يرفض نظام «الملالي» فكرة الحدود ويعتبر سلطات حكم «الولي الفقيه» عابرة للحدود، وهو رئيس لكل شيعي في العالم، وإيران ككيان سياسي يسيطر عليها النظام الإسلاموي بالكامل ومفهوم «أم القرى» الإيرانية، والذي يعدّ من أهم المفاهيم لتصدير الثورة فينظر إلى إقامة النظام الإسلامي في إيران ورأس الدولة إلى نظام وقيادة يجب أن يمتد عبر الأمة الإسلامية بأكملها، أي أن هذا القائد يستحق قيادة الأمة الإسلامية بأكملها على الرغم من أن قيادته لا تتحقق في الواقع إلا في «أم القرى»، ويتحدث العديد من منظرّي النظام بشأن اختيار القائد وأفعاله، على أن لا يخدم إيران فقط بل كامل الأمة الإسلامية، ولذلك لا غرابة من التقارب بين «الإخوان» والنظام الإيراني، حيث إنه وفق مفهوم دولة «أم القرى»، من يحكم إيران هو حاكم الأمة الإسلامية بأكملها ويجب أن يطيعه كل مسلم، وأي هزيمة أو نصر من قبل «أم القرى» هي هزيمة أو نصر للإسلام والأمة الإسلامية بأكملها يجب أن تهبّ للدفاع عنها، والجميع في الأمة الإسلامية يتحملون مسؤولية تجاه «أم القرى» حتى لو كانوا يعيشون في أراضٍ بعيدة وغير مسلمة، وهو التطور الذي طرأ في الجيل الحالي من مفهوم دولة «الفقيه» التقليدية.
ولتحقيق ما سبق ذكره يكرّس النظام الإيراني الكثير من الجهود والأموال لخلق الوعي بالمفاهيم التي يهدف لنشرها، ويبذل قصارى جهده لإقامة أنظمة إسلامية في عدة دول في العالم الإسلامي، ويدعم جهود أسلمة الانتخابات البرلمانية والبرلمانات في أي دولة فيها أغلبية مسلمة، ويسعى في المرحلة الأخيرة إلى تأسيس نظام إسلامي شامل وإعادة تنظيم الأنظمة الإسلامية ودمجها في نظام موحّد بقيادة المرشد الأعلى، كما تنشر إيران فكرة المضطهدين في العالم الإسلامي، وبأن الطريق إلى القدس يمر بكربلاء، وبالتالي فإن مفهوم «أم القرى» يهدف إلى التوفيق بين مصلحتين تتعارضان مع بعضهما بعضاً على ما يبدو: مصلحة إيران كدولة ذات حدود محددة، والمصلحة الإسلامية الشاملة التي تتجاوز الحدود الوطنية! ووفقًا لهذا الاعتقاد فإن إيران وحدها مؤهلة لتكون «أم القرى»، وهذا الاعتقاد يأتي مدعوماً بتصور الإمام الخميني لمفهوم «الباسيج» وأهميته للعالم الإسلامي، وتعني كلمة «الباسيج»: قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين، ومثالاً على ذلك تأسيس «حزب الله» في لبنان كجهاز دفاعي قوي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وغيره من «الباسيج» في مختلف بلدان العالم الإسلامي، وما يحدث في اليمن والعراق وسوريا هو نتيجة طبيعية لمعتقدات ومفاهيم تم الاستخفّاف بها ولم يتمّ التعامل معها بفعّالية حتى وقتنا الحاضر.
ويبدو أن خسارة حرب المفاهيم والأفكار قبل أن تتحول للميدان وخروجها عن السيطرة، وغياب أجهزة التغيير الناعم للأنظمة من الجذور في عالمنا العربي، قد فضح الفجوة البحثية التطبيقية والنظرية، وخاصةً بعد إغراق سوق المفاهيم بأيديولوجية تصدير أفكار الثورة قبل الثورة، وهناك واقعٌ مرير بسبب وصول أفكار «الملالي» لبعض الدول الآسيوية والأفريقية الكبرى وانتشارها، ليس في الشارع فحسبّ، بلّ بين النخّب أيضاً، ناهيك عن بعض الدول العربية التي ُتعدّ قنابل طائفية بشرية موقوتة، وشعبية الفكر الإقصائي بين صفوف شبابها وصولاً لمعضلة تحديد الولاءات وهي الطامة الكبرى.
ففرض أنظمة حكم طائفية في العالم العربي هو هدف قامت إيران من أجله بخلق جماعات إرهابية سُنيّة، وزرع مئات الألوف من قواتها العسكرية الطائفية ضمن نسيج القوات العسكرية لبعض الدول، والتي سمحت لها بزرع قواعد عسكرية ضمن نسيج جيوشها لاجتثاث أي محاولة للوحدة السنيّة وتفكيك العالم الإسلامي السنّي.
