كانت أيام الشارقة التراثية، في دورتها الـ 17، بمثابة فرصة جديدة لإلقاء الضوء على العديد من الحرف التقليدية التي اشتهر بها الآباء والأجداد، والتي أقيمت تحت شعار
«حرفة وحرف». وتميزت هذه الدورة بوجود العديد من المعارض والأجنحة التي تأخذ الزائر في رحلة يغوص فيها في تراث عميق يحكي قصص وروايات عن البيئة الاجتماعية والاقتصادية لسكان شبه الجزيرة العربية. واستخدم العارضون عدة وسائل لتعريف الجيل الجديد بتراث الآباء والأجداد، ومن هذه الوسائل المجسمات واللوح وتقنيات حديثة وأفلام أو ممارسة المهنة أمام الزوار.
تُقدم أيام الشارقة التراثية جانباً من حياة مجتمعاتنا في الماضي التي كان تتسم ببساطتها وخلوها من التعقيد في كل شيء. وعلى الرغم من بعدها كل البعد عن مظاهر التطور ومعنى الرفاهية إلا أنها كانت مجتمعات منتجة بالدرجة الأولى. وقد برزت ثلاث بيئات رئيسية وأشهر الحرف التي مارسوها أولا: المناطق الساحلية والتي ازدهرت على ضفاف الخليج وكانت مركزاً ضخماً من مراكز الغوص بحثاً عن اللؤلؤ كدبي، الشارقة، البحرين، الجبيل، القطيف، الكويت... الخ. واعتمدت هذه البيئة في مصدر رزقها على الصيد البحري واستخراج اللؤلؤ والتجارة الخارجية. كما برع أهل البحر في صناعة السفن منها البانوش والشيوعي والبوم والبغلة والبتيلة والجالبوت والبقارة وغيرها. كما اعتادوا شراء المواد الأولية الخاصة بتصنيع السفن من سواحل المحيط الهندي وصناعتها في أماكن التجارة الخارجية.
ثانيا: الواحات الزراعية ومن أشهرها الواحات المتناثرة على طول شرق الجزيرة العربية مثل واحات العين والبريمي (عُمان– الإمارات) أو واحات الأحساء (شرق السعودية حالياً) أو الجهراء (جنوب الكويت حالياً). ركزت البيئة الزراعية في أيام الشارقة التراثية على العديد من المنتجات والمحاصيل الزراعية وأهم الحرف المستوحاة من البيئة الزراعية ومنها دق الحناء، البثيث، طحن الحبوب، تجفيف التمر صناعة الدعون...الخ. ومن بين الحرف التي استوقفتني هي حرفة السفافة، فعندما اقتربت من سيدة متخصصة في التراث الشعبي، شرحت مراحل صناعة السفافة قائلةً: ينظف خوص النخل ويشرح وتصبغ كل كمية منه بألوان مستخلصة من أعشاب طبيعية، ثم يُنقع الخوص في الماء ويسخن حتى يصل إلى درجة الغليان وبعدها يُوضع جانبا ليجف تحت حرارة الشمس. ثم يجدل الخوص بطرق وأشكال مختلفة كالسلة، المهفة، والمكبة، والسرود، وقبان الرطب والجداب والحصير.
ثالثاً: البيئة الصحراوية/ البدوية ومن سمات هذه البيئة أن البدو في تنقل دائم بين المدن البحرية والواحات الزراعية، وكذلك التنقل بين شواطئ وجزر الخليج بحثاً عن مصادر الرزق. استفاد البدو من المواد الأولية المتوافرة في الصحراء، فبنوا مساكنهم التي تتم حياكتها من وبر الجمال. واشتهروا بحرف عديدة ومنها حرفة «محقبة الإبل» وهي عبارة عن حبل طويل يلف على ظهر الإبل مثل الحزام ويأتي على بطن المطية ويستخدم لربط الأمتعة خاصة عند التنقل لمسافات طويلة. ومن أشهر حرف المناطق الجبلية الجرز أو «اليرز»، وهي السلاح أو العصا. وكانت تُصنع من أخشاب محلية ويُقطع الخشب اللازم لصنعها من أشجار تمتاز بصلابتها منها أشجار المزي والسدر، ويتم وضعه في المخازن لمدة تتراوح بين 6 أشهر إلى سنة. ويستخدم أما لحمل الأمتعة أو لأغراض الدفاع عن النفس. الظروف التي عايشها آباؤنا وأجدادنا في منطقة الخليج دفعتهم إلى الاستفادة من مصادر الرزق المتاحة في بيئتهم الساحلية والزراعية والصحراوية مما مكنهم من احتراف وامتهان العديد من الصناعات مما أدى إلى تنوع الحرف لتشمل كافة المستلزمات اليومية.