منطقة «وادي السيليكون» المشهورة باحتضانها كبريات شركات التكنولوجيا والابتكار، بشعارها «لنجعل العالم مكاناً أفضل»، هل سيأتي يوم تتبنى فيه «نزعة قومية»؟ الواقع أن هذه النزعة قد تكون الحجة الأكثر قوة وإقناعاً التي تمتلكها شركات التكنولوجيا ضد التقنين والتفكيك، إذ يستطيع مسؤولو «جوجل» و«فيسبوك» أن يقولوا إنهم يمثلون أداة أميركية مهمة في معركة متصاعدة مع الصين على التفوق والهيمنة التكنولوجيين.
وقد أثارت سيريل ساندبرج المديرة التشغيلية لـ«فيسبوك» موضوع الصين في مقابلة معها الأسبوع الماضي، حيث أشارت إلى أن الصين لن تقوم بتفكيك شركاتها التكنولوجية الكبرى – في إشارة ضمنية إلى أن تفكيك «فيسبوك» سيشكل إضعافاً للولايات المتحدة في تنافسها التكنولوجي مع الصين.
وعلى علاقة بازدياد حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، تقوم «جوجل» بتقييد ولوج شركة «هواوي» لنظامها التشغيلي «أندرويد»، قائلة «إننا نمتثل لأمر (إدارة ترامب)» الذي يمنع على الشركات الأميركية البيع ل«هواوي» من دون ترخيص حكومي. وبالطبع، تقوم الصين منذ مدة بتقييد دخول «فيسبوك» و«جوجل» إلى سوقها، ما يجعل من السهل على الشركتين اختيار خندقهما.
وإذا كانت شركات التكنولوجيا الكبيرة تعتقد أن من مصلحتها إبراز أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة كطريقة لتجنب التقنين والتفكيك، فكيف يمكن أن يكون شكل تلك النسخة من «قومية وادي السيليكون»؟ الواقع أنه من السهل أكثر تصور «وول ستريت» تلعب هذا الدور: فذروة «وول ستريت» الثقافية كانت في الثمانينيات، خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، في معركة بين رأسمالية نيويورك والشيوعية. وبعد هجمات 11 سبتمبر، كانت إعادة فتح البورصة في الاثنين التالي رمزاً لبدء تعافي نيويورك، وأميركا. وبالمقابل، فإن عصر نمو «وادي السيليكون» لا يعرف هذا النوع من الثقافة القومية. ذلك أن عصر الإنترنت في «وادي السيليكون» تزامن مع ذروة العولمة، كما أن أحد دوافع المؤسسين كان هو ربط العالم وجعل الحدود الوطنية أقل أهمية. وفضلاً عن ذلك، فإن شركات التكنولوجيا تؤسّس في أحيان كثيرة من قبل مهاجرين ولديها قوى عاملة أكثر تنوعاً بكثير مما كانت عليه «وول ستريت» في أواخر القرن العشرين.
غير أنه إذا اعتُبرت شركات التكنولوجيا ذات أهمية أمنية قومية، فإنها قد تجد نفسها مرغَمة على التصرف مثل متعاقد في مجال الدفاع. فقد تصبح ثمة حاجة إلى مراقبة المعلومات على نحو أكثر تشدداً. كما أن المهندسين قد يصبحون في حاجة لتصاريح أمنية من أجل العمل على بعض المشاريع. والمواطنون الصينيون قد يجدون أنفسهم مستبعَدين من بعض الوظائف. وعلاوة على ذلك، فإن قرار شركة «أمازون» إنشاء ثاني مقر لها في أميركا الشمالية في شمال فرجينيا، بالقرب من «مكتب التحقيقات الفيدرالية» ووزارة الدفاع وأجهزة أمنية وطنية أخرى، قد يُنظر إليه من خلال عدسات مختلفة كلياً الآن.
ويمكن القول إن هذا التحول نحو الحكومة والأمن القومي سيمثل إكمال دورة كاملة بالنسبة لـ«وادي السيليكون» وعودة إلى نقطة سابقة في تاريخها، ذلك أن نمو شركة «فيرتشايلد سيميكوندكتر»، الذي مثّل بداية «وادي السيليكون» في الخمسينيات، كان يقف وراءه «ويليام شوكلي»، الذي بدأ مشواره المهني بإجراء أبحاث لحساب مختبرات «بيل لابس» خلال الحرب العالمية الثانية من أجل المساعدة في الجهد الحربي. وفي مرحلة ما من التاريخ الحديث أصبح من الشائع ربط «وادي السيليكون» بشركات ناشئة مربكة ورؤساء تنفيذيين من المشاهير مثل ستيف جوبز من «آبل» وبيل جيتس من «مايكروسوفت»، ولكن للتقليل من هذا الارتباك، ربما لن يكون لدى قطاع التكنولوجيا مشكلة في العودة لنسج علاقات وثيقة مع الحكومة الفيدرالية.
