احتفى صديقي فريد زكريا باختياره من قبل مجلة «فورين بولسي» كواحد من أهم عشرة مفكرين في السياسة الخارجية خلال العقد الماضي بكتابته مقالاً بعنوان «نهاية علم الاقتصاد»، شكك فيه بجدوى علم الاقتصاد وخبرائه. ولأن فريد شخص عميق التفكير، فهو يستحقّ رداً مدروساً وعميقاً.
يتجاهل فريد أجزاء مهمة في التفكير الاقتصادي، ويخفق في إدراك أن خبراء الاقتصاد أنفسهم كانوا هم مصدر معظم انتقادات الفكر الاقتصادي السابق، ويعرض حججاً واهية، ولا يقدم بديلاً معتبراً للمناهج الاقتصادية في السياسة الحكومية.
وكثير من منتقدي علم الاقتصاد يشيرون إلى إخفاق علم الاقتصاد في التنبؤ بالأزمة المالية باعتباره دليلاً، لكن هذا الزعم يغفل الإقرار بفكرة أساسية تُدرّس في مناهج المالية كافة، وهي أن التراجع المفاجئ في الأسواق لا يمكن التنبؤ به، لأن التكهن بالأزمة يعني حدوثها بالفعل مع إقبال الجميع على البيع. ورغم ذلك، ساور القلق عدداً من خبراء الاقتصاد منهم جانيت يلين ورغورام راجان وربرت شيلر، إضافة إلى كاتب هذه السطور (في الأعوام 2006 و2007 و2007 و2008) بشأن مخاطر النظام المالي والاقتصاد خلال السنوات والشهور التي سبقت الأزمة المالية العالمية.
ويستشهد فريد بمقال بول كروجمان حول ما وصفه بـ«عمى خبراء الاقتصاد عن جميع احتمالات الإخفاقات الاقتصادية في اقتصاد السوق»، لكنه اقتطع جزءاً فقط من مقال كروجمان، وهو وإن كان منتقداً حقيقياً لعلم الاقتصاد، فإنه لطالما زعم على مدى سنوات أن نظرية الاقتصاد الكلي يمكن أن تُفسّر كثيراً من الأزمات المالية وتبعاتها، وأن الإخفاقات السياسية الأخيرة بعد الأزمة المالية (مثل نقص برامج التحفيز المالي والمخاوف الساذجة من التضخم وعجز الموازنة) عكست الجهل بعلم الاقتصاد والتشبث بالشعارات.
ويهاجم فريد، مردداً انتقادات آخرين، خبراء الاقتصاد بسبب استخدام إجمالي الناتج المحلي في تقييم الأداء الاقتصادي. وهذا محور اهتمام مبرر، غير أن جلّ الجهود الجادة لتجاوز إجمالي الناتج المحلي لها جذور بحثية أجراها خبراء اقتصاد معروفون أيضاً، ومن بينهم جيم توبين وبيل نودوس قبل نصف قرن، وغيرهم.
ويزعم فريد أن الدول لا تحقق الحد الأقصى من الربحية، كما لو كان ذلك انتقاداً لعلم الاقتصاد. والحقيقة أني لا أعرف أي خبير أو عالم اقتصاد قد زعم خلاف ذلك. وعلى النقيض من زعمه، لا أعرف خبراء اقتصاد أكدوا أن الدخل هو المبدأ المحدد لسلوكيات التصويت.
لا يمكن أن يفقد علم الاقتصاد دوره ما لم يكن هناك بديل. وفريد متحمس بشأن ضوابط أخرى يمكن أن تكون عوامل مساهمة. وأنا أشاركه الأمل لكنني ألاحظ أنه لم يشر إلى أية أفكار محددة أو أطر عمل تنشأ من ضوابط أخرى أسهمت في السياسة العامة خلال السنوات الأخيرة. وبالتأكيد هناك نماذج بحثية من علوم اجتماعية أخرى، كان لها تأثير مهم على السياسة العامة، لكنها ليست كافية على الإطلاق للإشارة إلى أن علم الاقتصاد سيُنحّى جانباً.
ولا شك في أن إدارة العولمة، وتعزيز الطبقة المتوسطة في عصر الذكاء الاصطناعي، وتحفيز حماية الكوكب.. لا بد أن تكون من التحديات المركزية في عصرنا. ويصعب أن أرى أساساً آخر لاتخاذ القرارات بشأن هذه المجالات سوى التحليل الاقتصادي.
* أستاذ ورئيس سابق لجامعة هارفارد ووزير خزانة من 1999 إلى 2001 ومستشار اقتصادي سابق للرئيس أوباما
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»