بعد زيارة الوفد السعودي الكبير بعدد أفراده والمتنوع بتخصصاته بغداد، زار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي مع وفد مساوٍ الرِّياض. بدت العلاقات العراقية- السعودية، وفق الاتفاقات التي أُبرمت في هذه الزيارة، أوسع وأشمل مِن أي وقت مضى، في الاقتصاد والثقافة والفنون والتعاون الأمني. لم يظهر بين السعوديين مَن يقف ضد تعميق العلاقة بين البلدين، عدا أصحاب فتاوى الإرهاب، مِن الصَّحوة الدِّينية، والمتطرفين الذين جندتهم «القاعدة» و«داعش»، وهم مِن المطاردين أو الذين تعمل مراكز المناصحة على إعادة تأهيلهم اجتماعياً، أي أن أمرهم خفت، وإلا المجتمع السعودي، في عمومه، لا يغفل تأثير العراق في الماضي القريب وفضله الحضاري بالمنطقة، فالسؤال الدائم، مِن قِبل المثقفين السعوديين وغيرهم: «متى يتجاوز العراق محنته»؟!
إلا أن الاتجاهات الثلاثة التي نذكرها، بخصوص العلاقة بين البلدين، تخص العراقيين، ذلك لما مرَّ به هذا البلد مِن فواجع الإرهاب، وما لعبته المشاعر الطائفية به، حتى صار الموقف يؤخذ مسبقاً على المذهب مِن أي شعب وبلد كان، وللأسف تورط بها من قدموا أنفسهم مفكرين إسلاميين أحراراً غير طائفيين.
الاتجاه الأول: طائفي لا يرى في السعودية غير ما سمع عنها مِن على المنابر، والفضائيات الحزبية الطائفية، وما حصل في الماضي البعيد، حتى قبل الحكم السعودي الحالي، وهذا يرى في أي تعاون مع السعودية، ومهما كان واضحاً ومضمون الفائدة، أنه شرٌّ، وأن الأصل في العلاقات هي المذاهب، وبالتالي لا يرى عن إيران وولاية الفقيه بديلاً، مهما كان حجم العبث من الجماعات المسلحة، التي تُقاتل عن هذا الاتجاه.
الاتجاه الثاني: القومي الطائفي، والذي أماط اللثام عن كرهه للسعودية، ثأراً للناصرية والعروبية والإخوان المسلمين وما يعبر عنه بالمقاومة، لأنها تعاونت مع الحكم ببغداد، فتحولت السعودية عنه إلى العدو، وهو بهذا قد التقى مع الاتجاه الأول، والاثنان يتخذان مِن فلسطين شعاراً واهماً للآخرين.
الاتجاه الثالث: العقلاني، فيرى السعودية بلداً مؤثراً في العالم، والعلاقة معه ستنعكس بالفائدة الكبرى، يمثل هذا الاتجاه سواد أعظم من المجتمع، والمرجعية الدينية بالنجف تسنده، وتتبناه الحكومة ورئاسة الجمهورية وقسم كبير من البرلمان العراقي. يرغب هذا الاتجاه أيضاً أن تكون العلاقة مع إيران بالمستوى نفسه، ولكن بعيداً عن الوصاية وتوريط العراق بحصارها الأميركي، وزجه بحروبها، المبنية على تصدير الثورة، ويوم يخلو العراق مِن الجماعات المسلحة، بعد أن ترفع عنها إيران يد الإسناد، وتكف عن تسميم علاقات العراق مع بقية دول الجوار، فعندها سيكون ليس أجمل من الصلات مع إيران.
لم تأت العلاقة العراقية- السعودية من الفراغ، إنما لها تاريخ مشجع، على احترام ما داخل حدود البلدين، أسس الملك عبد العزيز آل سعود والملك فيصل الأول، من على البارجة (لوبن) 1930، لجيرة استمرت سليمة في العراقين الملكي والجمهوري، ولم تتأثر إلا عند احتلال الكويت(1990)، وظلت مقطوعة دبلوماسياً حتى افتتاح السفارة السعودية ببغداد(2015)، وظلت العلاقة شبه مجمدة حتى أصبح حيدر العبادي رئيساً للوزراء(2014)، فبادرت الرياض إلى تهنئته، بعد فترة نوري المالكي التي اتسمت بالتشنج والخطاب الطائفي والذوبان في المحور الإيراني.
