دخل الذهب بقوة في حروب عالمية للتجارة والعملات، وتداعياتها على سعر النفط، كونه سلعة استراتيجية في الاقتصاد العالمي. والتركيز على «المعدن الأصفر»، لأنه «ملاذ آمن» للمستثمرين ومدخراتهم، وكذلك لاحتياطات الدول في بنوكها المركزية، في ظل توترات «جيوسياسية» واضطرابات أمنية في مناطق عدة من العالم. وإذا كان للذهب بريقه الذي يخطف الأبصار، ويتم شراؤه كسلعة فاخرة و«زينة» للرفاهية الاجتماعية، فإن اقتناءه يأتي تلبيةً للغريزة الأكثر عمقاً وتجذراً في النفس البشرية على مدى التاريخ. أما جاذبيته الكبيرة لدى المستثمرين، فهي تكمن في النظرة إليه كأصل «استراتيجي»، ومن أكثر الأصول التي تلعب أدواراً أساسية في أية محفظة استثمارية.
يصادف العام الحالي مرور 75 عاماً على توقيع اتفاقية «بروتون وودز» عام 1944، والتي تم بموجبها إنشاء نظام تسعير العملات للدول المتقدمة اقتصادياً مقابل الدولار وسعر محدد من الذهب، وأصبحت العملة الأميركية عملة الاحتياط، والتزمت الولايات المتحدة بضمان تغيير قيمتها بوزن معين من الذهب للدول الحائزة للدولار متى اقتضت الحاجة، لكن يبدو أن هذه الاتفاقية لم تدرك في حينها احتمال عدم قدرة أميركا على تغطية الاحتياطات «الدولارية» المتراكمة لهذه الدول، وقد حصل ذلك عام 1971 عندما قامت ألمانيا الغربية وفرنسا باستبدالهما الذهب باحتياطات الدولار، واضطرت واشنطن إلى التخلي عن التزاماتها، وحصل ما سمي «صدمة نيكسون»، بإعلان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب.
قبل الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة، كان سعر أونصة الذهب في عام 2007 نحو 750 دولاراً، وبدأ ارتفاعه متأثراً بالأزمة وتداعياتها، حتى وصل الذروة في سبتمبر 2011 عندما بلغ 1875 دولاراً، وظل محتفظاً بمستوياته العالية حتى منتصف 2013، ولكنه تراجع بين عامي 2014 – 2016 إلى ما بين 1200 و1060 دولاراً حسب تطور العرض والطلب، ثم عاد إلى الارتفاع في السنوات الأخيرة حتى بلغ في الأسبوع الماضي نحو 1328 دولاراً.
بالإضافة إلى ما أظهرته أزمة 2008، على أن السيولة تشكل مخاطر عالية بالنسبة لكل المستثمرين، كذلك للبنوك المركزية، جاءت التطورات «الجيوسياسية»، وحرب التجارة التي رافقها حرب العملات، بقيام عدد من الدول بقيادة الصين وروسيا، بتقليص اعتمادها على الدولار والتحول إلى الذهب كونه «الملاذ الآمن»، لذلك حصل الإقبال الكبير، وتوسعت دوائر المشترين لتشمل إقبالاً من تركيا والأرجنتين والهند وإندونيسيا والفلبين وتايلاند، وبولندا والمجر، لتنويع احتياطياتها، وحسب أرقام مجلس الذهب العالمي، بلغت مشتريات البنوك المركزية في الفصل الأول من العام الحالي 145.5 طن، بارتفاع بنسبة 68 في المئة على أساس سنوي، ويأتي ذلك في أعقاب مشتريات قدرها 651.5 طن في العام الماضي، وهي الأكبر منذ عام 1967، ويتوقع المجلس أن تتجاوز مشترياتها في العام الحالي الـ 500 طن، وقد تصل إلى 600 طن، بالنظر للطبيعة الإستراتيجية لهذه البنوك، مع العلم أن في خزائنها نحو 30 ألف طن، يعود 70 في المئة منها إلى 7 دول فقط (الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، روسيا، الصين، وسويسرا). ولكن اللافت والأبرز أن روسيا اشترت في العام الماضي 274 طناً، وهو رقم قياسي وغير مسبوق، مقابل تسييل ما كان بحوزتها من سندات خزانة أميركية، الأمر الذي جعلها تقترب من مخزون كان لدى الاتحاد السوفييتي قبل انهياره عام 1990. وفي حال استمرت بالشراء قد تصل إلى مستوى فرنسا التي لديها رابع أكبر مخزون للذهب في العالم.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية
