عندما اندلعت الحرائق في كاتدرائية نوتردام الأسبوع الماضي، كان أول ما تبادر إلى ذهني، وكذلك كان الحال مع الملايين في جميع أنحاء العالم، أن أبحث عن الحادث على الإنترنت. لكنني وصلت إلى نسخة صفراء، تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، من كتاب بعنوان «نوتردام باريس: السيرة الذاتية للكاتدرائية». كان الكتاب حافزاً فكرياً أكثر منه شخصياً: فقد كان مؤلف الكتاب «آلان تيمكو»، هو عمي الراحل. لكن جولته المؤلفة من 300 صفحة عن كيف انتهى الحال بالكاتدرائية، وباريس وفرنسا من حولها، أعادت إلى الوطن حقيقة تبدو مناسبة في الوقت الحالي، حيث يعتمد السياسيون في جميع أنحاء العالم على ماضي بلادهم لتغذية مزيج من الشعبوية والقومية. وهذه الحقيقة هي أن تاريخ أي دولة –وكذلك تاريخ أي مبنى عظيم– هو تاريخ معقد للغاية، ودقيق للغاية وغني للغاية، بحيث لا يمكن وضعه على ملصق خلفي لسيارة.
ويمكن قول نفس الشيء حول عمي. فقد اشتهر بأنه الناقد المعماري الحائز على جائزة بوليتزر لصحيفة «سان فرانسيسكو كرونكيل». لكن كتابه «نوتردام باريس» كان نتاجاً لسنواته التي أمضاها كروائي محتمل.
إن «التاريخ» الذي يتم استحضاره في حركات مثل «بريكست» في بريطانيا، أو «الديمقراطية غير الليبرالية» في بولندا أو المجر، أو صعود فلاديمير بوتين في روسيا، أو دعوة دونالد ترامب «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى».. ليس له مكان يذكر. وعند رسم صورة للأمجاد والانتصارات الماضية، يميل المرء إلى إزالة النكسات أو الأحكام الخاطئة، ناهيك عن المعاناة أو الظلم أو أي مَواطن أخرى للضعف الإنساني، المواطن التي تشكل على الدوام جزءاً من التاريخ كما حدث بالفعل، حتى تاريخ الكاتدرائية.
وفي استكشاف لمكانة نوتردام في قلوب الفرنسيين، والملايين غيرهم ممن يزورونها كل عام، يرسم عمِّي قوساً كبيراً يمتد من مستوطنة «جزيرة المدينة» القديمة في منتصف نهر السين، قبل فترة طويلة من وجود مدينة باريس، إلى السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية. وهو يتتبع الرؤية والتصميم، ودور محاجر الحجر الجيري وعمال قطع الأشجار وغيرهم من الحرفيين الذين ساهموا في بناء أكبر كاتدرائية قوطية (متعلقة بالقرون الوسطى) على الأرض. وهو يحتفي بجمالها، ويصف كيف أنها تجذب العين من الضفة اليمنى لنهر السين إلى ضفته اليسرى أو من وسط النهر نفسه.
بيد أن هذا مجرد جزء من القصة. فهناك «موريس دي سولي»، ابن مزارعين من «لوار»، والذي أصبح أسقف باريس وتصور فكرة الكاتدرائية. هذا هو الدور المتشابك للكنيسة الكاثوليكية الرومانية والملكية خلال ما يقرب من قرن من الزمان تم فيه بناء الكاتدرائية وبرزت فيه فرنسا كأمة. وفي أعقاب الثورة الفرنسية، قامت الحشود بتحطيم 28 تمثالا حجرياً لملوك يهوذا القدماء، ظناً منهم بشكل خاطئ أنها تماثيل لملوك فرنسيين. والحقيقة هي أن نوتردام، في شكلها الحالي، هي نتاج للعديد من الإصلاحات والتغييرات على مر السنين، وفترات طويلة من التدهور والإهمال المتعمد.
وفي الحقيقة، فقد اشتعلت النيران في سقفها البلوطي مرتين من قبل، على الرغم من أنه قد تم إخمادها في المرتين. أما الصورة الرمزية لحريق الأسبوع الماضي، فقد كانت في البرج الهائل الذي يعتلي السقف. بيد أنه، أيضاً، كان قطعة بديلة، بعد الثورة الفرنسية. وعين عمي الفاحصة للتفاصيل المعمارية لا تدع أي مجال للشك في أنه بمجرد خروج النيران عن السيطرة، كان مصيره محتوماً: فقد كان وزنه مليون رطل.
ولا يعني أي شيء من هذا أنه يمكننا الهروب من جاذبية تاريخ الشعبويين الزائف فقط من خلال غمر أنفسنا في مجلدات التاريخ. في الحقيقة، فإن سجل ويكيبيديا عن نوتردام مفصل بشكل رائع. ومع ذلك، أعتقد أن العديد منا قد فقدوا عادة قضاء الوقت في الخوض بعمق في المعلومات، أو حتى تجاوز بعض فقرات الأخبار في جوجل إلى موقع ويكيبيديا.
وفي هذه العملية، فإننا نغامر بعدم فهم أنه حتى يتم عرض القصص البشرية على أنها مسائل بسيطة بالأبيض والأسود، والانتصار مقابل التهديد، فمن المؤكد أنها أكثر تعقيداً من ذلك.
*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»