لو أن هناك أي شيء يدعو إلى الارتياح بعد مأساة الحريق الذي لحق بأحد معالم أوروبا العظيمة وأكثر معالم فرنسا زواراً، لكان سرعة تلبية الدعوة إلى تقديم المساعدة. فبينما كان الدخان يتصاعد من نوتردام، وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة بناء الكاتدرائية العظيمة. واستحث «ماكرون» المانحين وتدفقت وعود التبرعات. وتقدم المسعى صناعة الرفاهية في فرنسا، حيث وعد برنار أرنو المليادير مؤسس مجموعة «إل. في. إم. أتش.» للأزياء بتقديم 200 مليون يورو (226 مليون دولار) وتعهد فرانسوا بينو من جماعة الأزياء المنافسة «كيرنج» بتقديم 100 مليون يورو. وقدمت «آن هيدالجو» رئيسة بلدية باريس أموالاً من خزينة المدينة ووعدت بتنظيم مؤتمر دولي للمانحين، وهذه بداية تثلج الصدور.
والحكومة الفرنسية تمتلك كاتدرائية نوتردام، لكن بخلاف المخصص السنوي الصغير للصيانة البالغ مليوني يورو في العام من وزارة الثقافة وبعض أعمال الإصلاح المحدودة، لم تقم الحكومة إلا بالقليل لصيانة الكاتدرائية. وهذا لأن القيام بالصيانة ينتهك قوانين فرنسا التي تفصل الكنيسة عن الدولة، كما جادلت بذلك الحكومة. والحريق لم يكن ناتجاً عن كارثة طبيعية وربما كان مجرد حادثة، لكن من المؤكد أنه كان يمكن تفاديها.
فقد كانت حاجة نوتردام للإصلاح واضحة لسنوات أمام رئيس أساقفة الكاتدرائية ومدير أعمالها. وقبل بضع سنوات قليلة ماضية، وفقاً لتقرير كتبته «فيفيان والت» لمجلة تايم عام 2017، منعت الحكومة الدخول إلى مناطق خاصة يمكن من خلالها الوصول إلى المستويات العليا المتداعية. وجاء في تقرير «والت» وصفاً للطبقات العليا من الكاتدرائية تقول فيه: «هناك كتل من الحجر ملقاة على الأرض ساقطة من الجزء العلوي في النهاية الشرقية للكنيسة القوطية. وهناك قسمان من جدار مفقودان تبرز منهما الأخشاب».
وذكر متحدث من وزارة الثقافة الفرنسية لوالت أن حالة نوتردام ليست الأكثر إلحاحاً، ويجب ألا تتوقع الكاتدرائية الكثير من الحكومة، مؤكداً أن «فرنسا لديها آلاف المواقع الأثرية». ويدور جدل بشأن إذا ما كان يجب على نوتردام تقاضي رسوم من الزوار لتمويل الإصلاحات، كما يحدث بالفعل في كنيسة القديس بطرس في روما وكاتدارئية القديس بولس في لندن. لكن البعض في مجلس الشيوخ الفرنسي جادل أن هذا يرقى فعلياً إلى درجة فرض ضريبة على مكان عبادة، وينتهك قوانين المساواة إذا ظلت المعابد اليهودية والمساجد والمعابد الأخرى مجانية الدخول.
ودشنت جماعة «أصدقاء نوتردام» غير الهادفة للربح حملة لجمع أكثر من 100 مليون دولار لأعمال الترميم. لكن هذا المسعى واجه عقبتين. أولاهما: رغم احتمال أن يشارك مرتادو الكنيسة بمبالغ صغيرة، ربما ينظر الفرنسيون إلى التبرعات للمؤسسات الدينية بعين الريبة، لأنهم مشبعون بعلمانية ترعاها الدولة. وثانيتهما: أن الفرنسيين تثقل كاهلهم الضرائب بالفعل، ولذا يتوقعون أن تتولى الدولة أمر المواقع الحضارية الرئيسية. ولاحظت الجماعة أن الأميركيين أكثر اهتماماً بتقديم المساعدة. وبعد أن استفسر عدد كبير من الزوار الأميركيين عن كيفية التبرع، سجلت الجماعة غير الهادفة للربح نفسها باعتبارها جمعية خيرية في الولايات المتحدة.
وفرنسا ليست الحكومة الوحيدة التي تكافح من أجل صيانة إرثها الحضاري في ظل تقلص الميزانيات. ففي إيطاليا أنهار بيت المصارعين عام 2010 في مدينة بومبي بعد أن تعرض لضرر كبير بشكل دائم من جراء الأمطار وكثرة تردد الزوار عليه وضعف عمليات الصيانة. وألقيت اللائمة جزئياً على التقلص الكبير في الإنفاق على الفنون والإرث الحضاري. والكوارث الأصغر تبدو أمراً اعتيادياً تقريباً. فحين انهار سقف خشبي لكنيسة ترجع إلى القرن السادس عشر في روما في أغسطس الماضي، لم ينتبه إلا قلة من العالم الخارجي. وحين تعهد دييجو ديلا فالي، رئيس شركة الأحذية الإيطالية الراقية «تودز»، بالتبرع بمبلغ 33 مليون دولار عام 2014 لحماية مبنى الكولوسيوم المتداعي في روما، جادل بأنه يتعين اتباع النهج الأنجلوساكسوني الذي يساهم فيه المانحون الأفراد والمؤسسات بشكل أكبر. وهو محق في هذا.
