدفع باتجاه كارثةٍ جديدةٍ صرفت المليارات لتنظيف تلك التركة البشعة من قبل دول الاعتدال العربي، وصرفت تلك الدول من رصيدها السياسي مواقف حازمةٍ وتاريخية لإنقاذ الموقف وتعديل مسار التاريخ بعد انحرافه.
كيف يعقل أنه بعد كل هذا الجهد الجهيد والسياسة الحكيمة والقرارات الصارمة أن نعمل على إحباط ذلك كله وإعادة المشهد إلى المربع الأول؟ كيف يمكن أن نخدع ثانيةً بعدما تكشفت حقائق ذلك الربيع المشؤوم، وأدركنا من يقف وراءه، ومن خطط له، وأكثر من هذا، من الذي استفاد منه؟
لم تنته معارك الربيع المشؤوم بعد، في الإرهاب بمصر، والأصولية بتونس، والميليشيات المسلحة في ليبيا، والعمل المنظم في السودان الجديد، وهو وإنْ هُزم فإنه لم يزل له آثار لم تنته بعد، فكيف بعد هذا كله يتم دعم موجةٍ جديدةٍ من ذلك الربيع المشؤوم، ويتم دعم «استقرار الفوضى» والانسياق الأعمى خلف الجماهير والشعارات والخرافات السياسية والأيديولوجية؟
أخيراً، فالاعتراف بخطأ التحليل السياسي هو اعتراف مفيدٌ للثقافة والإعلام والسياسة والمجتمع، وفائدته في منح القدرة على تجاوزه والبناء عليه في المستقبل، ولكن الأكثرية ممن انساقوا خلف ذلك الربيع المشؤوم لم تعترف، ولم تعتذر وبالتالي فهي مؤهلة لإعادة الكرّة مرةً بعد مرةٍ، وهو ما تجري بوادره اليوم للأسف الشديد.