مرت علينا هذه الأيّام ذكرى حرب 6 أكتوبر 1973، وهي حرب تمكّن فيها جيش عربي، هو الجيش المصري، من تحقيق نصر ضد الدولة الصهيونية التي كانت تُوصف قبل حرب أكتوبر بأنها الدولة صاحبة الجيش الذي لا يُقهر. لأوّل مرَّة في تاريخ العرب الحديث، تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف والاستيلاء عليه وطرد الجيش الإسرائيلي الذي تم قهره من ضفة قناة السويس وإجباره على التراجع إلى داخل شبه جزيرة سيناء. لقد أدى ذلك النصر العسكري إلى تحريك قضية الصراع العربي مع إسرائيل، ومسار القضية الفلسطينية الشائكة، وإنهاء الركود الطويل للعديد من القضايا التي تجمدت أثناء ما عرف بحرب الاستنزاف الطويلة التي استمرت منذ نهاية حرب 5 يونيو 1967، إلى أن نشبت وانتهت حرب أكتوبر 1973.
في تلك المراحل من تاريخ العرب، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة وليدة لم يمر على قيامها بشكلها الاتحادي سوى بضعة شهور، فكانت غير مهيأة لدخول المعارك العسكرية بشكل فيه جاهزية ضد أي طرف خارجي، لكنها في الوقت نفسه لم تقف مكتوفة الأيادي أو موقف المتفرج، لكنّ مؤسسها وبانيها وقائدها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، كان له موقف صلب ونبيل خاص به فيما يتعلّق بالمعركة الشاملة ضد العدو، تمثل في الحرب على الجبهة الاقتصادية، وتحديداً استخدام سلاح النفط، وهي وسيلة كانت أشد وطأة وتأثيراً على جميع الدول التي وقفت في المعركة ضد العرب وساندت عدوهم وأمدته بالمال والسلاح والعدة والعتاد، وقدمت له التأييد المعنوي والسياسي مباشرة وعلى المنابر والمحافل العالمية كافة.
وفي هذا المقام، وفي عام زايد، دعونا نستذكر معاً ما فعله وقاله الشيخ زايد، رحمه الله، والأمر الذي أصدره بقطع إمدادات النفط: «أصدرت هذا القرار ولم أنتظر هذا التأييد، ولم أكن أتطلع إليه لحظة واحدة. وقد أصدرت قرار قطع النفط لإيماني بأنني أُؤدي واجبي كاملاً تجاه أهلي وقومي. إن الإنسان يجب أن يشعر بالعدالة ويلتزم بها في كل قراراته، لكن بعض الدول في موقفها ضد العرب ومساندتها لإسرائيل تقف ضد العدالة، والدول العربية والعالم العربي كله لا يسعى إلى الحرب، وإنما يسعى في نضاله ضد إسرائيل إلى استعادة الحق المسلوب، والعرب، إنما يدافعون عن أراضيهم وأوطانهم. لقد واجهنا المستحيل واستطعنا أن نكسر المستحيل، والعالم الآن يقف كله معنا لأننا أصحاب حق. وعندما بادرنا بقطع إمدادات النفط كان ذلك إعلاناً بمسيرتنا مع المعركة العسكرية والسياسية إلى آخر الطريق. إن النفط سلاح من أسلحة المعركة، وهو ليس بأغلى من الدم العربي، ونحن نحاول استثماره لصالح المعركة، فكل شيء وارد وسنستخدم كل الأسلحة الممكنة في المعركة. ونحن في دولة الإمارات لم نشترك في المعارك العسكرية حتى الآن، ولو دخل العالم العربي كله المعركة، وشاركنا الإخوة بكل الثقل العربي، فلن يقف أحد في مواجهتنا. إن الخطوة التي أقدمنا عليها هي خطوة بسيطة، أما الخطوات القادمة، فإن الرأي فيها لدول المواجهة التي تقف بثبات ضد الحديد والنار، ونحن تحت تصرف الأخوة العرب على جبهات القتال. إن الدعم الذي تقدمه دولة الإمارات لدول المواجهة، بما في ذلك استخدام سلاح النفط، هو دعم الأخ لأخيه».
هكذا كان الشيخ زايد، رحمه الله، محب لجميع العرب وداعم لهم في السراء والضراء، وهكذا كانت مواقفه أثناء حرب أكتوبر، فهل مر بزماننا هذا، رجل أنبل وأصدق وأخلص لأهله وأشقائه العرب من زايد؟
في عام زايد، وفي ذكرى حرب أكتوبر، ترحموا معي على روح زايد واقرأوا معي الفاتحة على روحه الطاهرة. رحمك الله يا زايد الخير.
*أكاديمي إماراتي