قبل حرب الخليج الثَّانية، كانت أشد الأزمات بين البلدين أزمة المخافر، عندما قررت الحكومتان البريطانية والعراقية عام 1928 فتح مخافر حراسة، عندها حاول الملك عبد العزيز إقناع «إخوان مِن طاع الله» بما أثاروه حول المخافر، التي تمنعهم من التجاوز، وقبلها تجاوز «الإخوان» على الأراضي العراقية(1922)، ونادى فقهاء السُّنة مِن تكية الخالدية ببغداد بالتوجه دفاعاً عن كربلاء، بينما داخل نجد كانت الأزمة تشتد مع الإخوان المذكورين.
لكن زعماء «الإخوان»، بعد أزمتهم بنجد، خاطبوا فيصل الأول، «بلقب سلطان المسلمين»، ويدعونه إلى التعاون في محاربة عبد العزيز آل سعود، بل كتبوا إلى مفتش البادية الجنوبية بالعراق البريطاني في أن يكونوا تحت تصرفه(لمحات اجتماعية)، وكان هذا البريطاني وجيشه كافراً في عقيدتهم. هذا، وبعد انتهاء أمر الإخوان في معركة «سبلة»(1929)، ثبتت العلاقات السليمة بين البلدين.
في العهد الجمهوري(1958) ظل اجتماع (لوبن) أساساً في العلاقة بين بغداد والرياض، فعلى خلاف الثورة المصرية في تشجيع الانقلابات، ذَكر مدير الاستخبارات محسن الرُّفيعي(ت2006) أنه تسلم رسالة من السفارة العراقية ببيروت، أشارت إلى رغبة ثوريين سعوديين مقابلة عبد الكريم قاسم(قُتل1963) لمساعدتهم، فلما عرض الطلب عليه أجاب: «نحن لا نشجع مثل هذه الحركات، ولا لنَّا مصلحة فيها»(الرُّفيعي، أنا والزَّعيم).
تأتي طفرة العلاقات السعودية العراقية إلى الذروة في ظل عصر جديد، يريد ترميم ما دهوَرَه الفكر الصَّحوي الديني، في مناحي الحياة كافة، ومن بينها العلاقة مع العراق، والبداية كانت بانفتاح فني وثقافي، شهده معرض بغداد للكتاب وآثار العُلا، ثم أتى ما أُبرم بين البلدين من اتفاقيات. فعلى غير الراغبين بهذه العلاقة، أن يفهموا إن الجوار بين البلدان قدرٌ ليس خياراً، والرياح وما تحمل من بذور الثمر تهب لصالح العراق، فهو بحاجة لكل يد، وقيل: «إذا هبت رياحك فاغتنمها...»، ولتكن علاقات العراق بشروطه، لا بشروط مَن يعتقد نفسه «ولي أمر المسلمين»، مثلما تتعامل طهران مع الأحزاب الدينية.
إلا أن الاتجاهات الثلاثة التي نذكرها، بخصوص العلاقة بين البلدين، تخص العراقيين، ذلك لما مرَّ به هذا البلد مِن فواجع الإرهاب، وما لعبته المشاعر الطائفية به، حتى صار الموقف يؤخذ مسبقاً على المذهب مِن أي شعب وبلد كان، وللأسف تورط بها من قدموا أنفسهم مفكرين إسلاميين أحراراً غير طائفيين.
الاتجاه الأول: طائفي لا يرى في السعودية غير ما سمع عنها مِن على المنابر، والفضائيات الحزبية الطائفية، وما حصل في الماضي البعيد، حتى قبل الحكم السعودي الحالي، وهذا يرى في أي تعاون مع السعودية، ومهما كان واضحاً ومضمون الفائدة، أنه شرٌّ، وأن الأصل في العلاقات هي المذاهب، وبالتالي لا يرى عن إيران وولاية الفقيه بديلاً، مهما كان حجم العبث من الجماعات المسلحة، التي تُقاتل عن هذا الاتجاه.
الاتجاه الثاني: القومي الطائفي، والذي أماط اللثام عن كرهه للسعودية، ثأراً للناصرية والعروبية والإخوان المسلمين وما يعبر عنه بالمقاومة، لأنها تعاونت مع الحكم ببغداد، فتحولت السعودية عنه إلى العدو، وهو بهذا قد التقى مع الاتجاه الأول، والاثنان يتخذان مِن فلسطين شعاراً واهماً للآخرين.