كونر سِن: كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وقد أثارت سيريل ساندبرج المديرة التشغيلية لـ«فيسبوك» موضوع الصين في مقابلة معها الأسبوع الماضي، حيث أشارت إلى أن الصين لن تقوم بتفكيك شركاتها التكنولوجية الكبرى – في إشارة ضمنية إلى أن تفكيك «فيسبوك» سيشكل إضعافاً للولايات المتحدة في تنافسها التكنولوجي مع الصين.
وعلى علاقة بازدياد حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، تقوم «جوجل» بتقييد ولوج شركة «هواوي» لنظامها التشغيلي «أندرويد»، قائلة «إننا نمتثل لأمر (إدارة ترامب)» الذي يمنع على الشركات الأميركية البيع ل«هواوي» من دون ترخيص حكومي. وبالطبع، تقوم الصين منذ مدة بتقييد دخول «فيسبوك» و«جوجل» إلى سوقها، ما يجعل من السهل على الشركتين اختيار خندقهما.
وإذا كانت شركات التكنولوجيا الكبيرة تعتقد أن من مصلحتها إبراز أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة كطريقة لتجنب التقنين والتفكيك، فكيف يمكن أن يكون شكل تلك النسخة من «قومية وادي السيليكون»؟ الواقع أنه من السهل أكثر تصور «وول ستريت» تلعب هذا الدور: فذروة «وول ستريت» الثقافية كانت في الثمانينيات، خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، في معركة بين رأسمالية نيويورك والشيوعية. وبعد هجمات 11 سبتمبر، كانت إعادة فتح البورصة في الاثنين التالي رمزاً لبدء تعافي نيويورك، وأميركا. وبالمقابل، فإن عصر نمو «وادي السيليكون» لا يعرف هذا النوع من الثقافة القومية. ذلك أن عصر الإنترنت في «وادي السيليكون» تزامن مع ذروة العولمة، كما أن أحد دوافع المؤسسين كان هو ربط العالم وجعل الحدود الوطنية أقل أهمية. وفضلاً عن ذلك، فإن شركات التكنولوجيا تؤسّس في أحيان كثيرة من قبل مهاجرين ولديها قوى عاملة أكثر تنوعاً بكثير مما كانت عليه «وول ستريت» في أواخر القرن العشرين.
غير أنه إذا اعتُبرت شركات التكنولوجيا ذات أهمية أمنية قومية، فإنها قد تجد نفسها مرغَمة على التصرف مثل متعاقد في مجال الدفاع. فقد تصبح ثمة حاجة إلى مراقبة المعلومات على نحو أكثر تشدداً. كما أن المهندسين قد يصبحون في حاجة لتصاريح أمنية من أجل العمل على بعض المشاريع. والمواطنون الصينيون قد يجدون أنفسهم مستبعَدين من بعض الوظائف. وعلاوة على ذلك، فإن قرار شركة «أمازون» إنشاء ثاني مقر لها في أميركا الشمالية في شمال فرجينيا، بالقرب من «مكتب التحقيقات الفيدرالية» ووزارة الدفاع وأجهزة أمنية وطنية أخرى، قد يُنظر إليه من خلال عدسات مختلفة كلياً الآن.
ويمكن القول إن هذا التحول نحو الحكومة والأمن القومي سيمثل إكمال دورة كاملة بالنسبة لـ«وادي السيليكون» وعودة إلى نقطة سابقة في تاريخها، ذلك أن نمو شركة «فيرتشايلد سيميكوندكتر»، الذي مثّل بداية «وادي السيليكون» في الخمسينيات، كان يقف وراءه «ويليام شوكلي»، الذي بدأ مشواره المهني بإجراء أبحاث لحساب مختبرات «بيل لابس» خلال الحرب العالمية الثانية من أجل المساعدة في الجهد الحربي. وفي مرحلة ما من التاريخ الحديث أصبح من الشائع ربط «وادي السيليكون» بشركات ناشئة مربكة ورؤساء تنفيذيين من المشاهير مثل ستيف جوبز من «آبل» وبيل جيتس من «مايكروسوفت»، ولكن للتقليل من هذا الارتباك، ربما لن يكون لدى قطاع التكنولوجيا مشكلة في العودة لنسج علاقات وثيقة مع الحكومة الفيدرالية.
كونر سِن: كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»