وفي حالة نوتردام، الحل الوحيد والصحيح حالياً هو توفير المال والخبرة والوقت. وليس أمام إدارة ماكرون التي هزتها بالفعل احتجاجات السترات الصفراء إلا الوعد بإعادة البناء. وكثير من الكنائس القديمة تدور قصصها في حلقات من دمار الحرب والتخريب والحرائق ثم إعادة البناء.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
والحكومة الفرنسية تمتلك كاتدرائية نوتردام، لكن بخلاف المخصص السنوي الصغير للصيانة البالغ مليوني يورو في العام من وزارة الثقافة وبعض أعمال الإصلاح المحدودة، لم تقم الحكومة إلا بالقليل لصيانة الكاتدرائية. وهذا لأن القيام بالصيانة ينتهك قوانين فرنسا التي تفصل الكنيسة عن الدولة، كما جادلت بذلك الحكومة. والحريق لم يكن ناتجاً عن كارثة طبيعية وربما كان مجرد حادثة، لكن من المؤكد أنه كان يمكن تفاديها.
فقد كانت حاجة نوتردام للإصلاح واضحة لسنوات أمام رئيس أساقفة الكاتدرائية ومدير أعمالها. وقبل بضع سنوات قليلة ماضية، وفقاً لتقرير كتبته «فيفيان والت» لمجلة تايم عام 2017، منعت الحكومة الدخول إلى مناطق خاصة يمكن من خلالها الوصول إلى المستويات العليا المتداعية. وجاء في تقرير «والت» وصفاً للطبقات العليا من الكاتدرائية تقول فيه: «هناك كتل من الحجر ملقاة على الأرض ساقطة من الجزء العلوي في النهاية الشرقية للكنيسة القوطية. وهناك قسمان من جدار مفقودان تبرز منهما الأخشاب».
وذكر متحدث من وزارة الثقافة الفرنسية لوالت أن حالة نوتردام ليست الأكثر إلحاحاً، ويجب ألا تتوقع الكاتدرائية الكثير من الحكومة، مؤكداً أن «فرنسا لديها آلاف المواقع الأثرية». ويدور جدل بشأن إذا ما كان يجب على نوتردام تقاضي رسوم من الزوار لتمويل الإصلاحات، كما يحدث بالفعل في كنيسة القديس بطرس في روما وكاتدارئية القديس بولس في لندن. لكن البعض في مجلس الشيوخ الفرنسي جادل أن هذا يرقى فعلياً إلى درجة فرض ضريبة على مكان عبادة، وينتهك قوانين المساواة إذا ظلت المعابد اليهودية والمساجد والمعابد الأخرى مجانية الدخول.
ودشنت جماعة «أصدقاء نوتردام» غير الهادفة للربح حملة لجمع أكثر من 100 مليون دولار لأعمال الترميم. لكن هذا المسعى واجه عقبتين. أولاهما: رغم احتمال أن يشارك مرتادو الكنيسة بمبالغ صغيرة، ربما ينظر الفرنسيون إلى التبرعات للمؤسسات الدينية بعين الريبة، لأنهم مشبعون بعلمانية ترعاها الدولة. وثانيتهما: أن الفرنسيين تثقل كاهلهم الضرائب بالفعل، ولذا يتوقعون أن تتولى الدولة أمر المواقع الحضارية الرئيسية. ولاحظت الجماعة أن الأميركيين أكثر اهتماماً بتقديم المساعدة. وبعد أن استفسر عدد كبير من الزوار الأميركيين عن كيفية التبرع، سجلت الجماعة غير الهادفة للربح نفسها باعتبارها جمعية خيرية في الولايات المتحدة.
وفرنسا ليست الحكومة الوحيدة التي تكافح من أجل صيانة إرثها الحضاري في ظل تقلص الميزانيات. ففي إيطاليا أنهار بيت المصارعين عام 2010 في مدينة بومبي بعد أن تعرض لضرر كبير بشكل دائم من جراء الأمطار وكثرة تردد الزوار عليه وضعف عمليات الصيانة. وألقيت اللائمة جزئياً على التقلص الكبير في الإنفاق على الفنون والإرث الحضاري. والكوارث الأصغر تبدو أمراً اعتيادياً تقريباً. فحين انهار سقف خشبي لكنيسة ترجع إلى القرن السادس عشر في روما في أغسطس الماضي، لم ينتبه إلا قلة من العالم الخارجي. وحين تعهد دييجو ديلا فالي، رئيس شركة الأحذية الإيطالية الراقية «تودز»، بالتبرع بمبلغ 33 مليون دولار عام 2014 لحماية مبنى الكولوسيوم المتداعي في روما، جادل بأنه يتعين اتباع النهج الأنجلوساكسوني الذي يساهم فيه المانحون الأفراد والمؤسسات بشكل أكبر. وهو محق في هذا.
وفي حالة نوتردام، الحل الوحيد والصحيح حالياً هو توفير المال والخبرة والوقت. وليس أمام إدارة ماكرون التي هزتها بالفعل احتجاجات السترات الصفراء إلا الوعد بإعادة البناء. وكثير من الكنائس القديمة تدور قصصها في حلقات من دمار الحرب والتخريب والحرائق ثم إعادة البناء.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»