الاتجاه الثالث: العقلاني، فيرى السعودية بلداً مؤثراً في العالم، والعلاقة معه ستنعكس بالفائدة الكبرى، يمثل هذا الاتجاه سواد أعظم من المجتمع، والمرجعية الدينية بالنجف تسنده، وتتبناه الحكومة ورئاسة الجمهورية وقسم كبير من البرلمان العراقي. يرغب هذا الاتجاه أيضاً أن تكون العلاقة مع إيران بالمستوى نفسه، ولكن بعيداً عن الوصاية وتوريط العراق بحصارها الأميركي، وزجه بحروبها، المبنية على تصدير الثورة، ويوم يخلو العراق مِن الجماعات المسلحة، بعد أن ترفع عنها إيران يد الإسناد، وتكف عن تسميم علاقات العراق مع بقية دول الجوار، فعندها سيكون ليس أجمل من الصلات مع إيران.
لم تأت العلاقة العراقية- السعودية من الفراغ، إنما لها تاريخ مشجع، على احترام ما داخل حدود البلدين، أسس الملك عبد العزيز آل سعود والملك فيصل الأول، من على البارجة (لوبن) 1930، لجيرة استمرت سليمة في العراقين الملكي والجمهوري، ولم تتأثر إلا عند احتلال الكويت(1990)، وظلت مقطوعة دبلوماسياً حتى افتتاح السفارة السعودية ببغداد(2015)، وظلت العلاقة شبه مجمدة حتى أصبح حيدر العبادي رئيساً للوزراء(2014)، فبادرت الرياض إلى تهنئته، بعد فترة نوري المالكي التي اتسمت بالتشنج والخطاب الطائفي والذوبان في المحور الإيراني.
قبل حرب الخليج الثَّانية، كانت أشد الأزمات بين البلدين أزمة المخافر، عندما قررت الحكومتان البريطانية والعراقية عام 1928 فتح مخافر حراسة، عندها حاول الملك عبد العزيز إقناع «إخوان مِن طاع الله» بما أثاروه حول المخافر، التي تمنعهم من التجاوز، وقبلها تجاوز «الإخوان» على الأراضي العراقية(1922)، ونادى فقهاء السُّنة مِن تكية الخالدية ببغداد بالتوجه دفاعاً عن كربلاء، بينما داخل نجد كانت الأزمة تشتد مع الإخوان المذكورين.
لكن زعماء «الإخوان»، بعد أزمتهم بنجد، خاطبوا فيصل الأول، «بلقب سلطان المسلمين»، ويدعونه إلى التعاون في محاربة عبد العزيز آل سعود، بل كتبوا إلى مفتش البادية الجنوبية بالعراق البريطاني في أن يكونوا تحت تصرفه(لمحات اجتماعية)، وكان هذا البريطاني وجيشه كافراً في عقيدتهم. هذا، وبعد انتهاء أمر الإخوان في معركة «سبلة»(1929)، ثبتت العلاقات السليمة بين البلدين.
في العهد الجمهوري(1958) ظل اجتماع (لوبن) أساساً في العلاقة بين بغداد والرياض، فعلى خلاف الثورة المصرية في تشجيع الانقلابات، ذَكر مدير الاستخبارات محسن الرُّفيعي(ت2006) أنه تسلم رسالة من السفارة العراقية ببيروت، أشارت إلى رغبة ثوريين سعوديين مقابلة عبد الكريم قاسم(قُتل1963) لمساعدتهم، فلما عرض الطلب عليه أجاب: «نحن لا نشجع مثل هذه الحركات، ولا لنَّا مصلحة فيها»(الرُّفيعي، أنا والزَّعيم).
تأتي طفرة العلاقات السعودية العراقية إلى الذروة في ظل عصر جديد، يريد ترميم ما دهوَرَه الفكر الصَّحوي الديني، في مناحي الحياة كافة، ومن بينها العلاقة مع العراق، والبداية كانت بانفتاح فني وثقافي، شهده معرض بغداد للكتاب وآثار العُلا، ثم أتى ما أُبرم بين البلدين من اتفاقيات. فعلى غير الراغبين بهذه العلاقة، أن يفهموا إن الجوار بين البلدان قدرٌ ليس خياراً، والرياح وما تحمل من بذور الثمر تهب لصالح العراق، فهو بحاجة لكل يد، وقيل: «إذا هبت رياحك فاغتنمها...»، ولتكن علاقات العراق بشروطه، لا بشروط مَن يعتقد نفسه «ولي أمر المسلمين»، مثلما تتعامل طهران مع الأحزاب الدينية.