ونسبة نجاح إيران في تطويق العالم العربي وفرض الإملاءات الملحّة لسياسة الواقع الإقليمي يبقى رقماً متفاوتاً، ترفع وتيرته آليّات ومناوشات التوتر الإقليمي وتقسيم هويات بعض الدول انتظاراً لساعة الصفر، والتواصل مع سماسرة الطائفية في المنطقة، وكل ذلك لمواجهة إيران لمشاكلها في الداخل، ولم تكتفِ إيران بركوب موجة «الربيع العربي» إعلاميا ً وسياسياً، بل أشعلت العالم العربي بصيفٍ ساخنٍ لاستبدال «الربيع العربي» بعد فشل تلك الثورات في التحول للمسار الإيراني، وسياسة حرق الأراضي الحزبية في توجّهات نظام لا يمثّل عقلية وطموح الشارع الإيراني، ولم تستغّل طاقات وطموحات الشباب الإيراني في حربٍ ناعمةٍ ذكية تستخدم قنابل الفكر والأنماط الاجتماعية الناشئة، وهو ما لم تنجح فيه الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. وما التوتر الحاصل في المنطقة الآن إلّا ضغوط من جميع الأطراف للحصول على أكبر قدر من المكاسب، كما أن موقفاً دولياً موحّداً تجاه العناد والتعنّت الإيراني كفيل بتجويع النظام الإيراني وخنقه استراتيجياً. وبالنسبة للعالم العربي، فإن الوقت قد حان مهما كانت الاستفزازات لتغيير مفهوم العمل الدبلوماسي والمواجهة عن ُبعد لهزيمة العدو عن ُقرب.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.
ولتحقيق ما سبق ذكره يكرّس النظام الإيراني الكثير من الجهود والأموال لخلق الوعي بالمفاهيم التي يهدف لنشرها، ويبذل قصارى جهده لإقامة أنظمة إسلامية في عدة دول في العالم الإسلامي، ويدعم جهود أسلمة الانتخابات البرلمانية والبرلمانات في أي دولة فيها أغلبية مسلمة، ويسعى في المرحلة الأخيرة إلى تأسيس نظام إسلامي شامل وإعادة تنظيم الأنظمة الإسلامية ودمجها في نظام موحّد بقيادة المرشد الأعلى، كما تنشر إيران فكرة المضطهدين في العالم الإسلامي، وبأن الطريق إلى القدس يمر بكربلاء، وبالتالي فإن مفهوم «أم القرى» يهدف إلى التوفيق بين مصلحتين تتعارضان مع بعضهما بعضاً على ما يبدو: مصلحة إيران كدولة ذات حدود محددة، والمصلحة الإسلامية الشاملة التي تتجاوز الحدود الوطنية! ووفقًا لهذا الاعتقاد فإن إيران وحدها مؤهلة لتكون «أم القرى»، وهذا الاعتقاد يأتي مدعوماً بتصور الإمام الخميني لمفهوم «الباسيج» وأهميته للعالم الإسلامي، وتعني كلمة «الباسيج»: قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين، ومثالاً على ذلك تأسيس «حزب الله» في لبنان كجهاز دفاعي قوي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وغيره من «الباسيج» في مختلف بلدان العالم الإسلامي، وما يحدث في اليمن والعراق وسوريا هو نتيجة طبيعية لمعتقدات ومفاهيم تم الاستخفّاف بها ولم يتمّ التعامل معها بفعّالية حتى وقتنا الحاضر.
ويبدو أن خسارة حرب المفاهيم والأفكار قبل أن تتحول للميدان وخروجها عن السيطرة، وغياب أجهزة التغيير الناعم للأنظمة من الجذور في عالمنا العربي، قد فضح الفجوة البحثية التطبيقية والنظرية، وخاصةً بعد إغراق سوق المفاهيم بأيديولوجية تصدير أفكار الثورة قبل الثورة، وهناك واقعٌ مرير بسبب وصول أفكار «الملالي» لبعض الدول الآسيوية والأفريقية الكبرى وانتشارها، ليس في الشارع فحسبّ، بلّ بين النخّب أيضاً، ناهيك عن بعض الدول العربية التي ُتعدّ قنابل طائفية بشرية موقوتة، وشعبية الفكر الإقصائي بين صفوف شبابها وصولاً لمعضلة تحديد الولاءات وهي الطامة الكبرى.
ففرض أنظمة حكم طائفية في العالم العربي هو هدف قامت إيران من أجله بخلق جماعات إرهابية سُنيّة، وزرع مئات الألوف من قواتها العسكرية الطائفية ضمن نسيج القوات العسكرية لبعض الدول، والتي سمحت لها بزرع قواعد عسكرية ضمن نسيج جيوشها لاجتثاث أي محاولة للوحدة السنيّة وتفكيك العالم الإسلامي السنّي.
ونسبة نجاح إيران في تطويق العالم العربي وفرض الإملاءات الملحّة لسياسة الواقع الإقليمي يبقى رقماً متفاوتاً، ترفع وتيرته آليّات ومناوشات التوتر الإقليمي وتقسيم هويات بعض الدول انتظاراً لساعة الصفر، والتواصل مع سماسرة الطائفية في المنطقة، وكل ذلك لمواجهة إيران لمشاكلها في الداخل، ولم تكتفِ إيران بركوب موجة «الربيع العربي» إعلاميا ً وسياسياً، بل أشعلت العالم العربي بصيفٍ ساخنٍ لاستبدال «الربيع العربي» بعد فشل تلك الثورات في التحول للمسار الإيراني، وسياسة حرق الأراضي الحزبية في توجّهات نظام لا يمثّل عقلية وطموح الشارع الإيراني، ولم تستغّل طاقات وطموحات الشباب الإيراني في حربٍ ناعمةٍ ذكية تستخدم قنابل الفكر والأنماط الاجتماعية الناشئة، وهو ما لم تنجح فيه الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. وما التوتر الحاصل في المنطقة الآن إلّا ضغوط من جميع الأطراف للحصول على أكبر قدر من المكاسب، كما أن موقفاً دولياً موحّداً تجاه العناد والتعنّت الإيراني كفيل بتجويع النظام الإيراني وخنقه استراتيجياً. وبالنسبة للعالم العربي، فإن الوقت قد حان مهما كانت الاستفزازات لتغيير مفهوم العمل الدبلوماسي والمواجهة عن ُبعد لهزيمة العدو عن ُقرب.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.