في لحظة تُجسِّد الرؤية الاستثنائية، والقيادة الملهِمة، أكَّد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، خلال مقابلته مع برنامج «60 دقيقة» على قناة «CBS» الأميركية عام 2007، أن طموحه هو أن ينعم شعبه بحياة أفضل الآن، وليس بعد عشرين عاماً.
وشدَّد سموه على ضرورة تحقيق تطورات سريعة وملموسة في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان، والبنية التحتية، في دلالة واضحة على التزامه بقيادة تنموية فاعلة ومبنية على النتائج، وبفضل هذه الرؤية الثاقبة والقيادة الطموحة أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم نموذجاً فعلياً للتنمية الشاملة والمستدامة، إذ حققت توازناً ناجحاً بين النمو الاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي، من خلال الاستثمار في التعليم، وتوفير رعاية صحية متقدمة، وتطوير بنية تحتية حديثة، وتعزيز الطاقة المتجدِّدة. كما حرصت الدولة على الاستثمار في الكفاءات الوطنية والخبرات والمعرفة الإماراتية، ما رسَّخ مفاهيم السلام والأمان المجتمعي، وأسهم في بناء مجتمع شامل يضمن العدالة وتكافؤ الفرص للجميع من دون استثناء.
وبرغم هذا التقدُّم النموذجي، فلا يزال العديد من المجتمعات بالعالم يواجه صعوبات حقيقية في تحقيق مسار واضح نحو التنمية المستدامة، في ظل تحديات مستمرة تعوق ترجمة الأهداف العالمية إلى واقع ملموس.
ومع اقتراب عام 2030 تزداد التساؤلات حول التقدُّم الحقيقي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، في ظل اتساع الفجوة بين التعهُّدات الدولية، والواقع الفعلي. ملايين الأطفال ما زالوا محرومين من التعليم والرعاية الصحية، ومجتمعات بأكملها تعيش في بيئات ملوَّثة تفتقر إلى شروط الصحة والسلامة، إلى جانب نقص مياه الشرب النظيفة، والأمن الغذائي، والخدمات الأساسية، خاصة في مناطق النزاعات.
وفي الوقت نفسه تتفاقم الأزمات البيئية بشكل مقلق، مع تجاوز حدود بيئية آمنة مثل تغيُّر المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، فيما يهدد تحمُّض المحيطات الحياة البحرية، الأمر الذي يُعرِّضها للخطر، ويؤثر في توازنها الطبيعي، ويُضعف قدرة الأرض على مواجهة تغير المناخ.
وفي هذا الإطار تُعَدُّ منطقة أفريقيا جنوب الصحراء من المناطق الأكثر تحدياً في مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، فبرغم الجهود الدولية المبذولة، فلا تزال المنطقة تعاني فقراً مدقعاً وضعفاً في البنية التحتية، إلى جانب تدنٍّ في التعليم والرعاية الصحية، وصعوبات في الوصول إلى مياه الشرب النظيفة وخدمات الصرف الصحي، إضافةً إلى هشاشة الأمن الغذائي.
ووفقًا للبنك الدولي، لا يتجاوز متوسط دخل الفرد فيها 1045 دولاراً سنوياً، وهو ما يضعها ضمن الدول ذات الدخل المنخفض جداً. كما أدرَجت الأمم المتحدة 33 دولة من هذه المنطقة ضمن قائمة الدول الأقل نمواً عالمياً، وهي الفئة التي تعاني مؤشرات تنموية متدنية. وقُدِّرَ عدد السكان في عام 2022 بنحو 1.15 مليار نسمة، ومن المتوقَّع أن يصل إلى 1.4 مليار في 2030، و2.1 مليار في 2050، ما يزيد من الضغوط على الموارد، ويستدعي استجابات تنموية عاجلة وشاملة.
وفي ظل التحديات العالمية المتزايدة تقدِّم دولة الإمارات نموذجاً تنموياً فعَّالاً يجمع بين القيادة الرشيدة، والابتكار العلمي، والخبرات والمعرفة الإماراتية. ومن خلال الاستثمار في الكفاءات الوطنية، وتعزيز البحث العلمي، وتبني حلول معرفية متقدمة، تُسهم الإمارات بدور ملموس في دفع التنمية المستدامة عالمياً بالشكل الذي يجعل من التجربة الإماراتية مثالاً حياً يمكن الاستفادة منه عالمياً لبناء مجتمعات مستقرة ومرنة قادرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بفاعلية واستمرارية.
د.راشد محمد كركين
مؤلف كتاب «قادة التنمية المستدامة»، خبير حماية البيئة والتنمية المستدامة، مؤسس معهد التنمية المستدامة للبحوث والتدريب، نائب رئيس جمعية الباحثين.