العثور على نبتة هليون برية تنمو بالقرب من أشجار اللوز التي يملكها، أمر يبعث السرور في قلب المزارع الإسباني خوان غارسيا تشاكون. ذلك أن نمو النباتات الطبيعية دليلٌ على أن استراتيجيات المزرعة بدأت تنجح.
تشاكون، الذي ترك وظيفته كسائق سيارات تجارب العام الماضي من أجل ممارسة الزراعة إلى جانب والده المتقاعد، واحد من بين مزارعين كثيرين عبر منطقة الأندلس الإسبانية يعملون على إيجاد ممارسات زراعية جديدة من أجل التصدي لرياح التغير المناخي الجافة. ويقول بقناعة كبيرة: «لقد تميز عامي الأول ببضعة أشجار لوز والكثير من الأمل».
ويعتقد خبراءُ تغير المناخ أن ثلثي إسبانيا عرضة لزحف التصحر وتآكل التربة السريع. ونظراً لخليط من العوامل الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية، يُعتبر هذا البلد المتوسطي الأشد تأثراً بتدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة من الاتحاد الأوروبي. ولهذا، أخذ مزارعون مثل تشاكون يلجؤون إلى الزراعة المتجددة في محاولة لإعادة إحياء الحقول والاقتصادات والمجتمعات المحلية.
ويقول تشاكون: «يجب أن أترك هذه الأرض في أفضل حالة ممكنة»، مضيفاً: «إذا لم أتخذ بعض الخطوات البسيطة، فسنخسر هذه الأرض أمام التآكل ونخسر أشجار اللوز.. وسنترك الجيل المقبل من دون مكان للعيش أو العمل».
وزرعت عائلة تشاكون أشجار اللوز خلال العقود الأربعة الماضية. وعلى غرار كثيرين في هذه المنطقة، فقد كانوا يركزون على زراعة الحبوب، وكانوا يزرعون أشجار اللوز على حدود حقولهم فقط. لكن ذلك تغير عندما أدركوا الإمكانيات التجارية الكبيرة، في الداخل والخارج، للوز الذي يُستخدم بشكل كبير في الحلويات الإسبانية.
وتُعد إسبانيا اليوم ثالثَ أكبر منتج للوز في العالم بعد أستراليا والولايات المتحدة، التي تُعد أكبر منتج عالمي بهامش كبير. وكان ارتفاع الأسعار، إضافة إلى معرفة أن مواطنيهم كثيراً ما يستهلكون لوز كاليفورنيا بدلاً من المنتجات المحلية، دفع العديدَ من المزارعين الإسبان إلى الاستثمار في اللوز.
جودة تربة الـ21 هكتاراً التي تملكها عائلة تشاكون مشجعة، فهي تربة مختلطة؛ رمادية شاحبة في بعض الأماكن، وحمراء غنية بالحديد في أماكن أخرى. ونوعية أشجار اللوز التي تنمو هنا تزهر في مارس بدلاً من الفترة بين نوفمبر وفبراير. وتحتاج أشجار اللوز للبرد من أجل الازدهار، لكن صقيعاً قاسياً قد يدمر ثمرتها الهشة والحساسة.
غير أن تغير المناخ، مقروناً بتآكل التربة، يهدد بتغيير ذلك النمط، ليس بالنسبة لمحصول اللوز فقط، ولكن بالنسبة لسلة الثمار في إسبانيا عموماً، حيث معظم الأرض شبه قاحلة مع فصول شتاء باردة بشكل قارس وفصول صيف حارة.
في منطقة الأندلس الجنوبية، وهي الأكثر كثافة سكانياً في البلاد بمساحة تعادل مساحة إيرلندا، تتراوح تقييمات خطر التصحر بين مرتفع ومرتفع جداً. وفي حال تحققت السيناريوهات الأسوأ بخصوص تغير المناخ –مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية بـ5 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل المرحلة الصناعية، مقابل هدف اتفاق باريس للمناخ متمثلاً في ارتفاع يتراوح بين 1.5 و2.7 درجة، فإن كل جنوب إسبانيا سيصبح عبارة عن صحراء. وقد اعترفت السلطات المحلية بالتهديد وأولت الأولوية لجهود محاربة التصحر في 1989. في بعض المناطق من جنوب شرق إسبانيا، تُخسر 80 طناً من التربة في الهكتار الواحد سنويا بسبب تآكل التربة. وحتى الآن، خضع نحو 5 في المئة من كل الأراضي الزراعية الإسبانية لدرجة من التآكل الذي يوصف بأنه نهائي.
والواقع أن الزراعة ليست المحرك الرئيسي للاقتصاد الإسباني. ذلك أنها تشغّل أقل من 2 في المئة من القوة العاملة الإسبانية وتمثّل أقل من 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. لكنها تظل مهمة، فداخل الاتحاد الأوروبي تعتبر فرنسا الوحيدة التي تخصص مزيداً من أراضيها للزراعة. هذا في حين تحتل إسبانيا المرتبة الأولى في الزراعة العضوية داخل التكتل، وتُعد من بين الخمسة الأوائل في العالم. وتمثّل الأندلس نفسُها نصفَ إنتاج إسبانيا الإيكولوجي.
وقد ارتفعت معدلات الحرارة في إسبانيا بسرعة أكبر منها في مناطق أخرى من أوروبا، ما دفع بعض مزارعي اللوز المحليين إلى الانتقال إلى شجرة الفستق. ففي بعض الأجزاء من جنوب إسبانيا، يمكن أن ترتفع درجات الحرارة بـ6 درجات مئوية بحلول 2050 بدلاً من المعدل المتوقع البالغ درجتين.
ويعترف تشاكون بأن زراعة اللوز صعبة، وأن النجاح أو الفشل يمكن أن يتوقف على درجة مئوية واحدة، وهو الفرق الطفيف بين درجتي صفر وتحت الصفر التي تظهر حتى داخل أرضه. وقال وهو يفتح برعم لوز أخضر ليكشف عن أحشاء بنية متضررة: «هذه السنة كانت ثمة أمطار خفيفة أتت في وقتها، لكننا عانينا من صقيع قوي في نهاية مارس».
*صحفي متخصص في الشؤون الأوروبية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»