يصادف العام الحالي مرور 75 عاماً على توقيع اتفاقية «بروتون وودز» عام 1944، والتي تم بموجبها إنشاء نظام تسعير العملات للدول المتقدمة اقتصادياً مقابل الدولار وسعر محدد من الذهب، وأصبحت العملة الأميركية عملة الاحتياط، والتزمت الولايات المتحدة بضمان تغيير قيمتها بوزن معين من الذهب للدول الحائزة للدولار متى اقتضت الحاجة، لكن يبدو أن هذه الاتفاقية لم تدرك في حينها احتمال عدم قدرة أميركا على تغطية الاحتياطات «الدولارية» المتراكمة لهذه الدول، وقد حصل ذلك عام 1971 عندما قامت ألمانيا الغربية وفرنسا باستبدالهما الذهب باحتياطات الدولار، واضطرت واشنطن إلى التخلي عن التزاماتها، وحصل ما سمي «صدمة نيكسون»، بإعلان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار إلى الذهب.
قبل الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة، كان سعر أونصة الذهب في عام 2007 نحو 750 دولاراً، وبدأ ارتفاعه متأثراً بالأزمة وتداعياتها، حتى وصل الذروة في سبتمبر 2011 عندما بلغ 1875 دولاراً، وظل محتفظاً بمستوياته العالية حتى منتصف 2013، ولكنه تراجع بين عامي 2014 – 2016 إلى ما بين 1200 و1060 دولاراً حسب تطور العرض والطلب، ثم عاد إلى الارتفاع في السنوات الأخيرة حتى بلغ في الأسبوع الماضي نحو 1328 دولاراً.
بالإضافة إلى ما أظهرته أزمة 2008، على أن السيولة تشكل مخاطر عالية بالنسبة لكل المستثمرين، كذلك للبنوك المركزية، جاءت التطورات «الجيوسياسية»، وحرب التجارة التي رافقها حرب العملات، بقيام عدد من الدول بقيادة الصين وروسيا، بتقليص اعتمادها على الدولار والتحول إلى الذهب كونه «الملاذ الآمن»، لذلك حصل الإقبال الكبير، وتوسعت دوائر المشترين لتشمل إقبالاً من تركيا والأرجنتين والهند وإندونيسيا والفلبين وتايلاند، وبولندا والمجر، لتنويع احتياطياتها، وحسب أرقام مجلس الذهب العالمي، بلغت مشتريات البنوك المركزية في الفصل الأول من العام الحالي 145.5 طن، بارتفاع بنسبة 68 في المئة على أساس سنوي، ويأتي ذلك في أعقاب مشتريات قدرها 651.5 طن في العام الماضي، وهي الأكبر منذ عام 1967، ويتوقع المجلس أن تتجاوز مشترياتها في العام الحالي الـ 500 طن، وقد تصل إلى 600 طن، بالنظر للطبيعة الإستراتيجية لهذه البنوك، مع العلم أن في خزائنها نحو 30 ألف طن، يعود 70 في المئة منها إلى 7 دول فقط (الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، روسيا، الصين، وسويسرا). ولكن اللافت والأبرز أن روسيا اشترت في العام الماضي 274 طناً، وهو رقم قياسي وغير مسبوق، مقابل تسييل ما كان بحوزتها من سندات خزانة أميركية، الأمر الذي جعلها تقترب من مخزون كان لدى الاتحاد السوفييتي قبل انهياره عام 1990. وفي حال استمرت بالشراء قد تصل إلى مستوى فرنسا التي لديها رابع أكبر مخزون للذهب في العالم.
*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية